حدود العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الصين ودول الخليج

الجمعة 18 فبراير 2022 11:57 ص

التقى الرئيس الصيني "شي جين بينج" مع ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" وأمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين لمناقشة تعزيز التعاون. وفي يناير/كانون الثاني، سافر وزراء خارجية السعودية والكويت وعُمان والبحرين وكذلك الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي إلى الصين، فيما وصف بأنها "حملة دبلوماسية غير مسبوقة تجاه الصين".

وصورت وسائل الإعلام الصينية زيارة يناير/كانون الثاني على أنها خطوة "إيجابية" في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج، وقد أُعيد النقاش مرة أخرى حول اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي رغم التوقفات المتكررة منذ بدء المفاوضات عام 2004.

كما وصل وزيرا خارجية إيران وتركيا إلى الصين في زيارات منفصلة، في يناير/كانون الثاني؛ ما يعكس التوجه الكبير لقوى الشرق الأوسط نحو بكين في هذه الفترة.

وفي حين أن الزيارات تعكس الطبيعة المتنامية ومتعددة الأوجه لانخراط الصين في المنطقة، فلا ينبغي اعتبارها نقطة انعطاف في العلاقات الصينية الخليجية. فهناك حدود لمسار النمو هذا وعقبات أمام حدوث مواءمة طويلة الأجل في أهداف التنمية الاقتصادية.

  • تعاون اقتصادي مدفوع بالطاقة

ولا يزال الطلب الصيني على الطاقة يشكل جوهر الشراكات الصينية الخليجية. واحتلت السعودية المرتبة الأولى في توريد النفط الخام إلى الصين في عام 2021، حيث استحوذت على 17% من واردات النفط الصينية.

وأبرمت قطر، أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى الصين، عدة صفقات غاز طبيعي طويلة الأجل مع شركات صينية في ديسمبر/كانون الأول 2021. وطلبت الدوحة شراء ناقلات غاز طبيعي مسال من الصين بقيمة 762 مليون دولار في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته. ولا تزال الصين سوقا مركزيا للنفط العُماني والعراقي والإماراتي والكويتي.

ويؤدي تباطؤ ملف التنويع الاقتصادي في منطقة الخليج إلى استمرار الاعتماد المالي على مستهلكي الطاقة الرئيسيين مثل الصين. ومع ذلك، فإن هذه التبعية ليست موزعة بالتساوي في جميع أنحاء المنطقة، فقد اشترت الصين نحو 83% من إجمالي شحنات النفط العُمانية في النصف الأول من 2021، لكن معظم دول الخليج تعتمد على مزيج أكثر تنوعا من الشركاء التجاريين.

بعبارة أخرى، لا تعد الصين لاعبة منفردة في المنطقة بالرغم أن الكثير من الطلب على النفط الخليجي يأتي من آسيا. وكانت الإمارات، ثالث أكبر مصدر للنفط الخام في الشرق الأوسط بعد السعودية والعراق، قد شحنت نفطا إلى اليابان أكثر من أي دولة أخرى في الأعوام الأخيرة. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، ستكون الهند مسؤولة عن الحصة الأكبر من نمو الطلب على الطاقة خلال العقدين المقبلين.

وتعتمد الهند على الواردات لتلبية ما يقرب من 85% من احتياجاتها من النفط و50% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وقد اعترف وزير البترول والغاز الطبيعي الهندي بأن بلاده ستستمر في الاعتماد على النفط والغاز في المستقبل المنظور.

  • لا نفط.. لا مشكلة

يبدو أن الصين ستلعب دورا محوريا في التنمية المستمرة للقطاعات غير النفطية في المنطقة. وهناك أوجه تكامل قوية بينها وبين دول الخليج في قطاعات النمو المقترحة في الخليج؛ مثل السياحة والاتصالات السلكية واللاسلكية ومصادر الطاقة المتجددة والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي وغيرها من الصناعات الموجهة نحو التكنولوجيا.

وسيتعزز التأثير التكنولوجي الصيني عبر قاعدة المستخدمين الشباب سريعة النمو في الخليج. وتكشف المجالات التعليمية والمالية في الخليج أيضا عن تنامي النفوذ الصيني. وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، وقعت الحكومة العراقية اتفاقيات مع شركتين صينيتين لبناء 1000 مدرسة على مدى عامين.

وتسعى الصين لمعالجة مشاكل نظام التعليم العراقي مقابل المنتجات النفطية؛ مما يساعد بكين على تشكيل الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية الإقليمية.

كما تعمل صناديق الثروة السيادية على تعزيز العلاقات بين الصين والخليج، فقد أنشأت "مبادلة" في أبوظبي، وبنك التنمية الصيني "كابيتال"، وإدارة الدولة للنقد الأجنبي في الصين، صندوق استثمار مشترك بين البلدين بقيمة 10 مليارات دولار في عام 2015.

وخلال الأعوام الأخيرة، سعى مسؤولو صناديق الثروة السيادية الخليجية إلى توجيه المزيد من المحافظ نحو الاقتصادات الآسيوية بما في ذلك الصين. لكن قد يؤدي ميل بكين إلى فرض ضوابط صارمة على الحدود وعمليات الإغلاق المتعلقة بوباء كورونا إلى تقييد وصول السياح الصينيين إلى الخليج خلال الأعوام المقبلة.

ويؤدي استمرار الضغط الأمريكي على دول الخليج لإبطاء انتشار التقنيات الصينية إلى تعقيد البيئة التجارية للشركات الصينية العاملة في المنطقة. وفي الواقع، ما تزال صناديق الثروة السيادية الخليجية تميل إلى توظيف حصة أكبر من رأس مالها الاستثماري في الولايات المتحدة وأوروبا مقارنة بالصين.

وتؤدي الممارسات الصارمة للحكومة الصينية ضد الشركات المحلية إلى تزايد تخوفات المستثمرين من المخاطر السياسية المرتبطة بهذا النوع من الاستثمار، في حين أن معدلات النمو الاقتصادي المتباطئة كشفت عن تصدعات في نموذج التنمية الصيني.

  • تدفقات الاستثمار والعلاقات التجارية

بين عامي 2005 و2021، بلغت قيمة الاستثمارات الصينية التراكمية ومشاريع البناء في دول الخليج 43.47 مليار دولار في السعودية، و36.16 مليار دولار في الإمارات، و30.05 مليار دولار في العراق، و11.75 مليار دولار في الكويت، و7.8 مليار دولار في قطر، و6.62 مليار دولار في عُمان، و1.42 مليار دولار في البحرين.

ويتناسب توزيع الاستثمارات الصينية في المنطقة تقريبا مع الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة. وفي عام 2020، حلت الصين محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي.

وتعد الإمارات محورا رئيسيا لإعادة تصدير البضائع الصينية إلى المنطقة وأفريقيا، وزادت التجارة بين الصين ودبي في النصف الأول من عام 2021 بنسبة 30.7% على أساس سنوي. ومع ذلك، فإن إجمالي التدفقات التجارية بين الإمارات والصين استقرت إلى حد كبير في الفترة من 2014 إلى 2020.

ونما إجمالي التجارة الثنائية بين السعودية والصين من نحو 42.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 76 مليار دولار في عام 2019؛ ما جعل الصين بسرعة أكبر شريك تجاري للسعودية. وظلت الصين أكبر شريك استيراد وتصدير للسعودية اعتبارا من الربع الثالث من عام 2021. ومع ذلك، فإن قيمة الواردات والصادرات لم تنمو بشكل مطرد خلال العقد الماضي.

وشكلت المعادن، بما في ذلك النفط الخام والغاز البترولي، ما يقرب من 80% من الصادرات السعودية إلى الصين في عام 2019، ما يدل على أن أسعار الطاقة تعد متغيرا مهما في تقلب أرقام التدفق التجاري.

وتدفع سياسات متنوعة (مثل المناطق الاقتصادية الخاصة) التجارة بين الصين والخليج وتدفقات الاستثمار. على سبيل المثال، تستضيف منطقة "خليفة" الصناعية في أبوظبي منطقة للتعاون في القدرات الصناعية بين الصين والإمارات، ويتم تطويرها من قبل شركة "جيانجسو" للتعاون الخارجي والاستثمار وتشرف عليها اللجنة الوطنية الصينية للتنمية والإصلاح.

ولم تزدهر جميع هذه المبادرات في المنطقة، فقد كان هناك بطئا شديدا في تنفيذ التعهدات الصينية بإنشاء مجمع استثماري مشترك بقيمة 10 مليارات دولار في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في عُمان.

  • إعادة ضبط العلاقات بين الصين وإيران

شكك محللون في اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الصين وإيران، والتي تصل قيمتها إلى 400 مليار دولار ويقال إنها تقترب من مرحلة التنفيذ.

وبالرغم أن التقارير الصحفية زادت مع الضجيج المحيط بهذه العلاقة الاقتصادية المثيرة للجدل، فإن البيانات الاقتصادية التاريخية تكشف قصة مختلفة. فقد بلغت القيمة الإجمالية للاستثمارات الصينية ومشاريع البناء في إيران بين عامي 2005 و2021 نحو 26.56 مليار دولار فقط.

واستقرت التجارة الثنائية بين إيران والصين عند 21.71 مليار دولار في عام 2019، بانخفاض كبير من 52.20 مليار دولار في عام 2014، وفقا لـ "مرصد التعقيد الاقتصادي".

وتشمل اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين الصين وإيران، التي تبلغ مدتها 25 عاما، خططا للاستثمار الصيني في المناطق الحرة الإيرانية، لكن المخاوف المتعلقة بالعقوبات لا تزال تشكل عائقا رئيسيا أمام زيادة التجارة والاستثمار.

وفي الوقت نفسه، تعمل الشركات الصينية بالفعل كشركاء تجاريين راسخين في العديد من المناطق الحرة الخليجية مثل منطقة خليفة الصناعية و"جبل علي" في الإمارات.

ومن المرجح أن تستمر الشركات والمستثمرون الصينيون في إعطاء الأولوية للعلاقات الاقتصادية مع الجهات الفاعلة الخليجية على حساب العلاقات الأكثر خطورة مع الإيرانيين.

  • الحزام والطريق

وبالرغم من الضجيج الكبير المحيط بمبادرة "الحزام والطريق"، لا تَعِد المبادرة بالضرورة بمكاسب اقتصادية هائلة لمنطقة الخليج. وفي حين أن المبادرة مفتوحة لجميع الدول نظريا، فإن الشركاء الأساسيين لها يتركزون في الجوار الجغرافي المباشر للصين.

ويدعم الموقع الجغرافي للخليج التصوير المستمر للمنطقة كحلقة وصل أساسية في استراتيجية الصين الاقتصادية الكبرى، لكن هذا لا يضمن المشاركة التجارية المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق.

وفي السر، وصف مسؤولون خليجيون مبادرة الحزام والطريق في المنطقة بأنها "سراب". وبالرغم من النفوذ الاقتصادي العالمي للصين، إلا أن بعض المسؤولين ورجال الأعمال الخليجيين يعربون عن حماس أكبر لتطوير شراكات ثنائية جديدة مع الدول التي تمتلك اقتصادات أصغر، مثل إسرائيل.

ومع ذلك، فإن "طريق الحرير الرقمي" له صلة كبيرة بالمنطقة، نظرا للاستراتيجيات الرقمية الوطنية الجارية في دول الخليج. وبالنسبة للشركات الصينية، تظل مشاريع البنية التحتية الرقمية أسهل وسط اختناقات سلسلة التوريد وعمليات الإغلاق المتعلقة بجائحة "كوفيد-19".

وبدأت دول الخليج النظر إلى التعاون القائم على التكنولوجيا كوسيلة لتنويع اقتصاداتها وإنشاء اقتصادات المعرفة قبل وقت طويل من تفشي جائحة كورونا، ومن المرجح أن يتسارع التعاون الموجه نحو التكنولوجيا في الأعوام المقبلة.

وتضغط بكين على الحكومات الخليجية من أجل تعزيز الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات لكن دول الخليج ما زالت تحرص على تأطير أي زخم في المربع الاقتصادي.

واستنادا إلى الزيارات التي قام بها مسؤولون خليجيون مؤخرا إلى الصين، يبدو أن بداية عام 2022 كانت مناسبة لاستجابة منسقة جزئيا من قبل دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى جهد مماثل من جانب إيران.

ورحب الصينيون بهذه الفرصة لرسم صورة لتوهج العلاقات، لكن لا ينبغي أن تلقي التحركات الدبلوماسية بظلالها على الفهم الدقيق لطبيعة العلاقات الصينية الخليجية التي تستمر أبعادها الاقتصادية في النمو لكن بطريقة غير مترابطة وغير متساوية.

المصدر | روبرت موجيلنيكي/معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الخليجية الصينية اقتصاد الطاقة زيارة الصين أولمبياد بكين مبادرة الحزام والطريق طريق الحرير الرقمي تنويع الاقتصاد

لقاءات متتالية لوزراء خارجية دول خليجية وإيران وتركيا في الصين

هكذا تؤثر حرب اليمن على بوصلة العلاقات بين الصين ودول الخليج

الصين ترفض انتقادات إيرانية بشأن علاقتها العسكرية مع الخليج

الصين تتطلع إلى منطقة الخليج لإبراز قوتها العسكرية في الخارج

أوراسيا ريفيو: غزوات الصين الرقمية بالخليج تقلق أمريكا

التكنولوجيا الصينية تخترق آسيا الوسطى ودول الخليج.. انتصار آخر لبكين على واشنطن