كارنيجي: استقرار النظام السوري مرهون باستعادة السيطرة على شرق الفرات

السبت 8 أكتوبر 2022 11:13 ص

أصبحت الحرب في سوريا محصورة في قوس في شمال البلاد على طول الحدود مع تركيا، ففي هذه المنطقة التي تمتد من محافظة إدلب في الغرب إلى منطقة الجزيرة المتاخمة للحدود التركية العراقية في الشرق، يوجد الآن عشرات الآلاف من المقاتلين، بما في ذلك قوات نظام "الأسد" وعدد لا يحصى من الجماعات المسلحة من أبرزها "قوات سوريا الديمقراطية" و"هيئة تحرير الشام".

وبالإضافة إلى ذلك، هناك 3 "كانتونات" تركية؛ واحدة شكلتها عملية "درع الفرات"، وأخرى شكلتها عملية "نبع السلام"، ومنطقة عفرين. وتعد منطقة الحدود الشمالية أيضًا موطنًا لعدد من القوات الدولية، بما في ذلك القوات الأمريكية والروسية والتركية، وكذلك الشبكات الإيرانية.

في هذا السياق المعقد، ربما يعيد النظام السوري وتركيا فتح القنوات السياسية مع بعضهما البعض، في استكمال للقنوات الأمنية التي أُنشئت بعد محاولة الانقلاب في تركيا في عام 2016.

ومع ذلك، فإن الحقيقة الواضحة هي أن نظام "الأسد" لم يعد قادرًا على العمل على المستوى الإقليمي، وقد مثل ذلك عقبة رئيسية أمام تحويل نجاحاته العسكرية ضد المعارضة السورية إلى مكاسب سياسية ملموسة من شأنها أن تسمح للنظام بإعادة فرض سلطته، وبالتالي شرعيته، على كل أراضيه.

لذلك فإن أولوية النظام اليوم ما تزال تتعلق بإعادة السيطرة على المناطق شرق الفرات، والسيطرة على مواردها الاقتصادية بما في ذلك النفط، بالرغم أن هذا الأمر ما يزال مستبعدا في المستقبل المنظور.

ومن المحتمل أن يأتي التقارب بين نظام "الأسد" والحكومة التركية في إطار مجموعة عمل أستانا. وبدأ هذا المسار الإقليمي، الذي يضم تركيا وإيران وروسيا، في عام 2017، وقد أدى إلى نتائج كبيرة على الأرض، وغير طبيعة الصراع السوري من جهد للإطاحة بنظام "الأسد" إلى احتواء المجموعات المتمردة داخل منطقة جغرافية محدودة، مع ترسيم خطوط المعركة في شمال غرب سوريا.

التقاء المصالح التركية والسورية

بالرغم من فعالية مسار أستانا، لكنه يبقى إطارًا أمنيًا تتداخل فيه مصالح الأطراف التي تشرف على العملية. وقد وفر هذا للنظام السوري فرصة لاستعادة أكبر قدر ممكن من الأراضي التي فقدها خلال الحرب. ومع ذلك، فإن مسار أستانا لم يتطرق لمسألة إعادة فرض النظام لسلطته السياسية.

وهنا تأتي أهمية العلاقات مع تركيا. لكن بالرغم من المكاسب العسكرية لنظام "الأسد" في السنوات الأخيرة، ظلت إعادة العلاقات مع أنقرة أمرا صعبا لأن الدولة السورية ليس لديها شيء ذا قيمة تقدمه للأتراك.

وحتى في المناطق التي استعادها الجيش السوري، لم يتمكن النظام من فرض السيطرة الكاملة، وخير مثال على ذلك الأوضاع في الجنوب السوري. وقد أدى هذا لخلق بيئة غير مستقرة بشكل مزمن. علاوة على ذلك، فإن الاقتصاد السوري يعاني من انهيار كارثي كما كان للعقوبات الاقتصادية الغربية تأثير سياسي كبير من حيث عزل النظام على الصعيدين الإقليمي والدولي. علاوة على ذلك، فإن الدولة السورية ضعيفة من حيث الإدارة والحوكمة، وتفتقر إلى الموظفين المؤهلين لتشغيل مؤسسات الدولة.

ومع ذلك، تمثل المناطق الحدودية في شمال شرق سوريا نقطة التقاء محتملة بين مصالح أنقرة ودمشق، حيث يوجد لدى الجانبين مصلحة مشتركة في تفكيك مشروع "قوات سوريا الديمقراطية"، والمتمثل في إقامة منطقة ذاتية الحكم تخضع لسيطرة الأكراد الذين يهيمنون على "قوات سوريا الديمقراطية". ومع ذلك، لا يزال هذا غير مرجح على المدى القريب بسبب وجود القوات الأمريكية التي تنسق باستمرار مع "قوات سوريا الديمقراطية" وتدعمهم.

مصادر الاضطراب

هناك مصدران محتملان لعدم الاستقرار في المستقبل في منطقة شرق الفرات. الأول هو أنه إذا تم القضاء على "قوات سوريا الديمقراطية"، فقد يؤدي ذلك إلى خلق فراغ أمني يمنح فرصة للحرس الثوري الإيراني وحلفائه للتوسع في شمال المنطقة، كما فعلوا جنوبًا بالقرب من دير الزور.

وتسود أجواء عامة من التعبئة في منطقة الجزيرة شمال شرق سوريا بين قادة القبائل والعشائر العربية، وهناك اتصال بين بعض القادة القبليين والمستشارين الإيرانيين، حيث ترى القبائل العربية أن منطقتهم تعاني تحت الحكم الكردي، وقد أثار هذا السخط العربي، وهو ما يعكس الاستقطاب الكبير عندما يتعلق الأمر بقضايا الهوية.

المصدر الثاني المحتمل لعدم الاستقرار هو أن تنظيم "الدولة" لا يزال موجودًا في المنطقة، بما في ذلك السجون والمخيمات التي تم إنشاؤها لإيواء عائلات أعضائه. ولا تزال "قوات سوريا الديمقراطية" تلعب دورًا مهمًا في منع ظهور أي نسخة جديدة من "الدولة الإسلامية"، ولهذا يتردد الأمريكيون بشأن الموافقة على الهجوم التركي على المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية".

وبدون السيطرة على منطقة شرق الفرات، لن يكون نظام "الأسد" قادرًا على تحقيق الاستقرار لنفسه، وبالتالي سيظل غير قادر على العمل على المستوى الإقليمي. ويدرك النظام في دمشق هذا جيدًا، ولكن ليس لدى النظام خيار سوى انتظار تحول إقليمي في السنوات القادمة يمكن أن يخدمه في المناطق الحدودية.

المصدر | خضر خضور | كارنيجي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سوريا الأسد قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات الدولة الإسلامية هيئة تحرير الشام روسيا أستانا العلاقات السورية التركية

في تواصل مباشر.. إسرائيل تطمئن الأسد: لست المستهدف بقصف حلب ودمشق