بن سلمان أدلى بصوته في انتخابات الكونجرس.. وأوبك+ أطلق مخاضا لنظام عالمي جديد

الأحد 30 أكتوبر 2022 09:58 ص

"أدلى شخص غير أمريكي بصوته في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في 8 نوفمبر/تشرين الثاني قبل موعدها المحدد.. إنه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان".

هكذا وصف الدبلوماسي الإيطالي السابق "ماركو كارنيلوس" خلاصة قرار تكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها (أوبك+) بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا، رغم "توسلات" إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى الرياض لتأجيل القرار.

وذكر سفير إيطاليا السابق بالعراق، في مقال نشره بموقع "ميدل إيست آي"، أن قرار (أوبك+) تسبب "في أكبر أزمة أمريكية - سعودية منذ توقيع واشنطن الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015". 

وأشار إلى أن "الرياض في طريقها إلى مسار آخر"، إذ تنوي الانضمام إلى دول مجموعة "بريكس"، صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وتعمل على زيادة تعاونها مع الصين، بما في ذلك دراستها لخطوة غير المسبوقة، وهي تجارة النفط باليوان بدلاً من الدولار.

كما تتخذ الإمارات خطوات شبيهة، حيث زار رئيسها "محمد بن زايد" موسكو مؤخرًا، وصرح وزير طاقتها "سهيل المزروعي" بأن "روسيا لا يمكن تعويضها في سوق النفط"، ما اعتبره "كارنيلوس" "تلويح بالرايات الحمراء أمام الثور الأمريكي"، في إشارة إل فقدان الولايات المتحدة السيطرة على حلفائها التقليديين بالخليج.

وأضاف أن المنطق الاقتصادي لقرار (أوبك+) "يبدو مبررًا، وليس مدفوعًا فقط بالمصالح القومية الضيقة"، إذ يمكن أن يؤدي التباطؤ الاقتصادي العالمي إلى خفض الطلب على النفط وزيادة تقلب الأسعار.

كما يتوافق القرار مع اتفاقية غير مكتوبة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية منذ عام 1945، مفاده أن "تحمي الولايات المتحدة المملكة مقابل ضمان الأخيرة تدفقًا منتظمًا للنفط مع الحماية من التقلبات".

لكن منذ الاتفاق النووي لعام 2015 وعدم استعداد واشنطن للرد بعد تعرض منشآت النفط السعودية للهجوم في عام 2019، لم تعد الرياض وأبوظبي تنظران إلى الولايات المتحدة على أنها "حامية فعالة".

وإزاء ذلك، يعيد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" تقييم التعاون العسكري لبلاده مع الرياض، وينظر الكونجرس في وقف مبيعات الأسلحة إليها، كما ينظر ما يعرف بـ "الخيار النووي" في عالم النفط، وهو مشروع قانون "نوبك"، الذي يسمح بمصادرة أصول حكومات "أوبك+" باعتبارها تتبنى ممارسات احتكارية في سوق النفط.

وهنا يشير "كارنيلوس" إلى أن التقديرات تفيد بأن السعودية وحدها لديها أصول بقيمة تريليون دولار في الولايات المتحدة، ما يؤشر إلى "مخاض لولادة نظام عالمي جديد".

ومع ذلك، فإن رد الفعل العنيف في واشنطن يكشف عن صعوبة التكيف مع هذا النظام الآخذ في التشكل، حتى بعدما جعلت ثورة النفط الصخري الولايات المتحدة أكبر منتج في العالم، وبذلك انخفض اعتمادها على نفط الخليج، لكن اهتمامها بتجنب تقلب الأسعار لم ينخفض.

فالواقع اليوم هو أن السعودية وروسيا تديران إنتاج النفط وأسعاره بحكم مصالحهما المتقاربة من خلال صيغة "أوبك+"، فإن "التنمر على أوبك+ ليس بالأمر السهل ولا ينصح به" حسبما يرى الدبلوماسي الإيطالي السابق.

وأشار إلى أن الحرب في أوكرانيا نجم عنها "حرب اقتصادية" ضد روسيا، تخلق ديناميكيات جديدة و"لذا فإنه لا ينبغي أن تستغرب مجموعة السبعة الكبار أن تفضي المحاولات المبذولة لفرض سقف على أسعار النفط والغاز إلى تشكل انطباع لدى مجموعة أوبك+ بأن المقصود هو التمهيد لإطلاق تكتل يجمع الأقطار المستهلكة الطاقة".

وأضاف: "المفارقة الحقيقية هنا هي أنه في حقبة تتسم بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر، تسعى جميع القوى الكبرى بكل ما أوتيت من قدرات للهيمنة على سوق الوقود الحفري".

ويرى "كارنيلوس" أن الأزمة بين الولايات المتحدة والسعودية تمثل نموذجاً تقليدياً لما كان ينبغي على واشنطن عدم الإقدام عليه فيما لو أرادت تجنب إسخاط بقية دول العالم، متابعا: "ينبغي على الولايات المتحدة وحلفائها استيعاب التحول الحاصل ومفاده أن المشاكل الأمريكية والأوروبية لم يعد يُنظر إليها باعتبارها مشاكل بقية العالم".

وهنا يلفت الدبلوماسي الإيطالي السابق إلى سياق تاريخي يراه مفيدا لفهم التحول في العلاقات الأمريكية السعودية بشكل أفضل. 

ففي عام 1971، أنهت الولايات المتحدة تغطية الدولار بالذهب من جانب واحد إيذانا بنهاية نظام "بريتون وودز"، الذي استمر لعقود، ما أعطى للدولار الأمريكي "امتيازاً باهظاً"، حسب وصف الرئيس الفرنسي السابق "شارل ديجول"، حيث أصبح هو العملة الاحتياطية العالمية للتجارة والتمويل وتسعير المواد الخام والسلع.

وتسببت العولمة في نمو التجارة والتمويل العالميين بشكل كبير، جنبًا إلى جنب مع الطلب العالمي على الدولار، ومنذ ذلك الحين أصبحت الولايات المتحدة قادرة على إدارة عجز ميزانيتها عبر الاستفادة من قروض ضخمة بالمجان تقريبا، بينما حظرت في نفس الوقت على أي بلد آخر إمكانية تحويل ما لديه من دولارات احتياطية إلى الذهب، تاركة إياها بخيار وحيد، هو شراء سندات الخزانة الأمريكية.

وفي السياق، أخضع صندوق النقد الدولي بقية العالم لبرامج صارمة من الضبط المالي والتقشف بهدف إبقاء الدين تحت السيطرة، وكان ذلك هو الركن المالي الذي قام عليه النظام العالمي المكون من قواعد وأحكام تقررها الولايات المتحدة، ويصفها "كارنيلوس" بأنها "غير منصفة".

وأشار إلى أن "دول الجنوب العالمي، بقيادة مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، سئمت من هذا الترتيب المالي، الذي غالبًا ما يستخدم فيه الدولار كسلاح أمريكي، ولذا فهي تبتعد عن الدولار ببطء".

وتساءل الدبلوماسي الإيطالي السابق: "إذا كانت الولايات المتحدة، المنتج الرئيسي للغاز الطبيعي المسال، تفرض أسعارًا فلكية على الغاز الذي تبيعه إلى حلفائها الأوروبيين، فلماذا يجب أن تهتم (أوبك+) بشكاوى المستهلكين الأمريكيين من أسعار البنزين؟".

وأكد "كارنيلوس" أن سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة لخفض التضخم تؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار، ما يسبب مشاكل لجميع اقتصادات العالم بسبب زيادة تكاليف الإمدادات، مجددا التساؤل: "لماذا يجب على (أوبك+) النظر في المطالب الأمريكية بشأن تخفيضات النفط أو معاقبة روسيا إذن؟".

وتابع: "الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي (جوزيب بوريل) أصدر بيانًا بائسًا يصف فيه أوروبا بأنها حديقة وبقية العالم بأنه غابة، فلماذا يجب على الغابة الانتباه إلى المخاوف الأوروبية والأمريكية بشأن الصراع في أوكرانيا أو أي شيء آخر؟".

وتابع "لماذا يجب أن تكون الغابة حساسة تجاه المطالب الغربية بمعاقبة روسيا على استيلائها على الأراضي الأوكرانية بالقوة، بينما يتم التغاضي عن ممارسات مماثلة من قبل دول أخرى وتبقى بلا عقاب؟".

وشدد "كارنيلوس" إلى أن "هذه الاعتبارات لا تهدف إلى إنكار الطبيعة الاستبدادية الصلبة للقادة الروس أو السعوديين أو الصينيين، ولا التقليل من مأساة أوكرانيا، بل لتسليط الضوء على منظور عالمي آخذ في التصاعد".

وعندما يرفض القادة وصناع الرأي في الولايات المتحدة وأوروبا مثل هذه الاعتبارات من خلال التأكيد على أن أوكرانيا يجب أن تحظى بالأولوية لأنها تقع في الجزء "المتحضر" من أوروبا، فإنهم "يوسعون الفجوة الثقافية بين الغرب والجنوب العالمي"، حسب رأي الدبلوماسي الإيطالي السابق.

وتساءل "كارنيلوس" مجددا: "لنفترض أن السعوديين يرغبون حقًا في التأثير على الاقتصاد الأمريكي من أجل الإضرار بايدن. لماذا يجب رفض هذا الامتياز لهم والسماح به لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو؟".

وأردف بأن العالم يشهد حاليًا "مخاض ولادة نظام متعدد الأقطاب"، مشيرا إلى أن "الولايات المتحدة وحلفاؤها يحاولون منعه من خلال التمسك بالنموذج الحالي أحادي القطب، الذي لم يعد قابلا للاستمرار".

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السعودية محمد بن سلمان الكونجرس أوبك+ روسيا جو بايدن

أكسيوس: السعودية توجه رسالة توبيخ جديدة لواشنطن بعد خفض أوبك+

الخليج يستعرض عضلاته.. الأبعاد الجيوسياسية لقرار أوبك+ الأخير

انتخابات تجديد الكونجرس.. الاستطلاعات ترجح هزيمة الديمقراطيين وعودة ترامب لمنافسة بايدن

نتائج أولية.. الجمهوريون نحو أغلبية بالنواب ومنافسة محتدمة مع الديمقراطيين في الشيوخ

انتخابات الكونجرس.. فوز المسلمتين إلهان عمر ورشيدة طليب مجددا ونانسي بيلوسي متفائلة

انتخابات الكونجرس.. الجمهوريون يقتربون من الفوز بالنواب وصراع محتدم على الشيوخ