استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عبدالرحمن الخطيب: «خلوهن في بيوتهن وريحونا» !

الخميس 5 يونيو 2014 08:06 ص

عبدالرحمن الخطيب 

نشرت صحيفة «الحياة» خبراً مفاده بأن وزارة العمل السعودية أصدرت قراراً بإلزام العاملات في المحال التجارية بارتداء النقاب في أثناء العمل، ومنعهن من الحديث مع زملائهن الرجال.

ودافعت عن قرارها هذا بأنها كانت أبرمت مذكرة تفاهم مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في شأن تنظيم عمل النساء في المحال، وأن اشتراطات الوزارة شددت منذ البداية على التقيد بالضوابط الشرعية لحجاب العاملات. علماً أن العاملات يعملن منذ أعوام كاشفات الوجه في المحال التجارية والمستشفيات والشركات الكبيرة والصغيرة والمصانع، وفي الوظائف الإدارية العامة والخاصة.

على ما يبدو أن قضية الخلاف على عمل المرأة السعودية، والتضييق عليها والتعلل والتحجج بأعذار شرعية وغير شرعية لن ينتهيا. هذا الخلاف بدأ منذ عام 2006 حين صدر قرار يحظر عمل الرجال في متاجر الملابس النسائية، والسماح بعمل المرأة في المحال الخاصة ببيع المستلزمات النسائية، استفادت على إثره الكثير من النساء المعيلات لأسرهن.

في المقابل صدرت فتاوى دينية تحرم عمل المرأة في المحال. وشهدت المملكة بعض الحوادث التي حصل فيها مضايقات من بعض المحتسبين تجاه العاملات في الأسواق التجارية، لإرهابهن، لكي يعدن إلى بيوتهن. متكئين في تصرفهم هذا على قصة الزبير حين أراد منع زوجته من الذهاب إلى المسجد.

الآن من الشرعي طرح الأسئلة الآتية: هل مصطلح «وفق الضوابط الشرعية» يعني أن ضابط الشرع يلزم النساء بالنقاب إذا كنّ داخل المحال، ولا يلزمهن إذا كن خارج المحال؟ وما الدليل الشرعي بتغطية الفم والأنف من دون الوجه كاملا؟ أم أن «الضابط الشرعي» اكتفى بـ«الوصوصة»، وهو يختلف عن النقاب، لأن الستر فيه يتم من دون العينين ولا يصل إلى المحجر كما في النقاب أو اللثام. إن قضية الحجاب والاختلاط هي من أكثر القضايا إثارة للخلاف وللجدل في المجتمع السعودي، فهي محور الخلاف الرئيس في عمل المرأة، وقيادتها السيارة، وممارستها الرياضة، وبطاقتها الشخصية، وخروجها من المنزل، وغيرها.

يُعرّف الحجاب لغة وشرعاً بأنه الشيء الساتر، ويقال: حجب الشيءَ يحجبه حجباً وحجاباً: ستره، إذا اكتن من وراء الحجاب. حجب بينهما: حال. والحجاب: ما حال بين شيئين. أي إن الحجاب، لغة، هو التعبير عن بعد مكاني، يميز عتبة بين منطقتين مميزتين، وحجبُ الشيء هو عملية تقسيم الحيز أو الفضاء إلى قسمين اثنين، يتم إخفاء أحدهما عن الآخر. قال الراغب الأصفهاني: «الحجب والحجاب هو المنع من الوصول». إذاً الأصل في الحجاب أنه جسم حائل بين جسدين. ويمكن الاستنتاج أن كلمة «حجاب» لا تعني الفصل بين جنسين مختلفين، بل هو لفظ مطلق، وربما يكون بين ذكرين اثنين. كما أن مصطلح الحجاب بات مصطلحاً مطاطياً تندرج تحته أمور لم يأت بها نص شرعي. والخلط بين معاني الحجاب والخمار والجلباب والنقاب أصبح شائعاً، حتى إن كلمة حجاب أصبحت تُطلق على هذه المفاهيم الأربعة من دون تفريق.

في القرآن الكريم ثلاث آيات عن هذا الموضوع: آيتان في سورة النور، وآية في سورة الأحزاب. الأولى وردت بلفظ الحجاب، والثانية بلفظ الجلباب، والثالثة بلفظ الخمار، ولكن مقصد اللفظ في كل آية مختلف تماماً عن المقصد في الأخريين. أما النقاب فلم يأت ذكره إلا في الحديث الشريف. وكان عادة قد اتخذها الرجال والنساء، على حد سواء، في الجزيرة العربية وشمال أفريقية منذ الجاهلية وحتى اليوم، حماية لأنفسهم من تأثير غبار الصحراء.

الآية الأولى والوحيدة التي وردت فيها كلمة حجاب: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب) [الأحزاب:53]، أجمع العلماء على أن المقصود فيها نساء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحسب. إذ يجب عليهن أن يحجبن وجوههن فضلاً عن بقية البدن. أي إن المعنى الأصلي للاحتجاب هو حماية أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن-، من لقاء الرجال الأجانب من دون حجاب، والابتعاد بشخوصهن تماماً عن أبصار الرجال. وهذا ما فهمه عمر، رضي الله عنه، من المقصود بالحجاب. فعندما توفيت حفصة ابنته، سترها النساء عن أن يرى شخصها، وأن زينب، رضي الله عنها، جعلت لها قبة فوق نعشها ليستتر شخصها.

أكد ابن حجر خصوصية الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن بني البشر بقوله: «وفي الحديث - يقصد حديث نزول آية الحجاب - من الفوائد مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين. قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به - يقصد أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، - فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين... والحاصل أن عمر، رضي الله عنه، وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي، فقال له: يا رسول الله لو اتخذت حجاباً، فإن نساءك لسن كسائر النساء، وذلك أطهر لقلوبهن». وهو دليل على أن الحجاب نزل في نساء الرسول، صلى الله عليه وسلم، خاصة.

الأمر الآخر الأكثر الأهمية في موضوع قرار وزارة العمل هو منع العاملات من الحديث مع زملائهن الرجال، وهنا تكمن إشكاليتان: الأولى المفهوم المغلوط لهذا المنع شرعياً. والأخرى إعاقة سيرورة العمل داخل المحال. وسأتكلم عن الأولى؛ لأن الثانية الاعتراض فيها يرجع إلى أصحاب المحال المتضررة من تقسيم محالهم إلى قسمين لمنع التخاطب بين الجنسين. إن التطرق إلى قضية عادة فصل النساء عن الرجال مهم جداً. وكنت قد تناولتها في مقالة سابقة بتفصيل، بأنها بدأت منذ عهد البابليين. إذ كانت البيوت في بابل بها أجنحة خاصة للنساء. ثم انتقلت إلى اليونانيين القدامى. بعدها دخلت هذه العادة الكنائس المسيحية للفصل بين الرهبان والراهبات. أما في البلاد العربية والإسلامية فمذ جاء الإسلام لم تُعرف إلا في عهد العباسيين والعثمانيين.

كما أن هناك لبساً حاصلاً بين مفهوم الاختلاط المبتدع وبين الخلوة. فالشرع سمح للمرأة أن تتحدث للرجل، شريطة وجود أناس غيرهما. فعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أنه قال: «جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فخلا بها». وقال الإمام ابن حجر في (فتح الباري) بجواز ذلك شريطة أن لا يغيبا عن الأعين، وأسقط شرط سماع حديثهما. أما المحظور في الشرع فهو الخلوة غير الشرعية، التي يمكن أن نعطي مثالاً لها زيارة رجل بمفرده لزوجة غاب عنها زوجها (مغيبة).

بناء على ما تقدم فإننا إذا اتفقنا على معنى الحجاب بأنه ذلك الستر أو الستارة التي أرخاها الرسول، صلى الله عليه وسلم، فحجز بين نسائه وبين أصحابه، هو نفسه الجدار الذي سيرفع بين النساء والرجال بارتفاع 160 سم في المحال. فإن القول بأن على النساء المسلمات الاقتداء بنساء الرسول، صلى الله عليه وسلم، لا يصح على إطلاقه؛ ولا يمكن أن يؤخذ حكماً عاماً على النساء، ولا يمكن الاتكاء عليه، أو إسقاطه على حال الفصل بين الجنسين في المحال، ولا يصح أن يقاس عليه.

 

* باحث في الشؤون الإسلامية.

(المصدر: الحياة، الطبعة السعودية)

  كلمات مفتاحية