مصر تبني مدينة أبو قير الجديدة.. قلق من السيطرة الإماراتية وتخوفات من تأثيرها على البيئة

الأحد 4 ديسمبر 2022 12:35 م

بجزيرة صناعية ومدينة ذكية وسط البحر الأبيض المتوسط، تسعى القاهرة لبناء أول مدن الجيل الخامس، وهي مدينة أبو قير الجديدة التي تعد أول مدينة مصرية يتم بناؤها بالكامل على جزيرة صناعية في البحر المتوسط.

وعلى الرغم من ضخامة المشروع الذي بدأ العمل فيه بالفعل، والحديث عن استثمارات كبيرة ستجنيها مصر من خلاله، إلا أن مخاوف كثيرة تدور حوله بسبب التأثير البيئي المصاحب له، وسيطرة الإمارات على المشروع، فضلا عن وجود تخوفات من تكرار ما جرى مع ميناء العين السخنة سابقا.

ويكمن الهدف الأساسي وراء مدينة أبو قير الجديدة بأن تكون مدينة استثمارية تجارية بحتة، تضم أكبر ميناءٍ بحري على السواحل الشمالية، فضلا عن الأبراج الشاهقة والمنطقة المفتوحة على غرار مدن دبي الحديثة.

ووقعت الحكومة المصرية مع شركة "اعتماد القابضة" الإماراتية التابعة لجهاز أبوظبى للاستثمار، عقد شراكة أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بشأن المشاركة في تدشين "مدينة أبو قير الجديدة" باستثمارات تتجاوز 12 مليار جنيه (490 مليون دولار).

ومن المقرر إنشاء مدينة أبو قير الجديدة داخل مياه البحر المتوسط في الاتجاه الشرقي لمدينة الإسكندرية، مجاورةً بذلك مدينتي أبوقير والمعمورة.

وتطمح الدولة المصرية بأن تكون مدينة أبو قير الجديدة، إحدى المدن التجارية المنافسة على سواحل البحر الأحمر؛ حيث أُسندت عدة مشاريع تنموية أخرى في مخطط المدينة في سبيل تحقيق ذلك الهدف.

وتلك المشروعات هي إعداد أكبر شاطئ على سواحل مدينة الإسكندرية الشرقية على مساحة 385 فدان، وإنشاء حاجز صد الأمواج بطول 9 كيلومترات، وبناء ميناء أبو قير الجديد على مساحة 985 فدان، وحفر حوض الميناء البحري الجديد، وتمهيد رصيف ميناء أبو قير، وتجهيز ممر الميناء الملاحي لاستقبال السفن.

وتستهدف الحكومة المصرية أن تكون أبو قير الجديدة أول مدن الجيل الخامس في مصر (5G)؛ حيث تتجاوز سرعة شبكة الإنترنت بها 10 أضعاف سرعتها من الجيل الرابع، وبسرعة تحميل تصل إلى 360 ميجابايت للثانية، بما يجعلها مدينة عصرية مؤهلة لأن تكون مقصدًا للاستثمارات البحرية والتجارية العالمية.

وبدأت الأعمال الخاصة بتصميم المدينة الجديدة منذ فبراير/شباط 2021، ثم بدأ التخطيط على أرض الواقع في عام 2022، ليستمر الجدول الزمني للمشروع حتى عام 2024.

سيطرة إماراتية

إرساء المشروع على شركة إماراتية تحديدًا، أثار الكثير من الجدل والمخاوف في آن واحد؛ فتجارب الإمارات مع الموانئ المصرية غير مبشرة، ولعل آخرها تجربة "موانئ دبي" مع ميناء "العين السخنة".

ودفع ذلك البعض للإشارة إلى وجود أمور ما خلف الكواليس تجعل الإمارات الخيار الوحيد رغم كل التحفظات بشأنه، وهو ما قد يعرض مصالح مصر للخطر.

ويعود تاريخ دخول الشركات الإماراتية مجال الموانئ المصرية إلى عام 2008 عن طريق "موانئ دبي" ومن خلال مشروع تطوير وتشغيل "ميناء سفاجا" على البحر الأحمر.

ومنذ ذلك اليوم، لم تتوان أبوظبي عن مساعيها نحو الهيمنة الكاملة على موانئ المنطقة؛ ما دفع العديد من علامات الاستفهام لأن تطل برأسها بشأن ما إذا كان الأمر يقف عند حاجز الطموح الاقتصادي فقط، أم أن وراء ذلك مشروعًا سياسيًا مستترًا يتخذ من هذا التوغل بوابته الأولى والأساسية.

ولعل تعبيد الطريق أمام الإمارات للهيمنة على الموانئ المصرية يجهض حلم المصريين في تطوير نوافذهم البحرية التي كانوا يؤملون أنفسهم بأن تصبح الأقوى والأهم في الشرق الأوسط وأفريقيا، لما تمتلكه من إمكانات هائلة، سواء على مستوى الامتداد الطولي على بحرين من أكبر بحار العالم، المتوسط والأحمر، فضلًا عن القدرات اللوجستية التي تتمتع بها وتؤهلها للمنافسة عالميًا.

وتتهم الإمارات عبر كثير من المراقبين بتبني مشروع سياسي، تحت غطاء اقتصادي، يتمحور حول السيطرة على موانئ المنطقة، من اليمن إلى القرن الأفريقي وصولًا إلى مصر، في امتداد جيوإستراتيجي غير مسبوق للدولة الخليجية الصغيرة التي أثارت أجندتها التوسعية قلق وحفيظة حلفائها قبل خصومها.

تجربة العين السخنة

كما يثير إسناد المشروع إلى الإمارات تخوفات من تكرار تجربة توقيع شركة موانئ دبي العالمية، في فبراير/شباط 2018، اتفاقية رسمية مع هيئة قناة السويس المصرية؛ لتنفيذ مدينة صناعية متكاملة في منطقة العين السخنة على مساحة 30 كيلومترا (شمال شرق القاهرة).

والاتفاقية تعود إلى 9 أغسطس/آب 2017 حين وافق الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" على تأسيس شركة تنمية رئيسية مشتركة بين الهيئة العامة الاقتصادية لمنطقة قناة السويس، ومجموعة موانئ دبي العالمية، التي بموجبها تستحوذ الشركة المصرية على 51% وموانئ دبي على 49%.

الاتفاقية الموقعة تعد امتدادًا لعام 2008 حين استحوذت "موانئ دبي" على شركة تنمية ميناء السخنة، وحينها أعلنت أنها ستبني رصيفًا بطول 1300 متر وغاطس 16 مترًا لاستيعاب قرابة مليوني حاوية سنويًا، بخلاف إنشاء محطة للصب السائل على مساحة 400 ألف متر ومحطة للبضائع بطول الرصيف.

ومشروع منطقة قناة السويس كان من المفترض أن ينافس ميناء جبل علي في الإمارات، وسيطرة أبوظبي عليه يعني وأدها لهذا المشروع وحماية مينائها من أي منافسة إقليمية محتملة

المشروع بمرحلتيه، الأولى الخاصة بالرصيف والغطاس ومحطة البضائع عام 2008 والثانية المتعلقة بتنفيذ المدينة الصناعية المتكاملة منذ 2018، لم يتحقق منه أي شيء على أرض الواقع.

وفي المقابل تراجعت طاقة ميناء العين السخنة من 570 ألف حاوية عام 2010 إلى 511 ألف حاوية حاليًا، وهو ما دفع بعض الخبراء للمطالبة بفسخ العقد ومحاسبة المقصرين.

وكان استشاري المشروع المهندس "ممدوح حمزة" قال، في مؤتمر صحفي بعد عامين من الإعلان عن بدء انطلاق المشروع: "هناك فساد في مشروع العين السخنة؛ حيث تم تخصيص أراض مصرية لشركات أجنبية بالمخالفة للقانون"، فيما خرجت بعض المناشدات لاسترداد ميناء السخنة من قبضة موانئ دبي وملاحقة الأخيرة قانونيًا.

وظلت المنطقة الصناعية بقناة السويس، منطقة خط أحمر ممنوع اقتراب المستثمرين الأجانب منها، لاعتبارات سيادية تتعلق بالأمن القومي المصري، لكن في عهد النظام الحاليّ سرعان ما تبدل الأمر؛ إذ فتح الباب على مصراعيه أمام الإمارات للهيمنة على معظم مشروعات قناة السويس، ما أثار الشكوك والمخاوف معًا.

بينما يقول الخبير المتخصص في الملاحة البحرية وبناء السفن "محمد حمادي" إن مشروع منطقة قناة السويس كان من المفترض أن ينافس ميناء جبل علي في الإمارات، وأن سيطرة أبوظبي عليه يعني وأدها لهذا المشروع وحماية مينائها من أي منافسة إقليمية محتملة.

وكشف أن المشروع بداية الأمر حين تم طرحه كان الهدف منه منافسة الموانئ الإقليمية برمتها، وعلى هذا الأساس تم وضع الخطط الإنشائية الخاصة بالمنطقة المحورية واللوجستية لتقديم الخدمات الملاحية العاجلة للسفن العابرة لقناة السويس، بما يعتبر شهادة وفاة رسمية للميناء الإماراتي.

وتابع: "منح المشروع لشركة إماراتية تخطط للهيمنة على موانئ العالم، هو بمثابة تسليم الحلم المصري للإماراتيين بشكل رسمي".

تأثير بيئي

وبالعودة إلى مدينة أبو قير الجديدة، فإن جدلا واسعا يصاحب بناءها في الشق المتعلق بمدى تأثيرها على البيئة.

ففي الوقت الذي تقول السلطات المصرية إن خطط إنشاء المدينة تأتي كمحاولة للتخفيف من الآثار المدمرة لتغير المناخ على الدلتا، ومواجهة التخوفات من غرق مدينة الإسكندرية نتيجة تغير المناخ، يحذر خبرا من القضاء على الثروة البحرية في المنطقة.

ويقول الخبير في شؤون البيئة والتغير المناخي بالمركز القومي للبحوث (حكومي) "أمين عبداللطيف"، إن عمل مصر في أبو قير الجديدة هو جزء من جهودها لحماية الإسكندرية من الغرق والتعرية وملوحة التربة.

في المقابل، يقول رئيس المكتب العربي للشباب والبيئة (غير حكومية) "عماد الدين عدلي": "سيدمر هذا المشروع الحياة البحرية في المنطقة، وبالتالي يتسبب في كوارث بيئية".

ويضيف: "المخاطر البيئية من المشروع ستكون أعلى إذا لم يتم إجراء الدراسات المناسبة حول آثاره المحتملة".

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حذر ناشطون من التأثير البيئي للمشروع، وسط تساؤلات حول جدوى المشروع في ظل الأزمات الاقتصادية التي تشهدها البلاد.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مدينة أبو قير مصر مشروعات سيطرة إماراتية البيئة غرق الإسكندرية

تطور في قضية تسليم أمريكي معتقل في الإمارات إلى مصر