3 اختبارات حاسمة أمام الأجندة الإصلاحية لرئيس الوزراء العراقي الجديد 

السبت 10 ديسمبر 2022 06:40 م

بالرغم من تشكيل حكومة عراقية أخيرا في أكتوبر/تشرين الأول بعد أكثر من عام من المشاحنات السياسية، إلا أنه لا يزال من الصعب إحداث تغيير جوهري في البلاد، ما يعني أن رئيس الوزراء الجديد "محمد شياع السوداني" سيجد صعوبة في وقف اندفاع العراق نحو الهاوية. 

وستكون أزمات العراق العميقة بمثابة اختبارات لقدرة الحكومة الجديدة على تنفيذ تغيير ملموس ودائم داخل المجتمع العراقي، وسيتطلب ذلك من الحكومة تجاوز الخطاب الإصلاحي المستهلَك وتنفيذ إصلاحات فعلية، لكن ذلك لن يكون سهلًا كما يبدو.

ويعد الفساد من أكبر التحديات التي تواجه الإصلاح الشامل في البلاد، وبالرغم إن العراقيين يرغبون في استئصال هذه المشكلة المترسخة منذ سنوات، إلا أن الفساد لا يضرب فقط طبقة السياسيين ولكن رجال الأعمال وقادة المليشيات أيضا.

كما أن هناك اختبار آخر يتعلق بتقليص نفوذ إيران في العراق، وإذا قام "السوداني" بتخفيف قوة وكلاء إيران وحلفائها السياسيين، فإن هذا سيشير إلى خروج حكومته عن السياسة المعتادة.

ولتحقيق هذا الهدف، يجب أن تبدأ الحكومة بالتعامل مع ما تقوم به إيران من قصف مستمر لشمال العراق وانتهاك السيادة العراقية.

وأخيرًا، يجب أن يحتكر "السوداني" استخدام القوة داخل الأراضي العراقية، بعد أن عاثت الميليشيات فسادا في البلاد لفترة طويلة جدًا.

تحدي الفساد المستشري

أصبح العراقيون ينظرون إلى الفساد باعتباره مرضا لا شفاء منه. وفي مؤشر الفساد لعام 2021، صنفت منظمة "ترانسبيرنسي إنترناشونال" العراق في المرتبة 157 من أصل 180 فيما يتعلق بالفساد في القطاع العام. 

وخلص تحقيق داخلي نظمه البرلمان العراقي إلى أنه تم نقل 240 مليار دولار من البلاد بشكل غير قانوني، فيما قدر الرئيس العراقي أن 150 مليار دولار من الأموال العامة ضاعت بسبب اختلاسها منذ عام 2003، وشكلت وزارة الكهرباء وحدها 41 مليار دولار من الخسائر. 

وتتجاوز المشكلات المرتبطة بالفساد مجرد النقص في الأموال؛ وذكرت مبعوثة الأمم المتحدة "جانين هينيس بلاستشيرت" في تقريرها إلى مجلس الأمن في أكتوبر/تشرين الأول أن "الفساد المستشري هو سبب رئيسي للخلل الوظيفي للعراق".

وبالرغمن أن "السوداني" أظهر علامات على أنه على استعداد لمحاربة الفساد، إلا أن التجربة السابقة مع السياسيين العراقيين تشير إلى أن معالجة هذه المشكلة أسهل بالأقوال لا بالأفعال. وفي خطابه الأول، ألقى رئيس الوزراء باللوم على الفساد في العديد من المشاكل الاقتصادية، بل ذهب إلى حد القول بأن الفساد يشكل تهديدًا أكبر للأمن الاقتصادي للعراق أكثر من آثار جائحة "كوفيد".

وأنشأت الحكومة العراقية الجديدة لجنة بهدف صريح يتمثل في التحقيق في قضايا الفساد الكبرى، مثل سرقة 2.5 مليار دولار من هيئة الضرائب. ومع ذلك، تشير تحركات مكافحة الفساد السابقة في البلاد إلى أن مثل هذه اللجان غير فعالة، حتى أن بعض مبادرات مكافحة الفساد تم اعتبارها غير قانونية، مما أعاق فعاليتها بشدة. 

علاوة على ذلك، عادة ما تُوجّه تهم الفساد إلى مسؤولين في مستويات دنيا أو وسطى، بدلاً من اللاعبين السياسيين الكبار المتورطين في قضايا الفساد الكبرى.

النفوذ الإيراني المتصاعد

على مدى عقود، قُوبل انتهاك إيران للسيادة العراقية بمجرد إدانات عرَضية من بغداد، فيما اتخذت الحكومة العراقية القليل من الإجراءات الملموسة لإنهاء المغامرات الإيرانية داخل حدود العراق.

وفي عام 2017، على سبيل المثال، نفذ الحرس الثوري الإيراني غارة في كردستان العراق ضد افراد اعتبرتهم إيران إرهابيين. 

وفي عام 2018، أطلق الحرس الثوري أيضًا صواريخ أرض-أرض على أراضي في كردستان العراق كانت تستخدم لـ" تدريب لإرهابيين المناهضين لإيران"، وفقًا لوكالة الأنباء "تسنيم" المرتبطة بالحرس الثوري. 

وأصبحت التوغلات الإيرانية أكثر جرأة في العام الماضي. ففي مارس/آذار، هاجمت إيران أربيل بعشرات الصواريخ البالستية. وفي سبتمبر/أيلول، نفذ الحرس الثوري توغلا في الأراضي العراقية؛ مما تسبب في إخلاء 6 قرى عراقية. 

وبعد شهرين، نفذ الحرس الثوري هجومًا آخر في كردستان العراق باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ.

وكانت الهجمات مصحوبة بتهديدات بمزيد من العنف، حيث هدد قائد فيلق القدس "إسماعيل قآني" خلال زيارة للعراق، بعملية عسكرية برية إذا واصلت جماعات المعارضة الكردية العمل على طول الحدود العراقية الإيرانية.

وتظهر هذه الهجمات ضعف الحكومة العراقية في مواجهة التهديدات المباشرة لاستقلالها وسيادتها، وستعمل حكومة "السوداني" على معالجة القضايا التي تتذرع بها إيران، لكن ستكون هذه المهمة صعبة، فمن غير المرجح أن يتمكن الجيش العراقي من إيقاف عبور المقاتلين الأكراد للحدود وهو الأمر الذي فشلت فيه إيران نفسها. 

وستكون هناك دلالات إذا قامت الحكومة الجديدة بإجراءات فورية، حيث ستُظهر مدى جديتها في الحفاظ على سيادة العراق وقدرتها على الموازنة بين الضرورات الأمنية للعراق مع المصالح الضيقة لبعض الشركاء في الحكومة والذين يعملون كوكلاء لإيران. 

ولن تكفي مجرد الاحتجاجات الدبلوماسية، وقد يشير عدم فعل شئ إلى أن حكومة "السوداني" لن تجري أي تغييرات على السياسة تجاه إيران، وهي السياسة التي قوضت سيادة العراق.

ترويض الميليشيات

بالرغم من الدمج الرسمي لـ"قوات الحشد الشعبي" في الجهاز السياسي للبلاد، فإن الميليشيات العراقية لا تزال مستقلة عن سيطرة بغداد ومحصنة من الملاحقة القضائية.

واكتسبت "قوات الحشد الشعبي" نفوذًا متزايدًا في السنوات الأخيرة ولم تُحاسب على العديد من انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" ومظاهرات 2019.

ومع تمكنها أكثر، سعت مليشيات "الحشد الشعبي" إلى تأكيد استقلالها عن الحكومة الوطنية بشكل متزايد.

وعندما أصدر رئيس الوزراء العراقي السابق "عادل عبد المهدي" مرسومًا ينص على إلغاء الرتب العسكرية لـ"قوات الحشد الشعبي" وإغلاق مكاتبهم، قوبل بمقاومة علنية من أعضاء "الحشد الشعبي". 

وكما يتضح فإن المجموعات التي تندرج تحت مظلة "قوات الحشد الشعبي" لن تلتزم بتوجيهات رئيس الوزراء.

وفي عام 2021، حذر "هادي العامري" رئيس "منظمة بدر" - وهو حليف وثيق لإيران - من أي محاولات لحل "قوات الحشد الشعبي" أو دمجها. وقال الأمين العام لـ"كتائب حزب الله" إنه لن يسمح بنزع سلاح "المقاومة".

وإذا أرادت حكومة "السوداني" القيام بإصلاحات جدية والتخلي عن الممارسات القديمة، فإن هذا سيستلزم ترويض الميليشيات العراقية ومساءلتها وفقًا للقانون وكبح نشاطها الاقتصادي غير المشروع الذي يغذي عمليات التجنيد. 

وسيظهر تعامل حكومة "السوداني" مع "الحشد الشعبي" إلى أي مدى تستعد الحكومة للذهاب لتأكيد سيطرة بغداد على مختلف الفصائل التي تتنافس على السلطة داخل العراق.

عرف العراقيون منذ فترة طويلة أن سياسييهم يتحدثون عن الإصلاحات ولكن نادراً ما ينفذونها، وإذا كان "السوداني" يطمح لأن يميز نفسه عن السياسيين العراقيين المعتادين الذين احتلوا مقاعد السلطة لفترة طويلة، فسيتعين عليه دعم خطابه بإجراءات عملية على الأرض.

المصدر | مصعب الألوسي/ منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العراق حكومة العراق محمد شياع السوداني إيران الحشد الشعبي الحرس الثوري الحكومة العراقية العلاقات العراقية الإيرانية