كيف أثّرت الأزمة الاقتصادية على العمل الخيري في مصر؟

الأحد 29 يناير 2023 07:58 ص

مع دخول فصل الشتاء، تتصاعد الأعباء الإضافية على المؤسسات الخيرية في مصر، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وانخفاض قيمة الجنيه المصري، حتى باتت هذه المؤسسات مهددة بالإغلاق.

والشهر الماضي، وجّه الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" مؤسسات العمل الأهلي التنموى إلى مواصلة جهود الحماية الاجتماعية للمواطنين الأكثر احتياجًا، من خلال تقديم المساعدات الاجتماعية المتنوعة الممكنة.

كما وجّه بزيادة الدعم الحكومي الموجّه إلى التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي (مؤسسة حكومية) بمقدار مليار جنيه (33.47 مليون دولار) إضافية، ليصبح إجمالي الدعم المقدّم من الدولة 10 مليارات جنيه (334.7 مليون دولار) للتحالف.

وانطلق التحالف في مارس/آذار الماضي تحت رعاية مبادرة "حياة كريمة" الرئاسية، بمشاركة مفتوحة ضمّت حتى الآن 24 جمعية ومؤسسة أهلية وكيانًا خدميًا وتنمويًا، من بينها كبرى مؤسسات العمل المدني؛ مثل: جمعية الأورمان، وبنك الطعام المصري.

ورغم هذه الدعوات، إلا أن مسؤولي تلك المؤسسات يشكون أوضاعا صعبة، بين احتياجات تزيد باستمرار، ومعدلات تبرع لا تلبي تلك الاحتياجات، لتبقى المؤسسات الخيرية أمام تحد كبير للحفاظ على مستويات نشاطها.

وتعد المؤسسات الخيرية ملجأ لكثير من المصريين في توفير احتياجاتهم، ودعمهم لتقديم يد العون للحفاظ على تقديم خدماتها المجانية في مجالات مختلفة، تتنوع بين الرعاية الصحية والعلاجية والإطعام والمساعدات المادية والعينية في عدد كبير من المحافظات المصرية.

ولعل أزمة مستشفى 57357، أشهر هذه الأزمات، حيث باتت أكبر المؤسسات العلاجية المجانية في مصر، مهددة بالإغلاق.

ويقدم المستشفى خدماته للأطفال المصابين بالسرطان بشكل مجاني كامل ويستقبل الحالات المرضية من جميع أنحاء الجمهورية، ومع الأزمة الاقتصادية في مصر قرر المستشفى تقليل عدد المرضى الذين يقدم لهم خدماته سنويا من 3000 حالة إلى 2400.

يقول عضو مجلس أمناء مؤسسة 57357 والمتحدث الرسمي لها "شريف عبدالعال"، إن "التأثيرات العالمية كان لها جزء كبير في ارتفاع مطالبات المستشفى والتزاماتها لأن 85% من الأدوية والمستلزمات التي تستخدمها في أنشطتها العلاجية مستوردة ومع ارتفاع سعر الدولار وقبلها الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة (كوفيد-19) ارتفعت قيمة التزامات المستشفى بشكل كبير للغاية.

ويرى "عبدالعال" أن "هذا التأثير طال المؤسسات المماثلة على مستوى العالم، لأن هناك مستشفيات تقدم نفس الخدمات أغلقت أبوابها تماما بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية، وما نتج عنها فيما يتعلق بالأدوية والمستلزمات العلاجية المقدمة للمرضى.

ومع تداعيات الأزمة في مصر، أعلن المستشفى خلال الفترة الأخيرة عن حاجته للدعم من خلال التبرعات المالية التي تمثل المورد المالي الأساسي للمستشفى، وفقا لعضو مجلس الأمناء، الذي يقول: "تدفقت التبرعات بنسب جيدة للحفاظ على تقديم خدمات المستشفى للمرضى ووصلت لحد أنها كانت أكبر من إجمالي التبرعات التي وردت للمستشفى في شهر رمضان الماضي وهو أكبر موسم تبرعات في مصر للمؤسسات الخيرية منذ عدة عقود".

ويضيف: "لكن الأزمة بقيت مستمرة بالنسبة لارتفاع قيمة احتياجات المستشفى بالإضافة لعدم وجود الأدوية والمستلزمات الطبية بمعدلات مناسبة تفي بتلك الاحتياجات".

ويشير إلى أن "الدولة أيضا تحاول مساعدة المستشفى للوفاء بالتزاماته تجاه مرضاه، فقدمت وزارة التضامن دعما بمبلغ 75 مليون جنيه مؤخرا ليحافظ المستشفى على استمراريته".

أما مؤسسة "مرسال" البارزة في المجال الطبي بمصر، فكسرت حاجز الصمت، بإصدار بيان رسمي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كشف عن وجود أزمة تبرعات في الوقت الحالي، ما استدعى تدشين حملة بالتعاون مع أحد المواقع الإعلامية الرسمية.

وأوضحت المؤسسة أن كل يوم يمرّ يزيد معه عدد المرضى، وتزيد تكلفة علاجهم أضعاف.

ويوضح متطوع متعاون مع إحدى الجمعيات الخيرية التابعة لمرسال، أن الأمور على غير ما يرام في مجمل العمل الخيري؛ حيث تتزايد الأسعار بينما تقلّ نسب التبرعات، وهو ما يؤثر في الخدمات الخيرية.

ويضرب المتطوع، الذي طلب حجب اسمه، مثلًا بأن عائلات معروفة في إحدى قرى محافظته القليوبية (شمالي القاهرة)، كانت تشارك بنسب ثابتة مع كل عمل خيري، لكن الفترة الأخيرة شهدت تعثرًا في التبرعات لدى بعض العائلات، ما ترتب عليه تأخير بعض الأعمال الخيرية.

ويضيف مصدر آخر بإحدى الجمعيات الخيرية في محافظة الجيزة (غربي القاهرة) أن الجمعيات مثلها مثل عموم المصريين، الذين تأثروا بارتفاع أسعار السلع والخدمات، ومن ثم فهي تحاول تقديم خدماتها بالحد الأدنى الموجود، في ظل قلّة التبرعات حتى تفى باحتياجات الفقراء.

هذه الأعباء الإضافية على المواطنين بسبب زيادة الأسعار، دفعت مؤسسة مرسال الخيرية إلى رفع الكفالات الشهرية لنحو 400 من عائلات المرضى بنسبة 30%، حتى يتمكّنوا من التعايش مع الأيام الصعبة الحالية، وفق وصف مدير المؤسسة "هبة راشد".

هذا الارتفاع الكبير في احتياجات المؤسسة والذي يصل أحيانا لنسبة 70%، دفع "هبة راشد" مؤسسة مرسال، وزملائها في إدارة المؤسسة للبحث عن موارد جديدة، حتى يتمكنوا من تقديم أنشطتهم الخيرية.

وتقول "هبة": "قبل ديسمبر/كانون الثاني الماضي، عانينا من أزمة كبيرة وحاولنا تدبير موارد لها وجاءت النتائج مرضية إلى حد بعيد من خلال التبرعات لكن الأزمة الحقيقية في ارتفاع تكاليف التشغيل بشكل كبير".

وتضيف: "بجانب ذلك هناك أوجه إنفاق جديدة على المؤسسة لم تكن موجودة من قبل، فمثلا فوجئنا بحالات كانت تحصل على أدوية من المؤسسة بشكل شهري، وبسبب الأزمة المعيشية طلبوا منا أثناء تسلم الأدوية توفير مواد غذائية لسد احتياجاتهم من الطعام، فقمنا بتوفير كوبونات مواد غذائية لدى بعض المتاجر يحصل بها المستفيدون على مواد غذائية تدفع المؤسسة ثمنها لمساعدتهم".

هذه شكوى أيضا لمؤسسة "أبواب الخير"، وهي واحدة من المؤسسات التي تقدم خدمات مجانية متنوعة في 15 محافظة في مصر، والتي تقدم خدمات تكافلية وعلاجية ومساعدات مادية للأيتام والفقراء، وأيضا وجبات الطعام وتوفير فرص عمل كريمة للمحتاجين.

يقول "هيثم التابعي" المؤسس والمدير التنفيذي للمؤسسة، إن "حجم الزيادة في أسعار المشتريات كبير للغاية، فنحن مثلا نقدم شهريا وجبات لحوم لـ 645 أسرة ارتفعت بنسبة 42%، وبالمثل ارتفعت كل احتياجاتنا الشهرية".

ويضيف: "في المقابل انخفضت قيم التبرعات لدينا بنسب تتفاوت بين 20 إلى 30%، وبالتالي أصبح قبول حالات جديدة في أضيق الحدود حتى لا نضطر إلى توقف النشاط في ظل الارتفاع الكبير في الاحتياجات الشهرية".

أما مؤسسة "25 يناير الخيرية"، والتي تعمل على افتتاح مستشفى كبير لعلاج المرضى غير القادرين في محافظة الشرقية (دلتا النيل/شمال)، فهي الأخرى تعاني من أثار الأزمة الاقتصادية.

وعلى الرغم من ثبات تبرعات المستشفى نسبيا وفقا لمؤسسها "محمد الجارحي"، فإن "الارتفاع الكبير في الأسعار والاحتياجات يمثل تحديا كبيرا لهم دفعهم لوضع أولويات للعمل تمثلت في سداد أي مستحقات دولارية تخص الأجهزة والمعدات الطبية المتعاقد عليها سابقا".

وبرر ذلك بأن أي تأخر في السداد أو ارتفاع في سعر الدولار ترفع التكلفة بشكل كبير، كما حدث في بعض الأجهزة التي كان ثمنها 11 مليون جنيه وبسبب تغير سعر الدولار أصبح الثمن 15 مليون جنيه (502 ألف دولار).

وفي عام 2022 وضع مسؤولي المستشفى ميزانية تشغيل قدرت قيمتها بـ40 مليون جنيه (1.34 مليون دولار) سنويا، ومع الأوضاع الحالية اضطرت إلى وضع دراسة جدوى جديدة لميزانية التشغيل لأن مستوى الأسعار وتكاليف التشغيل أصبح أكبر بكثير من القيمة المحددة في الميزانية القديمة.

في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي "عبدالحافظ الصاوي"، أن معدلات التضخم والركود كبيرة، ما يؤثر سلبيًا في تبرعات فاعلي الخير، ولذلك فإن الجمعيات الخيرية تواجه تحديًا صعبًا للغاية.

ويضيف الخبير الاقتصادي، أن الأزمة التي تعيشها مصر تؤثر كذلك في شريحة الفقراء التي ارتفعت معدلاتها واحتياجاتها بشكل كبير جدًا في الآونة الأخيرة، وهو ما تطلّب أن يرفع بيت الزكاة وغيره قيمة المعونة لها.

ويوضح "الصاوي" أن خط الفقر للأسرة المصرية كان يقدّر بحوالي 8500 جنيه (285 دولارا)، ووصل إلى 10 آلاف جنيه (334.7 دولارا)، مع تزايد معدلات التضخم والركود بعد انخفاض قيمة الجنيه، ومن ثم فلا بد أن تحاول الحكومة التي تدفع في حدود 550 جنيهًا (18.4 دولارا) فقط في برامج الحماية رفع القيمة، لتتواكب مع الواقع الاقتصادي الحالي.

ويقترح "الصاوي" أن ترفع الدولة يدها فورًا عن كثير من الأمور الاقتصادية، التي تؤدي إلى تحسين دخول الفقراء؛ مثل: إعفاء شرائح معينة من الضرائب، خاصة أصحاب الدخول المتوسطة أو المنخفضة؛ حتى لا يؤثر في دخول الأفراد ويمتنعون عن التبرع للجمعيات الخيرية، أو على الأقل يُنقصون من حصة تبرعاتهم.

وتبلغ عدد الجمعيات الأهلية المسجلة في مصر نحو 52 ألف جمعية ومؤسسة، وفق آخر إحصاءات رسمية معلنة أواخر العام الماضي.

وتصل نسبة معدلات الفقر في مصر، البالغ عدد سكانها أكثر من 104 ملايين، إلى 29.7%، وفق الجهاز المركزي للإحصاء (جهة حكومية).

وحسب دراسة حديثة بعنوان "واقع العمل الأهلي في مصر.. الفرص والتحديات"، فإن غالبية الجمعيات تركّز نشاطها على القرية أو النَّجْع الذي توجد فيه، كما أنها تميل للعمل الخيري بالأساس. 

غير أن الكثير منها يتم إنشاؤه من قبل عائلات وأسر، فضلًا عن الصبغة الدينية للكثير منها، بينما يعمل بعضها وكلاء لبعض المنظمات الخيرية الكبيرة؛ مثل: بنك الطعام، ودار الأورمان في توزيع الطعام والكساء على الفقراء في قرى مصر.

وأوضحت الدراسة، المنشورة على الموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات (حكومية تتبع رئاسة الجمهورية)، أن هذه الجمعيات تتمتع بمصادر تمويل متنوعة ومتدفقة، سواء من الداخل عبر تبرعات رجال الأعمال والزكاة والصدقات، أو عبر التمويل من جهات مانحة دولية، سواء حكومية أو غير حكومية، وتنتشر في جميع أنحاء البلاد مع التركيز على المناطق الأكثر فقرًا، وفقًا لخرائط الفقر؛ مثل: ريف الوجه القبلي.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العمل الخيري مصر أزمة اقتصادية فقراء مصر مؤسسات خيرية

بلومبرج: 5 مؤشرات تحدد مستقبل أزمة مصر الاقتصادية