بضغوط فرنسية.. البرلمان الأوروبي يمنع النواب المغاربة من دخول مقره

الجمعة 17 فبراير 2023 04:46 م

بناء على ضغوط فرنسية، أقر البرلمان الأوروبي توصية تقضي بمنع النواب المغاربة من دخول مقره في بروكسل إلى حين الانتهاء من التحقيق في قضية "فساد" مزعومة متهم فيها المغرب.

ويعد هذا القرار، أحدث تصعيد بين البرلمان الأوروبي والمغرب، في مؤشر على انعطاف العلاقات بين الطرفين صوب منعرج حرج، لا يبدو في الأفق القريب أنه ستتجاوز مرحلته سريعا، أو أن أزمته ستنفرج بكل بسهولة.

وأقر البرلمان الأوروبي الإجراء الجديد في تصويت الخميس بأغلبية 401 صوت، مقابل رفض 3 نواب، وامتناع 133 عن التصويت.

وحسب نص القرار المنشور بموقع البرلمان الأوروبي، صادق الأخير على "توسيع نطاق الإجراءات المتخذة لتشمل ممثلي المغرب".

وجاء في القرار الأوروبي: "مصرون على التحقيق الكامل في قضايا الفساد التي تشمل البلدان التي تسعى للتأثير على البرلمان، وسنتخذ الإجراءات اللازمة".

كانت بداية الأزمة في ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم، حيث أطلق البرلمان الأوروبي قضية فساد ذكر اسم المغرب ضمنها، في اتهامات ثقيلة ضد برلمانيين أوروبيين، جرى الحديث عن كونهم تورطوا بتلقي رشاوى مغربية يحقق فيها القضاء البلجيكي، وتستهدف أيضا قطر، ضمن ما أطلق عليه "قطرغيت".

وأعرب البرلمان الأوروبي عن "قلقه العميق" إزاء المزاعم القائلة بأن السلطات المغربية قدمت رشوة لبعض أعضائه، وهي الاتهامات التي نفتها فورا وبشدة كل من قطر والمغرب.

وفي 5 يناير/كانون الثاني، قام مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل"، بزيارة عمل إلى المغرب، وشدد في تصريحات صحفية حينها على أن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب "مبنية على المبادئ قبل المصالح". واصفا الشراكة التي تجمع الطرفين بـ"المتينة والاستراتيجية".

إلا أنه في 19 يناير/كانون الثاني، تبنى البرلمان الأوروبي، قراراً يحث السلطات المغربية على احترام حرية التعبير وحرية الإعلام وتوفير محاكمات عادلة للصحافيين المسجونين، لاسيما "عمر الراضي" و"سليمان الريسوني" و"توفيق بوعشرين"، مع المطالبة بالإفراج الفوري عنهم.

ويقضي "الراضي" 6 سنوات سجن بتهمتي "اغتصاب وتخابر"، و"الريسوني" 5 سنوات، و"بوعشرين" 15 سنة بتهم "جرائم جنسية"، في حين يرى حقوقيون وإعلاميون أنهم حوكموا بسبب آرائهم وعملهم الصحفي.

كما طالب القرار، الذي يعتبر أول قرار حقوقي صادر عن البرلمان الأوروبي حول المغرب منذ 25 عاماً، السلطات بوضع حد لمضايقة جميع الصحفيين في البلاد، وكذا محاميهم وعائلاتهم.

كما دعا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى التوقف عن تصدير تكنولوجيا المراقبة إلى المغرب، بما يتماشى مع لائحة الاستخدام المزدوج للاتحاد الأوروبي.

رد السلطات المغربية كان هو "أن القضاء في المغرب مستقل، وأن القضايا المرفوعة ضد الصحفيين لا علاقة لها بالصحافة"، وأن "قرار البرلمان الأوروبي لن يكون له تأثير على المغرب ولن يخيفه أو يرهبه".

وأضاف المغرب في بيان أن "هذا القرار يتناسب مع الاعتداءات والمضايقات التي تتعرض لها المملكة من أولئك الذين أزعجتهم تنمية المغرب وازدهاره ودوره القوي في المنطقة".

وفي نهاية يناير/كانون الثاني، حمل بيان مشترك أصدره البرلمان المغربي بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين)، إشارات إلى وقوف باريس وراء ما اعتبرته المؤسسة التشريعية المغربية "استهدافاً" و"ابتزازاً" للمملكة.

وجاء البيان في ختام جلسة مشتركة كان موضوعها الرئيسي الرد على المواقف الأخيرة للبرلمان الأوروبي، بشأن حرية التعبير وحرية الإعلام في المملكة.

وفي 2 فبراير/ شباط الجاري، جرّد البرلمان الأوروبي نائبين من الحصانة البرلمانية على خلفية اتهامات بتلقيهما رشى من قطر والمغرب.

وتعليقا على القرار الجديد، قال رئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "لحسن حداد"، إن "البرلمان الأوروبي يتبنى موقفا عدائيا تجاه المغرب".

وزاد "حداد": "البرلمان الأوروبي رفض تعديلا تقدم به النواب المحافظون بالبرلمان، يقضي بتأكيد المزاعم ضد المغرب قبل تطبيق هذه الإجراءات".

وتابع: "إنه يصدر أحكاما دون قرائن، أين هي دولة القانون التي ما فتئوا يتبجحون بها؟".

وتأتي الاتهامات الموجهة للنواب الفرنسيين بالوقوف وراء قرار البرلمان الأوروبي، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى الزيارة المقبلة للرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" إلى الرباط، المفترض أن تتم في الربع الأول من العام الحالي، لإنهاء الأزمة الصامتة التي تخيم على العلاقات بين البلدين بسبب التأشيرات، وموقف باريس من ملف الصحراء، ورهان الرئيس الفرنسي على الجزائر.

ولئن كانت زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية "كاثرين كولونا"، إلى الرباط، منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، قد ساعدت على إعادة بعض الدفء إلى العلاقة بين البلدين بعد إعلانها رفع القيود المفروضة على التأشيرات على المغاربة.

إلا أن قرار البرلمان الأوروبي يضع علاقات الرباط ببلد يوصف بالصديق والشريك الاستراتيجي مجدداً على المحك، ويطرح أسئلة حول المسار الذي ستتخذه في ظل ما عاشته من مطبات وجمود خلال السنوات الأخيرة.

ومنذ وصول "ماكرون" إلى قصر الإليزيه سنة 2017، تعرف العلاقات المغربية الفرنسية تذبذباً ومداً وجزراً، وعاشت على وقع توتر صامت تحوّل إلى حرب باردة مفتوحة، دارت رحاها على جبهات عدة، سياسية ودبلوماسية واقتصادية، وحتى إعلامية.

وكان العنوان الأبرز للأزمة الصامتة بين باريس والرباط تأجيل الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي "ماكرون" التي كانت تترقبها العاصمة المغربية من يناير/كانون الثاني 2020 إلى فبراير/شباط الماضي، وتبعها تأجيل آخر إلى مارس/آذار 2022، ثم تأجيل ثالث إلى ما بعد مارس/آذار، من دون أن يضع قصر الإليزيه موعداً محدداً، مكتفياً بتأجيل مبهم لـ"وقت لاحق".

وتعتبر باريس الرباط شريكاً مثالياً في المجالات الأمنية والاستخبارية والعسكرية، وتعول عليه كثيراً في رصد الجالية المغربية في الأراضي الفرنسية.

غير أن باريس لا تنظر بعين الرضى إلى الخطوات التي اتخذها المغرب خلال السنوات الماضية لتنويع شركائه الاقتصاديين والسياسيين، والتقليل من تبعيته الاقتصادية لها، وكذلك تثبيت أقدامه في أفريقيا جنوب الصحراء كأحد الشركاء الاقتصاديين للعديد من الدول، حتى بات يحتل المرتبة الثانية من حيث الاستثمار.

وعلى امتداد السنتين الماضيتين، عانت العلاقات بين البلدين الحليفين من وطأة "الأزمة الصامتة"، والتي كان من أبرز مظاهرها تجميد زيارات مسؤولي البلدين وغياب أي اتصال بين قيادة البلدين، وحدوث فراغ دبلوماسي منذ سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، بعد تكليف سفيري باريس والرباط (هيلين لوغال ومحمد بن شعبون) بمهام أخرى (عيّنت باريس نهاية العام الماضي كريستوف لوكورتييه سفيراً جديداً في الرباط).

كما تسببت قضية التجسس في تراجع العلاقات بين البلدين، بعدما اتهمت صحف فرنسية الرباط في يوليو/تموز 2021، باختراق هواتف شخصيات مغربية وأجنبية عبر برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس"، وهو الاتهام الذي نفته الحكومة المغربية، ولجأت في 28 من الشهر ذاته إلى مقاضاة كل من صحيفة "لوموند" وموقع "ميديا بارت" و"فرانس راديو" بتهمة التشهير.

((5))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المغرب فرنسا أزمة سياسية البرلمان الاوروبي قضية فساد