لعبة المصالح.. كيف لعبت تركيا دور الحليف والوسيط معا في الحرب الروسية الأوكرانية؟

الجمعة 10 مارس 2023 11:12 ص

سلط المحلل الجيوسياسي إيمانويل سيلفا رويان الضوء على دور تركيا في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وكيفية ضمانها استقلالها الاستراتيجي وقدرتها على الحفاظ على العلاقات مع كل من موسكو وكييف دون تعريض حساباتها الجيواستراتيجية للخطر، مشيرا إلى أن تركيا وضعت نفسها في وسط الصراع، ليس فقط بين روسيا وأوكرانيا، ولكن أيضًا بين روسيا والغرب.

وأكد رويان، في تحليل نشره بموقع "مودرن دبلوماسي" وترجمه "الخليج الجديد"، على أهمية فهم دور تركيا في الحرب، والذي يحدده موقعها الجغرافي وعلاقاتها التاريخية وعلاقاتها التجارية مع الغرب وروسيا.

وأورد التحليل أن تركيا لعبت دورًا حليفًا ووسيطًا في الصراع، حيث زودت أوكرانيا بطائرات بدون طيار بينما أشركت أيضًا بوتين وزيلينسكي في المحاولات الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاقيات على عدة جبهات.

الموقع الاستراتيجي

وأوضح أن الموقع الجغرافي لتركيا في المنطقة هو المحدد الأكثر تأثيرًا في سياستها الخارجية، فهو عبارة عن برزخ عملاق بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، ويربط أوروبا وشمال أفريقيا بآسيا ويوفر ممرًا بين البحرين عبر مضيق البوسفور والدردنيل.

ويوجد في البحر الأسود أكثر من 10 موانئ رئيسية، بينها الموانئ الثلاثة المتضاربة: ماريوبول وأوديسا وسيفاستوبول، ولذا يتم استغلال الموقع الجغرافي لتركيا من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، باعتبارها الجناح الجنوبي ضد روسيا ومنطقة عازلة لوقف وإبطاء تدفق اللاجئين من شمال أفريقيا ومنطقة الشام غير المستقرة.

وبالنسبة لروسيا، تزودها تركيا بممرات آمنة للمياه الدافئة إلى بحر مرمرة والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي لنقل بضائعها وسفنها.

كما يتضمن وجود تركيا في هذه الجغرافيا تحديات، مثل الحروب الأهلية في العراق وسوريا، وقبرص المقسمة، والتوترات مع الأرمن والانفصاليين الأكراد.

ومع الحرب الروسية الأوكرانية، أصبح اتخاذ أنقرة مقاربات متعددة للحفاظ على توازنها بين الغرب وروسيا حتميا.

الاتحاد الأوروبي

وبعد حقبة الحرب الباردة، سعت تركيا إلى تعزيز العلاقات مع الغرب والولايات المتحدة من أجل أمنها وتم دمج اقتصادها في الاتحاد الأوروبي من خلال ترشيحها الكامل للعضوية وحققت "شراكة استراتيجية" مع الولايات المتحدة.

لكن خلال عملية الانضمام، بدأت علاقة تركيا مع أوروبا في العداء بسبب المواقف المتزايدة المناهضة لتوسع الاتحاد، ومع ذلك انتقلت العلاقات بين تركيا والاتحاد إلى مستوى الشراكات الاستراتيجية ثنائية ومتعددة الأطراف لتحقيق أهداف قصيرة المدى.

حلف الناتو

وظلت تركيا عضوًا في الناتو لأكثر من 70 عامًا، وكانت بمثابة الجناح الجنوبي للتحالف ضد روسيا خلال الحرب الباردة، ولاتزال كذلك. كما كانت أنقرة أحد المساهمين الرئيسيين في أكبر وأطول مهمة لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان.

ومع ذلك، فإن أنقرة "حليف لا يمكن التنبؤ به"، حيث لديها مطالب متكررة من الولايات المتحدة والناتو فيما يتعلق بقضايا داخلية أو تلك التي تتعلق بدول الجوار.

كما أن تركيا لا تقدم الاستقرار لجيران الناتو، حسبما يرى رويان، مشيرا إلى أن الهدنة الهشة في ليبيا منعت الصراع من دخول مرحلة جديدة، لكن تركيا لاتزال تتحدى عددًا من القوى الإقليمية.

كما أن هناك نزاعا أكبر بين تركيا واليونان حول قبرص والحدود البحرية والتنقيب عن النفط والغاز، رغم أن اليونان عضو أيضًا في الناتو.

ومن المحتمل أن تتحول المعارك المتكررة للقوات التركية على طول خطوط السيطرة المحكمة والمعقدة في شمالي سوريا إلى مواجهات مباشرة مع حكومة بشارد الأسد وروسيا وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. ولذا يصف رويان تركيا بأنها ليس معارضا كاملا للناتو، لكنها "حليف سيئ".

العلاقات الروسية

وتركيا هي الدولة الوحيدة في الناتو التي تقيم علاقات ودية نسبيًا مع روسيا، وامتنعت عن فرض عقوبات على موسكو منذ عام 2014.

ولطالما كانت موسكو شريكًا اقتصاديًا وأمنيًا أكثر قيمة لأنقرة من أوكرانيا. وظلت تركيا على استعداد لتجاهل آراء كييف وأصدقائها الغربيين من أجل تعزيز مصالحها الوطنية، كما كان الحال عندما وافقت على الانضمام إلى مشروع خط أنابيب "ترك ستريم" الروسي في عام 2016 لتجنب الأراضي الأوكرانية كممر وإرسال الغاز الروسي إلى أوروبا.

وإضافة لذلك، اشترت تركيا أنظمة صواريخ "إس 400" من روسيا، في عام 2020، رغم معارضة الناتو والولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى الأهداف الوطنية، تلعب العلاقات الشخصية أيضًا دورًا مهمًا في السياسة الخارجية، إذ تربط الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، علاقة يصفها رويان بـ"الغريبة"، فكلاهما يتعاونان علانية، لكنهما يخوضان أيضًا حروبًا بالوكالة في سوريا وليبيا.

وبالنسبة لروسيا، أصبحت تركيا ملاذًا آمنًا، فهي الدولة الوحيدة في أوروبا التي ترحب برجال الأعمال والسياح الروس، وتعتبر روسيا شريكًا تجاريًا ثمينًا ومصدرًا للنقود.

ومنذ بداية غزو أوكرانيا، وازنت تركيا بعناية بين الغرب وروسيا في سعيها للحصول على استقلال هويتها الاستراتيجية في المنطقة، ولعبت دور الحليف والوسيط في الصراع.

دور الحليف

أما دور الحليف، فلعبته تركيا منذ مارس/آذار 2022، عندما زودت أوكرانيا بـ 32 طائرة مسيرة من طراز بيرقدار TB2، ثم باعت 15 طائرة إضافية إلى أوكرانيا بسعر يقل بين 30% و50% عن السعر الأصلي البالغ 5 ملايين دولار أمريكي.

كما قدمت تركيا لأوكرانيا واحدة من أكبر الإمدادات لطراز واحد من المركبات المدرعة، والتي شملت 200 ناقلة جند مدرعة Kirpi MRAP صنعتها تركيا محليًا، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة.

دور الوسيط

وأما دور الوسيط، فسمح به النهج المتوازن لأردوغان، عبر إشراك كل من بوتين وزيلينسكي في محاولات دبلوماسية للتوصل إلى اتفاقيات على عدة جبهات منذ بداية الصراع.

وأسفرت المحاولات عن بعض النتائج الملحوظة، بما في ذلك صفقة الحبوب والاتفاق على تبادل أسرى الحرب، ما يبرز أهمية الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة مع الطرفين لتحقيق نتائج على المستوى الإنساني.

ووقعت أوكرانيا وروسيا اتفاقية حبوب تاريخية في 22 يوليو/تموز بوساطة أنقرة، لإنشاء مركز التنسيق المشترك (JCC) الذي سيتعامل مع شحنات الحبوب من البلدين عبر البحر الأسود إلى مضايق تركيا.

ومن ناحية أخرى، تمكنت تركيا من إقناع الجانبين بفتح الموانئ من خلال مبادرة حبوب البحر الأسود، وتخفيف نقص الغذاء ورفع الأسعار عن طريق السماح للدولتين المتحاربتين ببيع محاصيلها في الأسواق العالمية.

وقامت العديد من السفن بنقل ملايين الأطنان من الحبوب من روسيا وأوكرانيا إلى الدول التي هي في أمس الحاجة إليها منذ إطلاق مركز التنسيق المشترك (JCC).

وفي 22 سبتمبر/أيلول 2022، توصلت أوكرانيا وروسيا إلى اتفاق غير متوقع لتبادل الأسرى بوساطة تركية أسفر عن إطلاق سراح أكثر من 250 سجينًا، من بينهم 215 أوكرانيًا و55 مقاتلاً روسيًا ومؤيدًا لروسيا.

وأشاد المجتمع الدولي بالاتفاقية، التي أسفرت أيضًا عن إطلاق سراح 10 رعايا أجانب من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وشكرت لندن وواشنطن أنقرة والرياض على مساعدتهما في جعل الاتفاقية ممكنة.

ماذا يعني ذلك؟

أولا: حفاظ تركيا على العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، من خلال دعمها لأوكرانيا بطائرات مسيرة ومركبات.

ثانيًا: استحواذ تركيا على حصة روسيا بالأسواق الغربية، والعكس، إذ حصلت على مكاسب كبيرة من خلال تحركاتها الدبلوماسية، وحلت شركاتها محل الشركات الغربية في السوق الروسية.

ثالثًا: تقديم تركيا وجهة مفضلة للسائحين والمستثمرين الروس، إذ هاجر عدد كبير من الروس إلى تركيا خوفًا من العقوبات الغربية، وأنفقوا الملايين في سوق العقارات بالبلاد وأسسوا شركات.

كما فتحت الشركات الغربية مكاتب في تركيا للالتفاف على العقوبات المفروضة على التجارة مع روسيا، ما سيساعد هذا تركيا على السير بثبات في اقتصادها المعطل.

رابعًا: ترى تركيا فرصة لتحقيق طموحها طويل الأمد في التحول إلى مركز عبور رئيسي لأوروبا، حيث تقدم خدماتها وتدعو إلى إنشاء خط أنابيب بحري جديد تمت مناقشته منذ فترة طويلة بينها وبين إسرائيل، وهو خط من شأنه أن يسمح لغاز شرق المتوسط بالوصول إلى أوروبا عبر تركيا، حيث إن الحلفاء الأوروبيين مصممون أكثر من أي وقت مضى على تقليل اعتمادهم على واردات الغاز الروسي.

المصدر | مودرن دبلوماسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا أوكرانيا رجب طيب أردوغان فلاديمير بوتين

تركيا تحظر عبور البضائع الخاضعة للعقوبات إلى روسيا

دعا لمباحثات سلام.. أردوغان يستقبل زيلينسكي ويعلن عن زيارة مرتقبة لبوتين

خلال لقاء مرتقب مع بوتين.. أردوغان يخطط لعرض وساطته لحل الأزمة الأوكرانية