سجن بدر 3.. ثقب أسود يتسع على انتهاكات ومحاولات انتحار وسط تنديد حقوقي

الأربعاء 15 مارس 2023 02:09 م

لا يزال سجن بدر 3 النموذجي في مصر، والذي يعرف بـ"العقرب الجديد"، يمثل ثقبا أسود، على حد تعبير عدد من المنظمات الحقوقية ووسائل إعلام دولية، بعد تحوله إلى ما يشبه عالم مواز يضم آلاف من الأشخاص فقدوا كافة حقوقهم الأساسية التي يكفلها لها أي قانون ودستور، حسبما تظهر الرسائل المسربة  المتتالية التي خرجت من هذا الثقب بأعجوبة.

وشهدت الأسابيع الثلاثة الماضية تطورات درامية تمثلت في اندلاع أشكال جديدة من احتجاجات المعتقلين، اعتراضا على تجاهل مطالبهم من قبل إدارة السجن، بل وبدء إجراءات تعيدية قمعية ضدهم.

وليس أدل على مدى الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون داخل سجن بدر 3 هو ما تم الكشف عنه في الرسائل المسربة التي خرجت من السجن، وكشفت عن تزايد محاولات الانتحار بين السجناء بوتيرة مخيفة، وصلت إلى 55 محاولة في 10أيام، بينما أشار تقرير لمركز الشهاب لحقوق الإنسان إلى أن الوتيرة وصلت إلى معدل يتراوح بين 10 و13 حالة يومياً في الفترة من 23 فبراير/ شباط الماضي، حتى 4 مارس/ آذار الجاري.

وتنوّعت محاولات الانتحار بين قطع الشرايين ومحاولات الشنق وابتلاع العقاقير.

البداية

بداية التسريبات المفجعة جاءت في 23 فبراير/آذار الماضي، عندما وصل "الخليج الجديد"، ضمن وسائل إعلام أخرى، بيانا مسربا من مجموعة من المعتقلين بسج بدر 3، كشف عن تصاعد للانتهاكات ضدهم، وعدد محاولات انتحار قام بها معتقلون بالأسماء مثل "حسام أبو شروق" الذي أقدم على محاولة شنق نفسه، و "محمد ترك أبو يارا" الذي قطع شرايينه، وكشف عن بدء المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع إضرابا عن الطعام في محبسه.

وأورد البيان جملة من تفاصيل تلك الانتهاكات، والذي قال إنها تتمثل في استمرار منع الزيارات عن المعتقلين، والذين وصل بعضهم إلى 7 سنوات من المنع، بالإضافة إلى منع كافة المعتقلين من التريض بنسب متفاوتة، وضعف وجبات الطعام المقدمة لهم التي وصفوها بأنها لا تكفي لإطعام طفل صغير، وعدم وجود ماكينات أو شفرات حلاقة.

وكشف البيان أيضا عن تعرض معتقل آخر، ويدعى طه، إلى أزمة قلبي حادة، بسبب اقتحام قوة أمنية الزنازين بوجشية، حيث تم نقله للمستشفى دون معرفة مصيره.

وأكد البيان دخول المرشد العام للإخوان، محمد بديع في إضراب كلي نتيجة للمعاملة السيئة من قبل إدارة السجن معه، وعدم الاستجابة له في الذهاب للمستشفى، بالإضافة لعدم السماح له بحضور الجلسات أمام النيابة.

وأشار البيان إلى أن حالات محاولة الانتحار وإيذاء النفس تتزايد بشكل كبير بين المعتقلين، نتيجة المعاملة السيئة والتي تزداد يوما بعد يوم.

وعلم "الخليج الجديد"، حينها، أن مساعد وزير الداخلية حضر إلى السجن وطلب من المعتقلين كشف كاميرات المراقبة مجددا، لكنهم رفضوا بعد أن أخبرهم أن الاستجابة لمطالبهم "ليست من صلاحياته".

بيان حقوقي مجمع

البيان المسرب تفاعل في الفضاء الحقوقي العربي والدولي، وفي بداية مارس/آذار الجاري، أصدرت 19 منظمة حقوقية عربية ودولية بيانًا مشتركًا، أعربوا فيه عن قلقها الشديد من هذه الانتهاكات التي قالت إنها تشكل خرقًا صارخًا للدستور المصري والقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية كافة، ومخالفة واضحة للقواعد الدنيا في معاملة السجناء المعتمدة من الأمم المتحدة.

وتمثلت انتهاكات السلطات المصرية حسب البيان في حرمان المعتقلين من الزيارة لمدة وصلت إلى 7 سنوات، وحرمان المعتقلين من التريّض والتعريض لأشعة الشمس، فضلا عن سياسة تجويع المعتقلين بتقديم كميّات طعام ضئيلة للغاية، ومنع زيارات الأهالي وغلق كافيتريا السجن.

كما شملت الانتهامات، تعريض المعتقلين للإضاءة القوية على مدار الـ24 ساعة، التي تؤدي بحسب خبراء الطب النفسي إلى إتلاف الجهاز العصبي والإصابة بالاكتئاب، ومن ثم الإقدام على الانتحار، وانتهاك الخصوصية عبر كاميرات المراقبة (صوت وصورة) داخل الزنازين، والتفتيش المتكرر المصحوب بالاعتداء على المعتقلين بالضرب المبرح.

ونددت المنظمات بالإهمال الطبي المتعمد، والحرمان من الحق في العلاج، والحبس الانفرادي غير المبرر لمدد طويلة، والحرمان من أدوات النظافة الشخصية، والمعاملة القاسية والمهينة والحط من الكرامة الإنسانية.

ووصف البيان "مجمع سجون بدر"، هو النسخة الأشد قسوة وتنكيلًا من سجن العقرب سيئ السمعة، وأن هذه الممارسات الممنهجة وغير الإنسانية دفعت بعض المعتقلين إلى التخلص من حياتهم حيث تزايدت محاولات الانتحار خلال الأسبوع الماضي، وأضرب آخرون عن الطعام.

رسالة مسربة جديدة

وفي 6 مارس، تم تداول رسالة مسربة جديدة من داخل السجن، تكشف استمرار الانتهاكات الجسيمة، وتكشف عن 55 محاولة انتحار خلال 10 أيام من قبل السجناء، الذين تملك منهم اليأس والإحباط من استمرار منعهم من أبسط حقوقهم داخل السجن، مثل الطعام والتريض وزيارات الأهل.

وأوردت الرسالة، المعنونة بـ"انتفاضة بدر 3.. حصاد 10 أيام من الأحداث"، والتي تداولها عدد من ذوي السجناء عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أن سوء أوضاع السجناء تفاقم منذ نقلهم إلى سجن بدر 3، ما دفعهم إلى الاحتجاج المستمر "حتى يحصلوا على حقوقهم ومطالبهم المشروعة".

وأشارت الرسالة إلى أن محاولات انتحار السجناء كانت "بالشنق أو قطع الشرايين أو ابتلاع الأدوية، احتجاجًا على الانتهاكات التي يتعرضون لها".

وحددت الرسالة مطالب السجناء بـ "السماح بالزيارات العائلية، وفتح التريض، وتقديم الرعاية الطبية المطلوبة، وتحسين الأحوال المعيشية، واحترام حقوق الإنسان".

كما لفت السجناء إلى "ترحيل 200 سجين إلى سجون أخرى (تغريب)، إلى جانب منع أدوية المرضى وكبار السن والحالات الحرجة".

المجاعة القاتلة

يوم 9 مارس كانت وسائل الإعلام والمنظمات الحوقية على موعد مع رسالة مسربة أخرى حملت تفاصيل مفجعة، وحملت عنوان "مجاعة قاتلة"، وأشارت إلى تصاعد القمع داخل السجن من قبل السلطات، ردا على الرسائل السابقة التي وجدت طريقها لمنظمات دولية.

وحسب نص الرسالة "زادت حالات الانتحار اليومي بين المعتقلين بمعدل يتراوح بين 10 و13 حالة، تنوعت بين قطع الشرايين ومحاولات شنق وتناول عقاقير كثرتها يؤدي للوفاة، وكانت أخطر محاولة تلك التي قام بها المعتقل محمود الصعيدي، إذ قام بمحاولة انتحار عبر ذبح نفسه، ما أدى لحجزه في المركز الطبي في حالة حرجة".

وفي المقابل زادت إدارة السجن من إجراءاتها التصعيدية بحق المعتقلين، بعدما منعت صرف الدواء عن أصحاب الأمراض المزمنة منهم، مثل مرضى القلب والسكر، كما فصلت التيار الكهربائي عن الزنازين باستثناء مصابيح الطوارئ فقط.

وإمعانًا في التنكيل بالمعتقلين، بحسب الرسالة المسربة، أغلقت إدارة السجن "الكانتين"، وقللت كميات الطعام المخصصة لهم، ما أدى لتعريض المعتقلين لـ"مجاعة قاتلة" داخل السجن، وذلك بهدف إجبار المعتقلين على الرضوخ لمطالب الإدارة بتأجيل مطالب الزيارة إلى أجل غير مسمى.

وأكد المعتقلون أن مطلبهم الوحيد هو فتح الزيارة لمعرفة أخبار أهاليهم وتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية من خلال المفوضية السامية لحقوق الإنسان للوقوف على حقيقة ما يجري في سجون الشرق الأوسط بدلا من بيانات الشجب والإدانة.

الداخلية ترد

وأمام تتابع تلك الرسائل وتضخم كرة الثلج حول سجن بدر 3، ردت وزارة الداخلية المصرية ببيان كلاسيكي في 9 مارس أيضا، لم يتطرق إلى المعتقلين، ولكن اكتفى باعتبار أن كل ما يقال هي مجرد "أكاذيب تأتي ضمن المحاولات اليائسة من الأبواق الإعلامية التابعة لجماعة الإخوان لمحاولة إثارة البلبلة بعد فقدانهم مصداقيتهم بأوساط الرأى العام"، على حد تعبير البيان.

ومنتصف فبراير/شباط الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن أقارب سجناء وجماعات حقوقية قولهم، إن سجن "بدر" الذي وصفته مصر بأنه نموذج للإصلاح وتحتجز فيه بعض أبرز السجناء، يحرم النزلاء من الرعاية الصحية ويخضعهم لمعاملة عقابية تشمل العزل.

وقبل أسابيع قليلة، قالت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان والشبكة المصرية لحقوق الإنسان، إن 4 سجناء توفوا في سجن بدر العام الماضي بسبب الإهمال الطبي، من بينهم علاء السلمي (47 عاما) الذي كان مضربا عن الطعام لمدة شهرين بسبب ظروف الاحتجاز.

وكانت السلطات المصرية قد اعتبرت أن منظومة السجون الجديدة في مناطق بدر ووادي النطرون هي جزء من التحول نحو نهج "إصلاحي" يعكس "مدى التقدم والحداثة" في نظام الاحتجاز المصري. وقالت وزارة الداخلية إن النزلاء لديهم مساحة لممارسة الرياضة والعبادات والتدريب.

كما أوضحت الوزارة أن سجن بدر يركز على "إعادة التأهيل"، بما يتماشى مع استراتيجية حقوق الإنسان الخمسية التي نُشرت في عام 2021، وهي واحدة من عدة مبادرات طُرحت في الأشهر الثمانية عشر الماضية وتشمل الإنهاء التدريجي لحالة الطوارئ التي كانت سارية منذ سنوات، والعفو عن بعض السجناء وإطلاق حوار سياسي.

وتقدر جماعات حقوقية أن عشرات الآلاف سُجنوا بسبب المعارضة السياسية في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويشكون منذ فترة طويلة من انتهاكات بما في ذلك التعذيب الممنهج وظروف الاحتجاز التي تهدد الحياة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

سجن بدر 3 السجون المصرية حقوق الإنسان في مصر معتقلون محاولات انتحار انتهاكات

مصر.. رسالة مسربة: غرور وتعنت الداخلية يجوع معتقلي بدر 3 في رمضان

أسرة مرسي تنفي أنباء محاولة انتحار نجله أسامة داخل محبسه.. والداخلية تعلق