بعد إعلان رغبتيهما بتطبيع العلاقات.. ما هي عقبات المصالحة المصرية التركية؟

الأحد 19 مارس 2023 09:26 ص

مصر وتركيا تعلنان عن تفاؤل بمستقبل العلاقات الثنائية، لكن الأمر لم يغادر دائرة التبشير بزخم سياسي وإرادة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والمصري عبدالفتاح السيسي، في حل الخلاف.

فالوقت هو من سيحسم، خاصة أن تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية في مايو/أيار المقبل، وفي ظل عقبات تقف في مسار علاقات البلدين.

وتختلف تركيا ومصر في العديد من الملفات، لكن أبرزها من وجهة نظر تركيا يتمثل في ملف الغاز بشرقي المتوسط، وما يرتبط به من ترسيم للحدود البحرية مع اليونان، والملف الليبي، بالإضافة إلى المسائل ذات الطابع الثنائي.

وفي حين يبدي الطرفان رغبة مشتركة في تطبيع العلاقات بينهما، فإن تركيا تبدو أكثر حماسة للوصول إلى التطبيع الكامل، ما يدفع للتساؤل عن الأهداف التركية والمصالح المتوخاة من تعزيز العلاقات مع مصر.

والسبت، اتفقت مصر وتركيا في ختام لقاء بين وزيري خارجيتهما على بدء مباحثات لعقد لقاء بين رئيسي البلدين، واتخاذ خطوات في سبيل تبادل السفراء بين القاهرة وأنقرة، لافتتين إلى أن ذلك سيكون في الوقت الملائم.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد التقى نظيره المصري عبدالفتاح السيسي في الدوحة، على هامش افتتاح مونديال قطر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

كما جلس كل من السيسي وأردوغان في مقاعد متقاربة على منصة كبار المسؤولين الحاضرين للاحتفال ضمن قادة عرب ودوليين، وتوسطهما فقط الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.

ولعل هذه المصافحة واللقاء الذي عقد على هامش الاحتفال بوساطة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ومن بعدها الزلزال الذي ضرب تركيا، والتضامن الإنساني المصري معه، فتح صفحة جديدة في العلاقات.

في هذا التقرير، يستعرض "الخليج الجديد" أهم العقبات التي تواجه البلدين قبل تطبيع العلاقات الثنائية.

دعم الإخوان

قائمة الخلافات والمنافسة بين القاهرة وأنقرة طويلة، وهي تعود إلى عام 2013، حين أعلنت تركيا أكثر مرة أن إطاحة الجيش بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي الذي كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، غير شرعية.

ووصف أردوغان حينها السيسي بـ"الانقلابي".

وبعد أن حظرت مصر جماعة الإخوان وصنفتها تنظيما إرهابيا، وفرت تركيا الملاذ والحماية للكثير من أعضاء الجماعة.

وردا على ذلك اتهمت مصر تركيا بدعم التنظيمات الإسلامية خاصة الإخوان، وبقيت العلاقة بعد ذلك لأعوام متوترة بين البلدين.

وفي عام 2019 أعلن أردوغان أنه ليست لديه نية للمصالحة مع السيسي، وقال حينها: "أنا أرفض اللقاء مع شخص مناهض للديمقراطية، حكم على مرسي ورفاقه بالسجن".

لكن مؤخرا طلبت تركيا من وسائل الإعلام التابعة للإخوان وجماعة المعارضة المصرية بتخفيف حدة انتقاداتها للسلطات المصرية.

ثم ازداد الحد من نشاط وإمكانيات المعارضة المصرية في تركيا، حتى إن بعض المعارضين المصريين يفكرون في مغادرة تركيا إلى بلد آخر، "وليس مستبعدا أن يزداد هذا التوجه".

ليبيا

تصارع وتنافس البلدان سياسيا واقتصاديا في الحرب الأهلية الليبية، ففي حين دعمت مصر رجل ليبيا القوي خليفة حفتر، وساعدته لمنع تشكيل حكومة يشارك فيها الإسلاميون، وقفت تركيا إلى جانب فايز السراج، رئيس الحكومة السابقة المعترف بها دوليا.

وفي عام 2019، وقعت تركيا مع السراج على اتفاقية تم بموجبها تحديد المياه الإقليمية للبلدين من جديد، ما وسع تركيا مياهها الإقليمية إلى قرب جزيرة كريت اليونانية، وهو ما اعترضت عليه مصر.

كما تعد حالة الانفتاح التركية على معسكر الشرق، ولا سيما اللقاءات التي عقدها السفير التركي في شرق ليبيا أخيراً، من أكثر ما يزعج مصر.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فتركيا تسعى لمزيد من الهيمنة على ليبيا بمباركة أمريكية، وبدلاً من تخفيض مستوى القلق المصري بشأن الملفات الليبية، تشرع في ترسيخ وجودها واتفاقياتها السابقة الموقعة مع حكومة الوفاق، والتي لا ترحب بها القاهرة.

كما تتوسع تركيا في مجال التدريب العسكري للقوات الليبية، والتي كان آخرها توقيع اتفاق جديد بين القوات الجوية التركية والليبية في مجال التدريب والتأهيل وتبادل الخبرات.

في مقابل ذلك، تعطلت الكثير من التحركات المصرية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، بشأن تصحيح مسار العلاقات مع حكومة الوحدة الوطنية، في أعقاب قرار تأجيل الانتخابات، خاصة بعدما أبدت القاهرة موقفاً واضحاً بشأن المرشحين المفضلين لديها، والذين لم يكن رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة أحدهم.

كما ترفض القاهرة الوجود العسكري لتركيا في ليبيا ضمن منطقة تعتبرها عمقاً استراتيجياً لأمنها الوطني، كما تتمسك بإدانة ما تعتبره "تدخلات أطراف إقليمية من بينها أنقرة في الملفات والأزمات العربية.

شرق المتوسط

وليس بعيدا عن ليبيا، وإن كانت الفجوة بين البلدين تبدو ذات طبيعة أيديولوجية ظاهريا، لكنها تخفي تحتها أسبابا اقتصادية وجيوستراتيجية معقدة.

وكانت مصر وتركيا طرفين في السباق على الموارد في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث تحاول تركيا أن تكون جزءا من ثروة الغاز الطبيعي في المنطقة، فيما تعمل مصر جاهدة لحرمان تركيا من هذه الثروة.

ووفق مراقبين أتراك، فإن أنقرة تضغط بالملف الليبي في مقابل حلحلة أزمة ترسيم الحدود البحرية بمنطقة شرق المتوسط، ما يسمح لها بمزيد من حقوق التنقيب على الغاز، فيما ترى في اجتذاب القاهرة نحوها مكسباً لمواجهة اليونان، "عدوها التقليدي" بتلك المنطقة.

أما مصر فتقف حتى الآن إلى جانب اليونان في خلافها مع تركيا حول موارد الغاز في البحر المتوسط.

وفي صيف عام 2020 وقعت مصر واليونان اتفاقية تم بموجبها تحديد المنطقة الاقتصادية لكلا البلدين في شرقي المتوسط، قبل أن تنتقد تركيا الاتفاقية وتقول إنها "اتفاقية قراصنة".

وشكلت مصر منظمة شبيهة بـ"أوبك"، تضم منتجي ومستهلكي الغاز الطبيعي في المنطقة، وتجاهلت هذه الكتلة تركيا التي تسعى جاهدة منذ أعوام لأن تكون نقطة عبور للطاقة إلى السوق الأوروبية.

النفوذ الأفريقي

وأمام هذه المحاولات المصرية لعزل تركيا، ردت أنقرة بمحاولة عزل القاهرة بعدة طرق من ضمنها التواجد في جوارها المباشر، وتحديدا في دولها المجاورة، قبل أن يتصاعد النفوذ التركي في القارة الأفريقية، في منافسة لمصر.

وتتنافس مصر وتركيا في التواصل الدبلوماسي مع دول في القارة الأفريقية، مثل غينيا بيساو والسنغال وغانا والصومال.

ولعل أبرز المنافسات وآخرها، تقديم الحكومة التركية اتفاقاً عسكرياً موقعاً مع إثيوبيا عام 2021 إلى البرلمان للموافقة عليه، وهو ما يقوي العلاقات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إثيوبيا، وهو ما يغضب مصر.

كما عبرت القاهرة عن غضبها مرارا من تدخل أنقة المتزايد أو "دور تركيا السلبي" في الدول العربية، مثل سوريا والعراق، وسط تخوفها من المنافسة أيضا على النفوذ في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

من جانبه، يقول مستشار أكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش المصري اللواء حمدي بخيت، إن تبادل الزيارات المصرية التركية والتي وصلت إلى وزراء الخارجية، تشي بتسريع وتيرة التقارب السياسي بين البلدين.

مضيفا: "العلاقات عندما تصل إلى مستوى زيارات وزراء الخارجية تكون قد سبقتها خطوات تمهيدية عديدة على مستوى التنسيق والتفاهم بين الأجهزة المعنية، ومن ثم فهي تحرك محوري يقود إلى عودة العلاقات إلى سابق عهدها، سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا".

ويؤكد أنه من المهم في الفترة المقبلة أن يظهر الطرفان قدرتهما البالغة على تخطي التعقيدات في الملف الليبي وحسم علاقة تركيا بالإخوان وتدخلاتها في شؤون الدول العربية، ثم ملف الغاز في شرق المتوسط.

ويشير بخيت إلى أنه "يصعب على مصر أن تضحّي بمحور اليونان وقبرص الذي ثبّت أقدامه نظير تقارب جديد مع تركيا، كما أنه ليس من العقيدة المصرية الراسخة، والتي تدير ملفاتها الإقليمية بتوازن شديد".

ويختتم: "تبدو عودة السفراء بين البلدين خطوة مهمة من قبل الدولتين، وليست أمرا شكليا، لأنها في المحصلة تدل على انتهاء مسار الخلافات تماما ووجود قدر من التفاهم العام".

((6))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر تركيا غاز المتوسط ليبيا السيسي شرق المتوسط أفريقيا خلافات عقبات إخوان

وزير الخارجية التركي: لقاء أردوغان والسيسي بالدوحة نقطة التحول نحو التطبيع

شكري يزور تركيا خلال أيام.. وجاويش أوغلو: قد نعلن مسار تبادل السفراء