القيادي بإخوان الأردن رامي عياصرة لـ"الخليج الجديد": إطلاق يد الجماعة مصلحة وطنية

الاثنين 20 مارس 2023 10:49 ص

مصطفى الزواتي- الخليج الجديد

اعتبر القيادي في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن، د. رامي عياصرة، أن إطلاق يد الجماعة في مختلف ميادين العمل يمثل "مصلحة وطنية" كي تؤدي دورها في "خدمة الأردن وحفظ أمنه واستقراره"؛ لأن المملكة مستهدفة من "المشروع الصهيوني بقيادة اليمين الإسرائيلي المتطرف"، حسب قوله.

وفي مقابلة مع "الخليج الجديد"، أفاد عياصرة، أمين سر "الإخوان" سابقا، بوجود تقاطعات بين الجماعة والأحزاب اليسارية والقومية، خاصة بشأن "القضية الفلسطينية وضرورة توسيع هوامش العمل السياسي والحريات العامة بالمملكة".

وأضاف أنه من المفترض على الدولة أن تكون محايدة في مسألة دعم التيارات، خاصة فيما يتعلق بدعم الدينية منها، لكن "ما يحدث خلاف ذلك ويُضر بالحالة الدينية العامة".

وبدعوى "عدم قيامها بتصويب أوضاعها القانونية"، قرر القضاء الأردني في 15 يوليو/ تموز 2020 حلّ جماعة الإخوان، التي تشكلت مع ذراعها السياسية، حزب "جبهة العمل الإسلامي"، المعارضة الرئيسية في المملكة.

وربط مراقبون بين هذا القرار ودور المعارضة الذي لعبته الجماعة في الشارع الأردني خلال سنوات ما تُسمى بـ"ثورات الربيع العربي"، التي انطلقت شرارتها في تونس أواخر 2010.

وقال عياصرة إن الحركات الإسلامية كانت مستهدفة خلال "الثورات المضادة" بعد "الربيع العربي"؛ لأنها كانت في طليعة القوى المنادية بـ"التغيير والإصلاح والتخلص من الديكتاتورية" في المنطقة.

واعتبر أن جماعة الإخوان كانت الوحيدة في الأردن القادرة على الحشد في الشارع، وهو ما تأكد حين حشدت الشارع لدعم الموقف الرسمي الرافض لتمرير "صفقة القرن".

و"صفقة القرن" هي خطة سياسية طرحها عام 2020 الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وكانت مجحفة بحقوق الفلسطينيين المشروعة ومنحازة لإسرائيل.

وإلى نص الحوار الكامل لعياصرة مع "الخليج الجديد":

برأيك.. لماذا خفت نجم جماعة الإخوان في الأردن خلال العقد الأخير؟

الجماعة لا تزال تقوم بواجبها الوطني لتحقيق أهدافها المعروفة، وهذا امتداد لأكثر من 75 عاما من وجودها بالأردن. البعض يرى أن الحالة السياسية والحزبية بالأردن كلها تراجعت في الآونة الأخيرة وليس فقط على مستوى الجماعة.. والجماعة لا تزال حاضرة وربما تحتاج أحيانا إلى تجديد في الوسائل والأساليب وقراءة الواقع السياسي لاستكشاف آفاق المستقبل.

البعض يرى ثمة تحالف سياسي غير معلن بين الإخوان واليسار والقوميين.. كيف ترد؟

ليست مسألة تحالفات معلنة أو غير معلنة، العمل السياسي والعام يقوم على التقاطع والتباين، وهناك تقاطعات بين الإخوان والتيار الإسلامي عامة وبين الأحزاب اليسارية والقومية. ومن الأمور التي يتقاطعون فيها القضية الفلسطينية وضرورة توسيع هوامش العمل السياسي والحريات العامة. وهناك مسائل خلافية في ملفات إقليمية وهذا طبيعي، لكن التقاطعات لا تعني التحالف.

وما طبيعية وأهداف العلاقة بين الإخوان واليسار والليبراليين والقوى السياسية الأخرى؟

هناك تواصل بين الإخوان واليساريين تحت عنوان التحالف الوطني لمجابهة صفقة القرن ودعم المقاومة الفلسطينية. وقبل أسبوع عُقد مؤتمر صحفي بعنوان: "الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن" بمقر حزب جبهة العمل الإسلامي في عمان، بحضور قامات وطنية وأحزاب مختلفة للحديث عن تجسيد وحدة الشعب الأردني خلف المقاومة الفلسطينية؛ حماية للأردن ودعما للفلسطينيين الذين يواجهون العدوان الصهيوني ورفضا لمؤتمرات التنسيق الأمني.

وهذا الملتقى يجمع أحزاب وسطية وقومية ويسارية، وهو قائم منذ عامين ويعقد اجتماعات دورية، وعقد المؤتمر الأخير على خلفية لقاء العقبة وأصدر بيانا حذر من عواقب لقاء العقبة.

وهناك توافق على هذا الملف مع الكثيرين، فالمشروع الصهيوني يشكل أكبر خطر يتهدد الأردن كدولة ونظام (نظرا لدعم الأردن لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة).

(عُقد اجتماع العقبة الأمني جنوبي الأردن في 26 فبراير/ شباط الماضي وضم ممثلين رفيعي المستوى عن الأردن وفلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة ومصر بهدف التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين).

كيف ترى نظرة الدولة إلى الجماعة حاليا وهل صحيح ما يتردد عن أنها تسعى إلى إحلال قوى دينية أخرى محلها مثل السلفية أو الصوفية؟

يُفترض بالدولة أن تكون محايدة في مسألة دعم التيارات، خاصة دعم التيارات الدينية بعضها على بعض، لكن ما يجري خلاف ذلك ويُضر بالحالة الدينية العامة في الأردن. نرى أنه قد يشكل حالة تضييق على الجماعة، لكنها بخبرتها وقدرتها على التعامل مع هذه المتغيرات استطاعت أن تتجاوز كثير من العقبات في السنوات العشر الماضية.

والحركة الإسلامية وجماعة الإخوان لا تتبنى مذهبا عقائديا أو فقهيا، فهي مدرسة تدعو إلى الإصلاح وتتبنى الإسلام الشامل، وفيها الصوفي والأشعري والسلفي وغير المتخصصين بالشريعة الإسلامية.

فالجماعة إطار أشمل من أن ينافسها تيار صوفي أو سلفي، والتيارات الأخرى لها الاحترام والتقدير، ونعتقد أن كل القوى الإسلامية التي تدعو إلى الإسلام تصب بالنهاية في معين واحد وتخدم الدعوة والصحوة الإسلامية كل من زاويته وفهمه.

والتوظيف السياسي لهذه التيارات غير مجدٍ وغير صحيح، والدول المحيطة بنا مثل السعودية التي كانت تتبنى المذهب السلفي "الوهابي" تخلت عنه في الفترة الأخيرة.

(في 2015 اعترفت الحكومة بجمعية للإخوان أسسها مفصولون من الجماعة الأم قبل أن يقرر القضاء في 2020 حل الأخيرة)

لكن البعض يقول إن أطروحة الإسلام السياسي تراجعت في المنطقة مما أثر سلبا على شعبية الإخوان في الأردن.. فماذا ترى؟

ما تراجع هي الحريات العامة والعمل السياسي في المنطقة وليس فقط الإسلام السياسي. الحركات الإسلامية كانت مستهدفة في حقبة الثورات المضادة بعد الربيع العربي، باعتبار أنها كانت في الطليعة ومن القوى المجتمعية التي تنادي بالتغيير والإصلاح والتخلص من الديكتاتورية والحكومات الشاملة التي كانت تحكم على مدار عقود.

لكن لاشك أن الحركات الإسلامية والإسلام السياسي كانت أكثر المتضررين من الثورات المضادة باعتبارها أكبر المستهدفين. ولا أعتقد أن الشعبية تُقاس بالشعور والانطباعات، هذا يحتاج إلى مراكز بحث ودراسات.

والحركة الإسلامية وجماعة الإخوان في الأردن كانت الوحيدة التي قامت بالتحشيد في الشارع لدعم الموقف الرسمي ضد تمرير صفقة القرن، بينما لم تقم بهذا التيارات الأخرى ولا حتى القريبة من السلطة.

فهل يمكن الحكم على جماعة الإخوان بأنها تراجعت؟! ما يطلقه البعض هو حكم ارتجالي-انطباعي غير قائم على دراسة حقيقية.

برأيك ما الذي ينقص الجماعة وهل تعاني من أزمة فكرية وتحتاج إلى التجديد؟

الجماعة مثل أي جهد بشري يمكن أن يصيب أو يخطئ، لكن تمتلك خطا فكريا وطنيا واضحا ولا تعاني من أزمة فكرية، فهي مستقرة فكريا ولديها إرث فكري كبير تتكئ عليه.

ما يحتاج إلى تجديد هي الوسائل والأساليب وآليات العمل، وهذا خضع في مراحل معينة إلى التأمل والنقد الذاتي والحوار الداخلي ضمن أُطر الجماعة الداخلية؛ مما أدى إلى صياغة وإنتاج "الوثيقة السياسية للحركة الإسلامية" في 2019 للمرة الأولى في تاريخ الجماعة بالأردن.

وبلغة متقدمة، ذكرت الجماعة في الوثيقة رأيها في مختلف العناوين منها: المشاركة السياسية وقضايا المرأة والطفل والابتكار والشباب ودورهم والمواطنة وتعريف المصالح الوطنية العليا للدولة.

الجماعة لا تعاني من أزمة فكرية، ولكنها تحتاج دائما إلى تجديد في الوسائل والأساليب وآليات العمل، خاصة ما يتعلق بآليات العمل في التعاطي السياسي.

هل ترى أن تعزيز الجماعة لتحالفاتها مع قوى واتجاهات سياسية وفكرية أخرى ساعد في تعزيز قوة الإخوان بالمنطقة والأردن؟

التحالفات السياسية هي إحدى المفردات المهمة والأساسية في العمل السياسي والعام وهي تقوي المتحالفين. اليوم ندخل في مرحلة جديدة فيما يتعلق بتحديث المنظومة السياسية وتخصيص مساحة أكبر من مقاعد البرلمان في الانتخابات القادمة والتي تليها، وهذا يفتح المجال أمام تحالفات سياسية حقيقية يمكن أن تُبنى.

الحركة الإسلامية كانت سابقة لكل المكونات والأحزاب السياسية بالأردن عندما طرحت فكرة "التحالف الوطني للإصلاح" في 2016، وكما يقول المبدأ المعروف عند جماعة الإخوان: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.

ولدى الجماعة فرصة في الانتخابات القادمة لتعزيز "التحالف الوطني للإصلاح"، بحيث يكون تحالفا سياسيا حقيقيا مع تيارات وأحزاب سياسية نلتقي معها على نظرة واحدة تجاه الإصلاح في الأردن.

(الانتخابات المقبلة المفترضة في 2024 ستكون الأولى التي ستُنظم بموجب قوانين وثيقة تحديث المنظومة السياسية، وستحظى الأحزاب بـ41 مقعدا في البرلمان المقبل (الثلث)، ضمن عملية متدرجة لعشر سنوات تنتهي ببرلمان حزبي كامل).

وهل بدأت الجماعة الترتيب للمرحلة المقبلة؟

كل الأحزاب تتهيأ وليس فقط جماعة الإخوان، بموجب قانوني الانتخاب والأحزاب الجديدين، وهناك استعدادات داخل الحركة الإسلامية.

لكن ليس هناك شكل معين للتحالفات، بل قناعة بأن التحالفات ستكون مجدية ورافعة للعمل السياسي بسبب قانون الانتخاب الذي يخصص في الانتخابات القادمة قائمة على مستوى الوطن للأحزاب السياسية بواقع 41 مقعدا، أي ثلث المقاعد، ثم ثلثي المقاعد في الانتخابات التالية. والجماعة لديها إطار تحالفي تمّ تشكيله منذ 2016، وهو "التحالف الوطني للإصلاح".

لكن البعض يقول إن هناك جناح "صقور" داخل جماعة الإخوان يرى عدم عقد شراكات مع أطراف أخرى باعتبار أنها تُفقد الجماعة بريق الإسلام السياسي وتجعلها تذوب مع أفكار وأيدولوجيات ليبرالية ويسارية..  

لا أعتقد بأن تيار ما وصفته بالصقور أو غيره يرى هذه النظرة المنغلقة تجاه الآخر، وبغض النظر عن وجود اجتهادات أو تيارات فإنه يوجد رأي مؤسسي يصدر من الأطر الشورية، ولاسيما مجلس شورى الجماعة، ويخضع له الجميع.

ومن الطبيعي أن جماعة كبيرة وعريضة كالإخوان تكون داخلها وجهات نظر مختلفة ومتباينة، ولا أعتقد أن أي تيار داخل الجماعة يرى أن من مصلحتها الانكفاء على ذاتها وعدم الذهاب إلى التحالفات السياسية.

التحالفات لا تفقد الجماعة رونقها بل توسع حضورها، ولا تعني دوران المتحالفين مع بعضهم البعض، بل يبقى لكل تيار وحزب آرائه وأطروحاته وتلتقي التيارات والأحزاب على المشتركات وبرنامج سياسي محدد لتحقيق الصالح العام.

ومثلا "حزب الله" معروف بأيديولوجيته، لكنه ينسج تحالفات سياسية مع أحزاب مسيحية وغير مسيحية في لبنان، وهذه طبيعة التحالفات، وحتى الأحزاب السياسية في العراق لديها أيديولوجياتها ومرجعياتها، ولكن يحدث بينها تحالفات سياسية. والتحالفات من أبجديات العمل السياسي.

وكيف ترى مستقبل جماعة الإخوان في الأردن في ظل التغيرات المتسارعة في المنطقة سياسيا واجتماعيا؟

سياق الأحداث في الأردن يذهب باتجاه أن جماعة الإخوان باقية ومتجذرة، بل إن بقاء واستمرار الجماعة في الأردن هو مصلحة وطنية، فالأردن اليوم مستهدف من العدو الذي يتربص به ويتمثل بالمشروع الصهيوني بقيادة اليمين الإسرائيلي المتطرف الفاشي المتشدد، وهذا يشكل خطرا حقيقيا وداهما على الأردن على مستوى الدولة والنظام والكيان، وبالتالي هذا يستدعي وجود قوى حزبية قوية وفاعلة.

كلما كانت الحالة الحزبية والعامة في الأردن أصلب وأقوى كلما شكل ذلك عنصر قوة للدولة، وجماعة الإخوان على رأس القوى السياسية والحزبية بالأردن، والمتغيرات المتسارعة تستدعي وجودها وحضورها وتوفير وشحن كل الطاقات الممكنة لحماية الأردن مما يحاك له.

وداخليا، يمر الأردن بمرحلة صعبة فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية، وهناك الكثير من الأمراض الاجتماعية التي بدأت تظهر في المجتمع، وهذا يحتاج إلى دور الجماعة في الإصلاح والوعظ وإصلاح الفرد وتقوية النسيج الداخلي للمجتمع، وهذه أولوية للجماعة في هذه المرحلة والمرحلة القادمة.

واقع الحال في الأردن داخليا وخارجيا يستدعي بقاء الجماعة، بل وإطلاق يدها في مختلف ميادين العمل، حتى تؤدي دورها الوطني في خدمة الأردن وحفظ أمنه واستقراره.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الأردن جماعة الإخوان المسلمين رامي عياصرة الحريات الانتخابات السلفيون الصوفية إسرائيل الإسلام السياسي الثورات المضادة الربيع العربي