سعدالدين العثماني لـ"الخليج الجديد": تراجعت الديمقراطية ومعها كل التيارات وليس الإسلامية فقط

الخميس 20 أبريل 2023 09:14 ص

نواف السعيدي - الخليج الجديد

قال الرئيس السابق للحكومة المغربية الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية المعارض (مرجعية إسلامية) الدكتور سعد الدين العثماني إن "المناخ الدولي كله أضحى مناخا تراجعيا على المستوى الديمقراطي"، مشددا على أن "التراجع السياسي الحالي يهم الوضع العام، ويشمل جميع التيارات والأحزاب الإصلاحية بمختلف تلاوينها وأطيافها".

وفي مقابلة خاصة مع "الخليج الجديد"، أضاف العثماني (67 عاما)، الذي يعمل حاليا كطبيب نفساني، أنه توجد "تراجعات ديمقراطية وحقوقية واضحة تختلف من دولة لأخرى"، مشددا على أن "تاريخ الدعوات والحركات الإصلاحية هو مسار دائما متموج من صعود وهبوط، إلا أن فترات الهبوط لا تعني بالضرورة الأفول أو الفشل".

وتابع أن "الدولة المغربية سمحت بهوامش متعددة لإدماج الفصيل الإسلامي واختارت نهجا مختلفا نوعا ما على عدد من البلدان الأخرى"، مؤكدا أن "الحركات الإصلاحية، وفي مقدمتها الحركات الإسلامية، مؤهلة وقادرة على القيام بأدوار طليعية في مراحل النهوض المقبلة".

العثماني أردف أن "الأحزاب والتيارات (الإصلاحية) تنمو وتتقدم أكثر في المجتمعات والسياقات المتميزة بمستوى معقول من الممارسة الديمقراطية والانفتاح السياسي، أما في سياق التراجعات فليست وحدها الخاسر، بل الأوطان والشعوب بالدرجة الأولى".

وحول رؤيته لقضية التجديد الإسلامي بين المشروعين الأصولي والحداثي، قال إن "هناك طريقا ثالثا يدمج بين الثوابت الشرعية الدينية وعطاءات الحكمة الإنسانية؛ فالتمسك بالدين لا يعني تقليد نماذج قديمة في تنزيله على الواقع، بل هو تجديد مستمر لفهمه وتمثله، وهو أيضا عملية فكرية دائمة تُشكّل المحرك الأساسي لمشروع النهضة".

وتولى العثماني رئاسة الحكومة بين عامي 2017 و2021. وللمرة الأولى في تاريخ المملكة، ترأس حزب العدالة والتنمية الحكومة بين عامي 2011 و2021 إثر فوزه في انتخابات 2011 و2016، لكن الحزب تراجع من المركز الأول إلى الثامن في انتخابات 2021.

وفي ما يلي نص المقابلة الخاصة مع "الخليج الجديد":

الإسلام والصحة النفسية

بحكم عملكم الحالي في الطب النفسي.. ما دور الإسلام في الصحة النفسية؟ وما مخاطر علمنة الصحة النفسية والعقلية؟

الصحة النفسية جزء أساس من الصحة العامة، وعلى الرغم من أهميتها الحيوية إلا أنها لا تلقى في ثقافتنا ومجتمعاتنا العناية اللازمة.

ويتفق المتخصصون على أن للإيمان دورا إيجابيا في الصحة النفسية وتحسينها؛ فجميع العوارض والمشكلات النفسية التي لا ترقى إلى مستوى الاضطراب أو المرض النفسي يمكن للإيمان أن يسهم كثيرا في التخفيف منها.

ويجب أن نميز بين العوارض والمشاكل التي قد تنتاب الصحة النفسية وبين المرض النفسي، فالأولى لا تستلزم بالضرورة علاجا نفسيا ممنهجا يقوم به طبيب أو متخصص نفسي، لكن كل دعم معنوي أو تغيير في نمط العيش يفيد في تجاوزها. هنا يكون للإيمان دور مهم ومؤثر.

واهتمت كثير من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية بشروط توفير "الطمأنينة" و"الحياة الطيبة" و"النفس المطمئنة" و"اطمئنان القلب" و"السكينة" و"طيب النفس" و"قرة العين"، وكلها مرادفات للصحة النفسية الجيدة. والتوجيهات الواردة في هذا السياق توصي بالتوازن في سلوك الإنسان مع نفسه والآخرين، وتحث على التوكل على الله والصبر عند الشدائد والتفاؤل وعدم اليأس وغيرها من الفضائل النفسية التي هي من أسس الصحة النفسية السليمة.

وتثبت كثير من الدراسات أن الإيمان قد يفيد صاحبه في مستويات أربعة على الأقل لها علاقة بالصحة النفسية، فهو أولا يزيد من طمأنينة القلب وراحة النفس، ويعطي للحياة معنى وهدفا، ويحارب بالتالي الحيرة والشك والارتياب، وهذا من أبواب الرضا والسعادة التي هي أعلى معايير الصحة النفسية.

وهو ثانيا يساعد على التفكير الإيجابي وتجاوز الإحباط واليأس، وثالثا يعطي قدرات أعلى على التكيف مع مختلف المواقف الضاغطة ومع الواقع الصعب، ويساعد على السيطرة على انفعالات الغيظ والغضب، وهو رابعا يفتح باب الأمل في الله، ثم في المستقبل.

وما أسباب زيادة معدلات الانتحار في المغرب والمنطقة العربية عموما؟ ولماذا أصبح الانتحار يشمل جميع الشرائح المجتمعية والفئات العمرية؟

يصعب أن نقول بأن معدلات الانتحار في ازدياد في المنطقة بسبب الفقر (ويرجع ذلك) إلى (عدم وجود) نظام إحصائي موضوعي ممتد عبر الزمان، ويمنح القدرة على المقارنة والتقييم.

وهناك أمراض نفسية يمكن أن يُقدم المُصاب بها على الانتحار، وأكثرها انتشارا الاكتئاب والفصام. فأفضل وقاية من حالات الانتحار هو التشخيص المبكر لتلك الحالات المرضية وعلاجها العلاج السليم، والتوعية على أوسع نطاق لكيفية التعرف عليها وطرق المواكبة والدعم من قِبل الأسر والأقربين ومؤسسات المجتمع المعنية بذلك.

الطريق الثالث

وكيف يمكن للإسلام أن يتكيف مع التحولات الاجتماعية والفكرية المعاصرة والتكنولوجية الحديثة؟

لا شك أن رسالة الإسلام عالمية وصالحة لكل زمان، وتتضمن خاصيات التجديد والاستجابة للتحديات والحاجيات. وفي كثير من الأحيان يكون النقص من المسلمين عندما يختلط لديهم ما هو من ثوابت الدين بما هو معالجة لأوضاع مؤقتة وحلول خاصة، وهذا الأمر من الابتلاءات أمام المسلمين في كل زمان ومكان. 

ولتجاوزه، أبدع الأئمة الأعلام مناهج متعددة لتمييز ما هو دين وتشريع عام مما ليس كذلك في الأحكام الواردة في النصوص الشرعية. وروي عن عمر بن عبدالعزيز أنه كان منذ أواخر القرن الأول الهجري يشكو من ثقل ما تراكم لدى المسلمين من مفاهيم وسلوكات يحسبونها دينا وليست كذلك. فكان يقول: "إني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفصح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه دينا لا يرون الحقّ غيره". فماذا نقول نحن بعد 15 قرنا من زمن النبوة؟!

ولا يمكن أن ينجح التجديد في الدين إلا بالمعرفة بالشرع أصوله وأحكامه ومراتبه والفلسفة الكامنة وراءها ومقاصدها، وبالمعرفة بالثقافة المعاصرة من منابعها، واستيعاب معطياتها حسب تخصص كل شخص يريد الإسهام في تجديد واقع المسلمين. فلا تناقض بين هدي الدين وما راكمته المعرفة. وعلى حسب استيعاب الثقافة المعاصرة يمكن التمييز فيها بين ما هو اكتشاف لسنن الله في الأنفس والآفاق وما هو تعبير عن الأهواء البشرية. والتمييز بين المستويين يُشكّل ابتلاءً للإنسان، وضرورة بالنسبة للمسلم لإتقان التجديد في فهم الدين وتطوير واقع المسلمين.

الساحة الإسلامية عرفت مشروعين للتجديد، أحدهما أصولي يقوم على إحياء علاقة المسلمين بدينهم والانطلاق من ثوابتهم لمواكبة روح العصر، والآخر حداثي يرى البعض أنه يستهدف الثوابت الدينية لتأثره بالنظريات الغربية.. فأين تقف بين هذين المشروعين؟ وهل يمكن أن يكون هناك مشروع ثالث للتجديد؟

هناك بطبيعة الحال طريق ثالث يدمج بين الثوابت الشرعية الدينية وعطاءات الحكمة الإنسانية، فالتمسك بالدين لا يعني تقليد نماذج قديمة في تنزيله على الواقع، بل هو تجديد مستمر لفهمه وتمثله. وهو أيضا علمية فكرية دائمة، تُشكّل المحرك الأساسي لمشروع النهضة.

ولسنا نريد هنا أن نتحدث عن التجديد ومدارس الفكر الإسلامي فيه، وإنما نريد التأكيد فقط على أنها عملية لا تتوقف ما دامت الحياة الإنسانية مستمرة. وكلما جد جديد في المعرفة أو في الاجتماع البشري أو في الأعراف والأفكار تحتاج الأمة إلى تجديد لإدخاله ضمن حركية مشروع النهضة. وسيكون في هذا المشروع من النقص على قدر التأخر أو النقص في تلك المواكبة. وبتعبير آخر فإن التجديدية هي عملية تكييف مستمرة لفهمنا للوحي على ضوء معطيات العقل. وبما أن معطيات العقل تتطور وتتجدد بسرعة فائقة، فإن على التجديد أن يواكبها دون كلل ولا ملل.

وكما أثبت ابن تيمية في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" فإن الدليل الشرعي القطعي لا يمكن أن يعارض دليلا عقليا أو علميا قطعيا؛ فعند التعارض لا بد أن يكون أحدهما غير ثابت بالقطع. أما إذا تعارض قطعي وظني فإن الترجيح يكون للقطعي منهما سواء كان شرعيا أو عقليا، وإذا تعارض ظنيان شرعي وعقلي يرجح الراجح منهما.

هذه القاعدة التي فصل فيها ابن تيمية يمكن أن تعتبر أساس مقاربة الانسجام الضروري بين الشرعي والوضعي، بين الديني والدنيوي، بين الإيماني والمادي، كما بين عالمي الغيب والشهادة. وتصور التعارض أو الاختلاف بينهما يدخل المسلمين أفرادا ومجتمعات في حرج كبير. وهكذا فإن توكل المسلم على الله حق التوكل، لا يجب أن ينقص في شيء إتقانه الأخذ بالأسباب. وتشبعه بالقيم الإسلامية ليس معارضا للأخذ بأقصى ما تقتضيه الحكمة الإنسانية وتبدعه. ومن تطبيقات ذلك مثلا أن الأخذ بمبدأ الشورى لا يمنع من الأخذ بالديمقراطية بوصفها تطبيقا إنسانيا لها. قد نحتاج إلى تكييفها مع مبادئ الدين، لكن رفض الاستفادة منها ضرب لمبدأ التجديد الذي أسسه الشرع وحض عليه.

وفي موضوع التجديد نحتاج إلى الوعي بأمرين: الأول هو أن ما يجر في الغالب إلى التقليدية هو الخوف على الهوية أو على المرجعية، فيجنح المرء إلى أسلوب الدفاع والمحافظة، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تحنيط المرجعية وإبقائها في قالب جامد. والسليم أن أفضل طريقة لخدمة المرجعية هو تجديدها أو بتعبير أدق، تجديد المعرفة والفكر في إطارها.

الأمر الثاني هو أن عملية التجديد تحتاج إلى جرأة وفاعلية معرفية وفكرية في مستوى العصر. وإلا فكيف يجدد في مجال من ليس بارعا مبتكرا مرجعا أو إماما فيه، وهو ما يحتاج إلى جهد حقيقي للإبداع والمواكبة.

أما المشروع الذي سميتموه بالحداثي، فهناك حقيقة ساطعة ذهب إليها عدد من الكتّاب أثناء تحليلهم لمسار التحديث في العالم العربي، وهي أن المدرسة السلفية، التي تبنت الإصلاح الديني والتجديد على أساس الدين، أسهمت في تثبيت عدد من عطاءات الحداثة أكثر من مساهمة المفكرين الليبراليين. وهكذا فإن محمد عبده ومحمد رشيد رضا قاما بدور أساسي في نشر مفاهيم مثل احترام العقل والسببية، وسيادة الأمة، وتكريم المرأة وتوسيع مشاركتها في المجتمع، وغيرها أكثر من كثير ممَّن يسمون بالليبراليين الحداثيين، وهو ما أشار إليه (المفكر الأمريكي من أصل لبناني) البروفيسور ألبرت حوراني في كتابه "الفكر العربي في عصر النهضة".

وما هي النتائج المتوقعة لعملية التجديد الإسلامي؟ وكيف يمكن لهذا التجديد أن يؤثر على المجتمع المغربي والإسلامي عامة؟

أبرز ما يُرتجى من التجديد هو أن يجعل الأمة الإسلامية قادرة على القيام بوظيفتها بوصفها أمة الشهادة على الناس مصداقا لقول الله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس". وهذا المقام لا يمكن أن يتأتى إلا بجهد تجديدي كبير يمّكن من الارتقاء بالعقل المسلم ليتملك من الحكمة والمعرفة ما يؤهله لذلك. مع التأكيد على أن النهضة، أي نهضة، لا تعني رفض القديم أو التنكر له، بل تستلزم الانطلاق من ثوابته ليكون بناء الجديد على أسس قويمة قوية. ويؤدي تغييب هذه الحقيقة إلى ردود فعل تضيع الوقت والجهد وتمنع من تعبئة الطاقات والجهود.

الربيع العربي

وما تقييمكم لتجربة "الإسلام السياسي" في المغرب عقب اندلاع ثورات الربيع العربي؟

من الواضح أن المناخ الدولي كله أضحى مناخا تراجعيا على المستوى الديمقراطي. فالديمقراطيات العريقة تواجه أزمة تتجلى أساسا في ازدياد العزوف الانتخابي وتراجع الثقة في المؤسسات والصعوبات المتصاعدة في تشكيل الحكومات وتراجع دور الأحزاب السياسية في التأطير وغيره من المظاهر التي أضحت موضوع اهتمام ودراسة المتخصصين في العلوم السياسية.

وهذه الأزمة، التي توصف في بعض الأدبيات بالعميقة، لها تأثير في دول الجنوب. فهناك اليوم تراجعات ديمقراطية وحقوقية واضحة تختلف من دولة لأخرى. وبالتالي فإن "التراجع" السياسي يهم الوضع العام، كما يعني جميع التيارات أو الأحزاب الإصلاحية بمختلف تلاوينها وأطيافها. ورأينا تبعا لذلك، تقدم الحركات الاجتماعية غير المؤطرة. والادعاء بأن التراجع يهم فقط الأحزاب أو التيارات ذات المرجعية الإسلامية نظر غير سديد للتحولات والتطورات.

وهذه الأحزاب والتيارات تنمو وتتقدم أكثر، كما علمتنا تجارب التاريخ المعاصر، في المجتمعات والسياقات المتميزة بمستوى معقول من الممارسة الديمقراطية والانفتاح السياسي، أما في سياق التراجعات فليست وحدها الخاسر، بل الأوطان والشعوب بالدرجة الأولى.

وأيهما أكثر تقدما وتأثيرا: الحركة الإسلامية في المغرب العربي أم الحركة الإسلامية في المشرق العربي؟

من الصعب الحسم، فلكل تجربة سياقها السياسي والتاريخي، ما يجعل الحكم دون استحضار ذلك السياق نوعا من التعسف. لكن بحكم انتمائي للحركة الإسلامية في المغرب، فإنها استفادت من الإرث الإصلاحي في المغرب الإسلامي عموما والمتميز بالبُعد المقاصدي تأثرا بالمدرسة المالكية وبإرث أبي إسحاق الشاطبي، إضافة إلى جهود المدرسة الإصلاحية في القرن 14 الهجري، والتي كانت عمق الحركة الوطنية والمقاومة ضد الاستعمار.

وقد يكون للتحدي الذي طرحته المدرسة اليسارية لعقود من الزمان دورا في استثارة تطوير الطروحات الفكرية والسياسية للدفاع عن المرجعية الإسلامية وتقديم نموذج مقنع.

كما أن قرب المغرب من أوروبا واحتكاكه بالتيارات الفكرية الغربية جعل مختلف المدارس الفكرية تتفاعل مع المنجز الفكري الغربي.

وما مدى إمكانية إجراء مصالحة حقيقية بين التيار الإسلامي والعلماني في المنطقة؟ ولماذا فشلت كل الجهود السابقة؟

لا أظن أن الجهود السابقة كانت كلها فاشلة. والعلاقة بين مختلف التيارات الفكرية في مجتمعاتنا متنوعة، حسب الجهات المعنية بتلك العلاقة من الأشخاص والهيئات، فهناك تجارب اتسمت بالاحترام والتعاون مع الحوار والتفاعل في القضايا الخلافية، وتجارب أخرى انحدرت مع الأسف إلى الصدام والصراع.

وأي مستقبل لقوى الإسلام السياسي في المنطقة، خاصة أن البعض يرى أنها تتجه نحو الأفول؟

تاريخ الدعوات والحركات الإصلاحية هو مسار دائما متموج من صعود وهبوط، تلك سنة الله في الحياة. وفترات الهبوط لا تعني بالضرورة الأفول أو الفشل. ومصطلح "الإسلام السياسي" فضفاض في رأيي، والمهم هو نهضة الأمة وتقدمها في إطار مبادئها وهويتها.

ولفهم هذا الأمر لابد من الرجوع، ولو قليلا، للتاريخ السياسي القريب لعدد من دول المنطقة، والتي كان فيها تضييق يختلف من قطر لآخر على المكون الإسلامي، وما يُحسب للمغرب هو أن الدولة سمحت بهوامش متعددة لإدماج الفصيل الإسلامي، واختارت نهجا مختلفا نوعا ما على عدد من البلدان الأخرى.

أيّا كان فإن الحركات الإصلاحية، وفي مقدمتها الحركات الإسلامية، تبقى دائما مؤهلة وقادرة على القيام بأدوار طليعية في مراحل النهوض المقبلة.

الإبراهيمية.. الأمازيغية

وكيف تنظرون لمّا بات يعرف بـ"الديانة الإبراهيمية" التي تدعو إلى صهر الأديان السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) في دين جديد واحد؟

يقول الله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين". وأصدرت دار الإفتاء السعودية قبل عقود فتوى في الموضوع تؤكد أن الإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان. لكن العلاقة مع أهل الكتاب تُبنى على الدعوة بالحكمة وبالحسنى، فقد قال تعالى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن".

على صعيد آخر، ما آخر تطورات حملة "أمة واحدة.. قلب واحد" لدعم منكوبي زلزال تركيا وسوريا في 6 فبراير/ شباط الماضي؟

الحملة جاءت على خلفية الكارثة التي ألمت بأهلنا في تركيا وسوريا مع الزلزال الكبير، وعملا بقول الرسول الكريم ﷺ: (مَثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وتلبية لواجبنا تجاه أمتنا وقياما بواجب الإغاثة والعزاء والمؤازرة.

لذلك، أطلقت 100 شخصية عربية هذه الحملة تحت شعار "أمة واحدة.. قلب واحد" لتسريع عملية إغاثة منكوبي الزلزال المُدمّر، مناشدين الجميع التبرع بما يقدرون عليه للمساهمة في عمليات الإغاثة وجبر الأضرار الهائلة التي لحقت بأهلنا في تركيا وسوريا.

ومنذ فترة قصيرة نظمت زيارات لبعض المناطق المنكوبة للاطلاع على حاجيات الأهالي ولتوزيع بعض المساعدات في هذا الشهر الكريم (رمضان). وتبين من تقرير الوفد الزائر أن الوضع الإنساني هناك صعب، وأن الحاجة ملحة لحل مشكل السكن وبذل جهد أكبر في ذلك.

بالنسبة للغة الأمازيغية.. إلى أي مدى تعتقد أنها ظُلمت سواء في المغرب أو المنطقة؟

لاشك أن الأمازيغية عانت خلال عقود كثيرة من التهميش والجحود، وهذا له أسبابه المفسرة أهمها سطوة الدعوة القومية، خاصة في أواسط وأواخر القرن الماضي، حيث كانت تنظر للأمازيغية في الغالب بانتقاص، كما أن الموقف الرسمي للدولة كان يسير في نفس الاتجاه، لأنه حتى النخب الرسمية كانت متأثرة بصيغة أو بأخرى بتلك الأيديولوجيات السالفة الذكر، لكن وللإنصاف فبلادنا المغرب استطاعت بفضل جهود جلالة الملك محمد السادس أن تخطو خطوات مهمة في تعزيز حضور الأمازيغية وإنصافها، وبالخصوص بعد تنصيص دستور 2011 بكون الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.

وتشرفت بأن كنت جزءا من تلك الدينامية الثقافية المطالبة بإنصاف الأمازيغية لغة وثقافة، كما أنني تشرفت إبان ترؤسي للحكومة (2017-2021) أن قمت بعمل مقدر في سياق تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية طبقا لدستور المملكة. والمهم هنا أن نتعامل مع اللغتين الرسميتين بمنطق التكامل لا الصراع.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

المغرب سعد الدين العثماني العدالة والتنمية الديمقراطية التيارات الإسلامية

وصل محطة السودان.. شرق أوسط جديد تشكله السعودية والإمارات