طاولة الستة.. 11 نقطة ساخنة تهدد بتفجر تحالف المعارضة التركية بعد الانتخابات

الجمعة 5 مايو 2023 11:12 ص

إلى أي مدى يمكن لتحالف المعارضة التركية النجاح حال فوزه في انتخابات 14 مايو/أيار الجاري؟ وما هي فرص تماسكه؟ حول إجابة هذين السؤالين دار تقرير لموقع "ميدل إيست آي"، أشار فيه إلى أن استطلاعات متزايدة تشير إلى احتمال تحالف المعارضة، المعروف بالطاولة السداسية.

وذكر الموقع البريطاني، في التقرير الذي ترجمه "الخليج الجديد"، أن المستثمرين الدوليين والدبلوماسيين الأجانب يركزون اهتمامهم على سؤال مفاده: هل سيبقى تحالف المعارضة موحداً حال فوزه مرشحه للرئاسة كمال كليتشدار أوغلو؟

وفي معرض الإجابة، يشير التقرير إلى ترجيح عدم استمرار التحالف المعارض بعد الانتخابات، أيا ما كانت نتيجتها، لاعتبارات عدة، أهمها عدم تجانس تكوينه الذي يضم إسلاميين وليبراليين وعلمانيين جنبًا إلى جنب مع المحافظين اجتماعيا والسياسيين الذين حاربوا حزب العدالة والتنمية الحاكم، إلى جانب وزراء سابقين في الحكومة السابقة للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.

كما يلفت التقرير إلى تفاوت الأوزان النسبية لشعبية أحزاب الطاولة السداسية، بين أحزاب كبيرة، مثل حزب الشعب الجمهوري، وأخرى صغيرة، تكافح للحصول على 1% من الأصوات، وسيتعين على تلك الكبيرة تقاسم السلطة مع الصغيرة، وإلا فلن يستمر التحالف.

الرئيس الاضطراري وأسلوب الحكم

عاملان آخران يرجحان عدم استمرار الطاولة السداسية، بحسب التقرير، وهما: اعتبار أحزابها كليتشدار أوغلو مرشحا "اضطراريا"، إذ هو مكروه منها جميعا، فضلا عن الطريقة التي سيتم إدارة الحكم من خلالها في حال فوزه بانتخابات الرئاسة.

فالمعارضة التركية أعلنت الاتفاق على برنامج مشترك من 234 صفحة، وتوقيع مذكرة تفاهم حول السياسات المشتركة، والتي تعد بمثابة دستور إدارة الحكم حال فوز كليتشدار أوغلو، الذي يرجع إليه حال وقوع أي خلاف بين أطراف المعارضة، حسبما نقل الموقع البريطاني عن إبراهيم جناكجي، نائب رئيس حزب الديمقراطية والتقدم.

وقال كاناكجي: "لقد كتبنا اتفاقيات أعلناها بالفعل للجمهور (..) أعلنا عزمنا على تحويل النظام الرئاسي الحالي في تركيا إلى نظام برلماني معزز".

وأشار كاناكجي مرارًا وتكرارًا إلى "مذكرة التفاهم" التي وقعتها الطاولة السداسية ردا على أسئلة "ميدل إيست آي" السياسة، والمتعلقة بأسلوب إدارة أي نزاع قد ينشب بين أطراف الطاولة، موضحًا أن هناك إطارًا لمعالجة النزاعات، بما في ذلك بروتوكول يضمن حصول كل حزب في الائتلاف على "نصيبه العادل".

ويقترح البروتوكول، بحسب كاناكجي، أن يتم تمثيل كل حزب سياسي في مجلس الوزراء بوزير واحد على الأقل، على أن يعين الرئيس الوزراء أو يقيلهم بالاتفاق مع زعماء أحزابهم، وأن يحصل على موافقة "جميع قادة الأحزاب" عند تعيينه منصبا كبيرا.

لكن هذه ليست الطريقة التي عملت بها السياسة في تركيا تحت أي إدارة في تاريخها، ما يطرح تساؤلات بشأن إمكانية تنفيذها وما إذا كانت كافية لمنع انفجار الطاولة السداسية، خاصة أن وقائع سابقة أثبتت إمكانية حدوث هذا الانفجار، ومنها انسحاب رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، اعتراضا على تسمية كليتشدار أوغلو مرشحا رئاسيا للمعارضة.

حزب السعادة وعلي باباجان

صحيح أن ميرال عادت إلى الطاولة بعد ساعات قليلة من التوتر، لكن ثمة تصدعات أخرى تؤشر إلى صعوبة الحفاظ على لحمة تحالفها، بحسب الموقع البريطاني، مشيرا إلى أن الطاولة السداسية لم تتمكن من التعهد بالانضمام إلى اتفاقية إسطنبول لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، لأن أحد قادتها، وهو رئيس حزب السعادة الإسلامي، تيميل كرامولا أوغلو، يرفضها باعتبارها تقوض القيم العائلية وتعزز مجتمع الميم (المتحولين جنسيا ومزدوجي التوجه الجنسي والمثليين).

نقطة ساخنة أخرى تواجه لحمة تحالف المعارضة التركية، وهي الانتقادات القاسية التي وجهها، بيلج يلماز، لسياسات حزب العدالة والتنمية الاقتصادية على مدى العقدين الماضيين، واحتمال توليه منصب وزير الاقتصاد حال فوز التحالف.

فانتقادات يلماز اللاذعة قد لا يكون هدفها الحقيقي هو حزب العدالة والتنمية الحكم، بل من المحتمل أن يكون غضبه موجهًا نحو رجل آخر بطاولة المعارضة، هو علي باباجان، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، ونائب رئيس الوزراء السابق في حكومة أردوغان السابقة، وهو الرجل الذي يقف وراء العديد من السياسات الاقتصادية التي ينتقدها يلماز.

ينفي يلماز استهدافه لباباجان، لكنه يواصل تقويض أوراق اعتماد رئيس حزب الديمقراطية والتقدم في الحصول على منصب وزاري حال فوز كليتشدار أوغلو في الانتخابات.

كما يمثل باباجان أزمة أيضا بالنسبة لكارامولا أوغلو، الذي حاول إقناع رئيس حزبا الديمقراطية والتقدم بالترشح تحت عباءة حزب السعادة، بحجة أنه سيحصل على مزيد من المقاعد في البرلمان، لكن دون جدوى.

وخلال مقابلة تلفزيونية، أجراها الشهر الماضي، اتهم كارامولا أوغلو حزب باباجان بالفشل في جذب الناخبين المحافظين في المناطق الحضرية بعيدًا عن حزب أردوغان، قائلا: "كان من الغريب حقًا أن يطلب الديمقراطية والتقدم، وهو حزب حديث تأسس في عام 2019، من حزب السعادة، الذي يتمتع بخبرة كبيرة، الترشح تحت عباءته".

تلميح بشأن توزيع المناصب

ورغم البروتوكول الموقع بين قادة أحزاب الطاولة السداسية، الذي ينص على تعيين المناصب العليا بعد اتفاق مع كل الأحزاب الستة، ألمح كليتشدار أوغلو، في أوائل أبريل/نيسان الماضي، في تصريحات صحفية، إلى أنه سيعطي منصبين وزاريين لاثنين من كبار الشخصيات في حزب الشعب الجمهوري: وزارة الطاقة لأحمد أكين، ووزارة العدل لمحرم عرقك.

لم يطرح مرشح المعارضة التركية للرئاسة هذا الأمر سوى مرة واحدة، ويحتمل أنه "كان على دراية بالتداعيات المحتملة بين شركائه في الأحزاب الأخرى"، بحسب الموقع البريطاني.

الانتخابات البلدية والنظام الرئاسي

لكن رغم قوة الخلافات بين أطراف المعارضة التركية، لكن هناك حافزا سياسيا قويا للحفاظ على هذا تحالفها معًا لمدة عام آخر على الأقل، خاصة حال فوزه بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهو الانتخابات البلدية المقبلة.

وفي هذا الإطار، قال قيادي كبير في المعارضة التركية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "هناك مستويان في فترة الانتخابات، الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والانتخابات البلدية، المقرر إجراؤها العام المقبل (..) يريد الجميع الاستيلاء على المزيد من المدن الكبرى لتحقيق انسجام جيد بين الحكومات المحلية والمركزية. نحن بالفعل نتحكم في 11 مدينة من أصل 16".

وأضاف القيادي المعارض أن الحصول على أغلبية في البرلمان "سيكون بمثابة دفعة جيدة لمعنويات المعارضة لأنه سيسمح لها بالعمل على التغييرات التي ترغب في إجرائها بالنظام السياسي، بما في ذلك إعادة تركيا إلى النظام البرلماني".

وتابع: "سنعطي الأولوية للسياسة الداخلية، وحل القضايا القضائية والحكومية لإعادة إرساء سيادة القانون، والضوابط والتوازنات، وفصل السلطات".

لكن ماذا لو لم تستطع المعارضة الحصول على أغلبية في البرلمان، وفازت فقط بالرئاسة؟ كيف ستحكم؟ يجيب القيادي المعارض: "حينها سنضطر لاستخدام ما نملكه فقط: المراسيم الرئاسية".

وهنا يشير "ميدل إيست آي" إلى مفارقة في إجابة القيادي المعارض، وهو أن المعارضة، المصممة على تقليص سلطات الرئيس واستعادة النظام البرلماني، وكلاهما ينطوي على تعديل دستوري، يجب أن تحكم، في المدى القصير على الأقل، باستخدام السلطات الكاملة للرئاسة، ما يعني أن إرث أردوغان سيبقى مستمرا.

ويلفت الموقع البريطاني إلى أن مصادر المعارضة التركية تصف هذه الحالة بأنها "انتقالية"، لكنه يشير إلى أن "المؤقت كثيرا ما يتحول إلى دائم في الشرق الأوسط".

قلق المستثمرين ووزارتان

كما يشعر المستثمرون الأجانب بقلق من التناقضات والخلافات المحتملة بين أطراف المعارضة التركية حول السياسات النقدية والاقتصادية، خاصة بعدما أعلن كيليتشدار أوغلو أنه سيكشف عن فريقه الاقتصادي قبل الانتخابات.

لكن الاقتصاد قد يكون القضية التي تعاني المعارضة من أقل المشاكل فيها، خاصة أن العديد من كبار البيروقراطيين والاقتصاديين والمصرفيين وصناع القرار السابقين أعضاء في تحالف الطاولة السداسية، ولذا ربما يكون تشكيل العديد من المناصب الاقتصادية العليا، من محافظ البنك المركزي إلى الوزارات والهيئات التنظيمية والبنوك العامة والمؤسسات المالية، أمر سهل نسبيا.

غير أن اختيار الأسماء للمناصب الوزارية سيكون أمرًا صعبًا، بحسب الموقع البريطاني، خاصة بالنسبة لوزارتي الداخلية والعدل.

فتقليديًا، لطالما كان للقوميين الأتراك حضور قوي في الوزارتين، وعزز من ذلك تحالف أردوغان مع حزب الحركة القومية منذ عام 2016.

وإزاء ذلك، فهناك مخاوف من أن حصول حزب الجيد على أي من هاتين الوزارتين، يعني عدم تحقيق إصلاح حقيقي؛ لأن الحزب انفصل عن حزب الحركة القومية ويشاركه نفس النظرة الموجهة للدولة.

ولتجنب ذلك، قد يحتاج حزب الشعب الجمهوري إلى التضحية بمنصب مهم، مثل وزارة الخارجية، لاستيعاب حزب الجيد وتحفيزه على الاستمرار بالتحالف.

ولذا يتبنى قيادي آخر بالمعارضة التركية وجهة نظر أكثر تشاؤماً من سابقه، مبديا قلقه من أن وجود "احتمالية كبيرة للخلاف إذا انتصرت المعارضة"، وفقا لما نقله الموقع البريطاني.

وأضاف: "أخشى أن يمنعنا الانقسام من القيام بالمهام التي وعدنا بها (..) سنبذل قصارى جهدنا ولكننا على دراية بالثقوب الموجودة في الأواني".

ويعتقد بعض مراقبي الشأن التركي إلى أن قرار ميرال أكشنار بمغادرة تحالف الطاولة السداسية لفترة وجيزة كان مفيدًا للغاية بشأن النظرة العامة للمعارضة، ويؤشر إلى أن تحالفها قد لا يدير حكومة متماسكة.

لكن نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوغوز كان ساليسي، لا يتفق مع هذه الفكرة، وهو ما عبر عنه خلال مؤتمر صحفي مع صحفيين أجانب، الأسبوع الماضي، قائلا: "تركت ميرال الطاولة بسبب مخاوف محددة، وكل شيء حدث أمام الرأي العام، لم يكن هناك شيء مخفي"، مضيفا: "لقد عادت حيث تم القضاء على بعض مخاوفها على الأقل. والآن نحن أقوى".

كانت أكشنار تريد ترشيح رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، أو رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، بدلاً من كليتشدار أوغلو، ما دفع الأخير إلى الموافقة على اقتراح ميرال بمنح "إمام أواغلو" و"يافاش" منصب نائب الرئيس، حال فوزه في انتخابات الرئاسة.

ويعتقد البعض أن هذا الإعلان زاد من شعبية كليتشدار أوغلو، إذ كل منهما قادر على التواصل مع جماهير واسعة.

ولذا يزعم ساليسي أنه لا توجد مشكلة داخل التحالف، قائلا: "لقد شاهد الناس أيضًا مدى نجاحنا في إدارة البلديات التي فزنا بها في عام 2019".

ورغم عديد النقاط الساخنة، التي تؤذن باحتمال تفجر تحالفها بعد الانتخابات، فإن المعارضة التركية تبدي وعيا تاما للتساؤلات حول وحدتها، وهو ما بدا واضحا في أن مسيرتها الحاشدة في إزمير يوم الأحد الماضي، والتي ظهر فيها جميع قادة المعارضة الستة وزوجاتهم جنبًا إلى جنب لأول مرة بمسار الحملة الانتخابية.

ومع ذلك، لا تزال التوترات الأساسية قائمة، وحتى وقت قريب، كانت صور كيليتشدار أوغلو غائبة بشكل غريب عن مقاطع الفيديو الخاصة بحملة إمام أوغلو، ويافاش.

المصدر | ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تركيا الطاولة السداسية المعارضة التركية رجب طيب أردوغان أكرم إمام أوغلو منصور يافاش كمال كليتشدار أوغلو كليتشدار أوغلو ميرال أكشنال حزب الجيد حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان حزب الحركة القومية