إرادرة عربية لبناء أجندة عمل مشترك أكثر تأقلما وفاعلية.. كيف؟

الاثنين 22 مايو 2023 12:53 م

القمة الأخيرة للجامعة العربية تعكس مؤشرات على وجود "إرادة" لاستغلال التحولات الراهنة في بنية النظام الدولي، ومراجعة العديد من السياسات، في اتجاه إنهاء ظاهرة الاستقطابات، وإعادة بناء أجندة العمل العربي في اتجاه توسيع دور الجامعة في التعاطي مع أبعاد جديدة للأمن القومي العربي، دون أن يأتي ذلك على حساب القضايا العربية المركزية.

هكذا يخلص تحليل لمركز "الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية"، والذي يقول إن هذه "الإرادة الجديدة" هي محصلة لجهود وسياسات دول عربية جرت خلال السنوات الأخيرة.

ويضيف: "لكن تكريس وتفعيل هذه الإرادة الجديدة، يتطلب جهوداً عربية ضخمة لتحويلها إلى سياسات عربية جماعية فعلية".

ويلفت التحليل إلى أن أحد الملامح الأساسية للتحركات العربية الجارية خلال السنوات الأخيرة هو السعي لإنهاء الموروث الأمني السلبي لظاهرة الربيع العربي، بعدما كبد هذا الربيع الدول والمجتمعات العربية تكاليف ضخمة، سياسية واقتصادية وأمنية بل وثقافية أيضاً.

ويضيف: "نجحت بعض الدول العربية في بدء مسار تصحيحي معاكس لمسار هذا الربيع مثل مصر، وتونس إلى حد ما، وبينما نجح النظام السوري في الحفاظ على الدولة السورية"، وفق التحليل.

ولعل المثال الأبرز على هذا التوجه، هو الجهود الدبلوماسية العربية الكثيفة التي قادتها مصر والسعودية والعراق والأردن لإعادة سوريا إلى إطارها العربي، والتي انتهت بقرار وزراء الخارجية العرب في 7 مايو/أيار 2023، بإنهاء تجميد عضوية سوريا بالجامعة، وصولاً إلى مشاركة رئيس النظام السوري بشار الأسد في أعمال القمة.

ويعلق التحليل على ذلك بالقول: "الأمر يتجاوز مجرد قرار بإنهاء حالة التجميد تلك، لكنه جزء من عملية عربية لمعالجة العديد من مكونات إرث الربيع العربي".

ويزيد: "التوافق السريع على عودة سوريا للجامعة هو تعبير عن إرادة عربية لإنهاء حالة الانقسام العربي بسبب تباين المواقف من التحولات الداخلية، وتراجع الربيع العربي كأساس للانقسام والاستقطاب العربي".

ويستطرد: "عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة هو مدخل مهم وضروري أيضاً لمساعدة النظام السوري على تفكيك بؤر النفوذ الدولي والإقليمي داخل سوريا، وهو ما أكده الأسد في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للقمة، التي أكد فيها على الهوية العربية لسوريا".

ويدعي تحليل "الأهرام"، أن "هذا التوجه العربي لا يعنى بحال من الأحوال أن الدول الرئيسية بالإقليم بات لديها مشروع مواز ضد الديمقراطية أو الحياة الكريمة أو العدالة الاجتماعية، وهي الشعارات التي ارتبطت بالربيع العربي، لكن الوصول إلى تلك الأهداف لا يمكن أن يتم من خلال هدم الدول والمؤسسات أو على حسابها".

ويلفت التحليل إلى أن القمم الأخيرة لجامعة الدول العربية، خاصة التي عقدت في مايو/أيار 2023 بمدينة جدة السعودية، أظهرت اتجاه الدول العربية إلى الانفتاح على مناقشة حزمة من القضايا الجديدة، يرتبط بعضها بتحديات أمنية غير تقليدية، ويرتبط بعضها الآخر بتطوير خطاب جديد تجاه قوى الجوار غير العربي.

في هذا السياق، يمكن فهم إفساح المجال أمام مناقشة قضايا مثل الأمن الغذائي العربي، والأمن المائي العربي، وتغير المناخ، والأمن السيبراني، وهي قضايا زادت أهميتها بالنظر إلى عوامل عدة، حسب التحليل.

ويشير إلى أن هذا لا يمنع مناقشة قضايا الأمن التقليدي، خاصة المرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي، والعلاقات مع دول الجوار الجغرافي غير العربية، وقضية الإرهاب، ومن ثم الأزمات الداخلية المتتالية بعد عام 2011 (الأزمة الليبية، الأزمة السورية، الأزمة اليمنية، ثم الأزمة السودانية الراهنة).

ويلفت التحليل إلى تأثر الجامعة العربية بهيمنة نظام الأحادية القطبية منذ بداية تسعينات القرن الماضي، "لكن حالة السيولة الراهنة في النظام الدولي تعطي فرصة كبيرة لتوظيف التحولات الدولية لضمان حالة من تعددية الأطراف في الإقليم، وإعادة ضبط العلاقة بين الإقليم والنظام الدولي والقوى الكبرى، بما في ذلك تحجيم مستوى التدخل الدولي في شئون الإٍقليم".

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التوجه العربي يحتاج إلى جهود ضخمة ليس فقط على المستوى الجماعي، لكن على المستوى القُطري أيضاً، إذ من شأن هذه الجهود أن تعزز في التحليل الأخير هذا التوجه العربي المهم.

لكن الأهم أيضاً هو وضع سياسات عربية مشتركة وواضحة بشأن القضايا الأساسية التي مثلت فرصة وأساساً للتدخلات الدولية خلال العقد الأخير، حسب التحليل.

ويشيد التحليل باستعداد الدول العربية للقبول بمبدأ تنوع المواقف والمصالح القائمة فيما بينها بشأن القضايا المهمة.

ويمكن الإشارة هنا إلى بعدين رئيسيين في هذا التحول المهم، من ناحية، لم يعد هناك افتراض مسبق من جانب الدول العربية- أو معظمها- بضرورة تبني الدول العربية الأخرى نفس مواقفها بشأن قضية ما أو أزمة ما.

أما الثانية، فإن هذا التباين أو التنوع في المواقف والمصالح لا يتحول إلى مواقف صراعية.

ويضرب التحليل المثال على ذلك بتوقيع دول عربية "اتفاقيات إبراهيم"، دون أن يستتبع ذلك إثارة مشكلات كبيرة داخل العالم العربي.

ويتابع: "لا يعني ذلك عدم تأثير هذا التنوع على مستوى وحجم التفاعلات العربية- العربية، لكن المهم أنها لم تعد ترتبط بحدوث أزمات عربية حادة، كما كان يحدث في مراحل سابقة".

ويلفت إلى أن "هذا التحول جاء محصلة لعدد من العوامل، أبرزها انتشار القوة وتوزعها داخل الإقليم العربي، وتعدد المصالح العربية داخل النظام العالمي ونجاح القوى العربية الرئيسية في خلق مساحات ودوائر حركة أوسع تتجاوز (جغرافيا) الدائرة العربية المباشرة".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العرب الجامعة العربية التطبيع سياسيات مشتركة