أحمد نجيب الشابي لـ"الخليج الجديد": نريد حراكا تونسيا على الطريقة الجزائرية.. والأزمة تتجه نحو الحل

الاثنين 29 مايو 2023 10:49 ص

نواف السعيدي- الخليج الجديد

دعا رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس أحمد نجيب الشابي إلى تدشين حراك شعبي ثوري سلمي في بلاده على الطريقة الجزائرية في المطالبة بإلغاء العهدة الرئاسية الخامسة، "لكن يكون هذه المرة مؤطرا من قِبل الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني، وذلك من أجل إجبار (الرئيس التونسي) قيس سعيّد على التراجع عن المسار الديكتاتوري".

وفي عام 2019، وردا على إعلان الرئيس الجزائري آنذاك عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة، شهدت البلاد احتجاجات شعبية حاشدة أجبرته على الاستقالة في 2 أبريل/ نيسان من العام نفسه بعد عشرين عاما في الحكم.

وفي مقابلة خاصة مع "الخليج الجديد"، شدّد الشابي (78 عاما) على أن الأزمة الراهنة لا تتحمل مزيدا من التأخير، و"المطلوب أن يرحل سعيّد الآن وأن تُنظم انتخابات سابقة لأوانها (مبكرة) لتكون مدخلا لاستعادة الاستقرار".

وتشهد تونس أزمة سياسية حادة منذ أن بدأ سعيّد، في 25 يوليو/ تموز 2021، فرض إجراءات استثنائية أبرزها حل مجلسي القضاء والنواب وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية وإقرار دستور جديد عبر استفتاء وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة بلغت نسبة المشاركة فيها نحو 11% فقط.

وتعتبر قوى تونسية وازنة، في مقدمتها جبهة الخلاص الوطني، تلك الإجراءات "انقلابا على دستور الثورة (دستور 2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوة أخرى مؤيدة لسعيّد "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).

ورفض سعيّد، الذي تنتهي في 2024 فترته الرئاسية البالغة 5 سنوات، دعوات المعارضة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقال إن إجراءاته كانت "ضرورية وقانونية" لإنقاذ الدولة من "انهيار شامل".

وتمسك الشابي بمساعي تشكيل حكومة إنقاذ وطني، معتبرا أنها "تمثل مدخلا للحل، ويتطلب تشكيلها توافقا عريضا بين النخب السياسية"، لكنه أقر بأن "هذا التوافق غير متوفر الآن، وأن شروط تشكيل حكومة إنقاذ لم تنضج بعد".

ورأى أن تلك الحكومة "تظل شرطا لتجنب الفوضى التي قد تنتج عن انهيار النظام، علما بأن الأحداث تتسارع ويمكن أن تفاجئ الجميع، وهو ما حدا بالدول الغربية إلى الحديث على لسان رؤسائها عن خطر انهيار وشيك في تونس".

واعتبر الشابي أن "الأزمة تتجه إلى الحل، فتونس أمام مفترق طرقات: إما الانهيار والفوضى وخطر العنف وإما الإنقاذ عن طريق الإصلاح والتوافق، ولأن تونس تملك الكثير من المقومات التي تجعلها تتجنب خطر الفوضى، فالأزمة تتجه نحو الحل".

وفي ما يلي نص مقابلة الشابي الخاصة مع "الخليج الجديد":

هل فشلت ثورة 2011؟

الثورة تمر بانتكاسة، تجتاز حالة من الردة، والمكاسب التي تحققت خلال عشرية الانتقال الديمقراطي تتعرض إلى الإتلاف والدمار، لكن الثورة لم تفشل، لأنها لا تمثل حدثا عرضيا تحقق فجأة في شتاء 2011، إنها مسار تراكمي لعقود من الزمن تشكلت من خلاله جمعيات وأحزاب وانتشر وعي جمعي يطالب بالحرية والديمقراطية.

هذه الهيكلة التعددية للمجتمع من الصعب أن تُمحى بجرة قلم، بل ستظل عصية على كل مَن يحلم بإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. وطريق الثورة ليس أوتوستراد مفتوح، بل طريق متعرج مليء بالمطبات، ولكن اتجاهه ثابت ومنتهاه حالة من التقدم حَريّة بالإنسان الذي ينشد الكرامة والحرية والعيش الكريم.

وعلاقة القوة بين سعيّد ومعارضيه تتطور لصالح المعارضة، صحيح أنها لم تبلغ نقطة الانعطاف، لكن الأزمة الاقتصادية تدفع بسرعة إليها.

ولماذا دخل في صراع مع كل المؤسسات المُنتخبة السابقة على مجيئه للسلطة؟

الرئيس سعيّد  يحمل رؤيا لا تؤمن بدور للقوى الوسيطة (نقابات، أحزاب وحتى البرلمان)، وكل خطابه يقوم على شيطنة مَن يخالفه الرأي (خونة، عملاء، فاسدين، لصوص مكانهم تحت الأرض حسب تعبير له في أحد خطاباته).

هذه الثنائية لا تترك مجالا إلا للرئيس الملهم صاحب الرسالة التي لا يسأله عنها إلا الله من جهة والشعب من جهة أخرى، والشعب هنا هو القسم من الرأي العام الذي يسانده وليس الشعب الذي يقاطع الانتخابات بنسبة 90%.

وتلك الثنائية بين الحق والباطل ترمي إلى إقامة مجتمع الاقتصاد الأهلي التضامني، ولذلك فرجال الأعمال والتجار فاسدون، محتكرون، يُمنعون حتى من السفر ويعيشون تحت تهديد فرق الرقابة الاقتصادية ومكافحة الإرهاب.

قوة نظام سعيّد

وما مدى تماسك وقوة نظام سعيّد؟

ليس لسعيّد فريق، كل مَن يحط به في قرطاج (القصر الرئاسي) أو القصبة (مقر الحكومة) منفذون لإرادته المطلقة، ولذلك يعرف الفريق الحكومي وفريق المستشارين عدم استقرار دائم، وبخاصة خلال الأشهر القليلة الماضية التي شهدت استقالات وإقالات متتالية. وإذا ما أضفنا إلى ذلك خصومته مع كل مكونات المجتمع وعزلته الخارجية الخانقة يصعب الحديث عن تماسك لنظامه.

هل لحظة اعتقال الشابي باتت قريبة أم لا؟ وهل من جديد بخصوص التحقيق معكم فيما تُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"؟

آخر المعلومات الرسمية أن قاضي التحقيق ينوي سماعي خلال النصف الثاني من يونيو/ حزيران المقبل في قضية ما يُعرف "بالتآمر على أمن الدولة"، ووقائعها تتلخص في قيام مشاورات بين قادة المعارضة بحثا عن صيغ لوحدة العمل المعارض، ولم تفض هذه المشاورات إلى نتيجة حتى ليلة الاعتقالات.

كل الموقفين معرفون من قِبل العامة والخاصة باستقامتهم وشفافية أعمالهم وتمسكهم بالقانون وبالطابع السلمي للعمل السياسي. جريمتهم الوحيدة أنهم معارضون سلميون. سياسة السلطة لا تخضع إلى أي عقل، ولذلك يصعب التنبؤ بما سيقع. احتمال إيقافي وارد وأنا أتهيأ له وكأنه سيقع غدا في حين أواصل العمل وكأنه لن يقع أبدا.

(سعيّد اتهم موقوفين بالتآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار.)

البعض يرى أن جبهة الخلاص وقيادتها فشلوا في كسب تعاطف الشعب وباتوا جزءا من الأزمة وليس الحل.. ما تعقيبكم؟

الجبهة جزء من الحل، وبرنامجها قيام حوار وطني جامع يصوغ برنامجا للإصلاحات الدستورية والسياسية (القانون الانتخابي)، ويقر الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، وخطة للنهوض بالاقتصاد، وتشكيل حكومة إنقاذ تُعنى بتنفيذ هذه البرامج، وتقود البلاد إلى تجديد الشرعية عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية سابقة لأوانها.

الجبهة رقم وازن وهام في المعادلة التونسية وليس من قبيل التباهي أو المبالغة القول بأنها القوة السياسية الأولى في الحياة الوطنية، وأنها ستكون بالضرورة طرفا وازنا وفاعلا في الحل.

(أُسست الجبهة في 31 مايو/ أيار 2022، وتضم 6 أحزاب هي "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"حراك تونس الإرادة" و"الأمل" و"العمل والإنجاز"، بالإضافة إلى حملة "مواطنون ضد الانقلاب".)

شيطنة المعارضة

بعد مرور عام على تدشينها، كيف تقيِّم  أداء الجبهة؟

الجبهة تحوّلت خلال العام الأول لميلادها إلى القوة السياسية الرئيسية في البلاد من حيث قدرتها التعبوية في الميدان أو وضوح طرحها السياسي أو إشعاعها وحضورها الإعلامي في الداخل والخارج.

ما لم تحققه الجهة هو إيجاد صيغة لتوحيد المعارضة السياسية والاجتماعية في جبهة وطنية واحدة، وهذا "الفشل" لا يعود إلى قصور أو تقصير من الجبهة، وإنما فرضته -ولا تزال- الانقسامات الموروثة عن الحقبة السابقة للانقلاب، وبعضها سياسي وبعضها أيديولوجي، ولكن التطور يسير في اتجاه تقريب الشقة بين مختلف أطراف المعارضة السياسية والاجتماعية.

إلى أي مدى نجح سعيّد في شيطنة حركة النهضة (صاحبة أكبر كتلة في البرلمان المنحل) والمعارضة عموما؟

تعاني الطبقة السياسية برمتها من أزمة ثقة لدى الرأي العام بسبب فشلها في تحقيق التطلعات الاقتصادية والاجتماعية التي علّقها المواطنون على الثورة، كما ساهمت سيطرة الصراعات الحزبية وعدم الاستقرار الحكومي، الذي وسم عشرية الانتقال الديمقراطي، في تغذية هذه الأزمة.

واستغل سعيّد خيبة أمل المواطنين هذه ليبرر انقلابه، والحال أنه كان طرفا رئيسيا في الأزمة، وعمل على تأجيجها إلى حد التسبب في شلل مؤسسات الدولة كمقدمة للانقلاب على الدستور والمؤسسات.

توافق المعارضة

وهل من أفق لتشكيل حكومة إنقاذ وطني أم أنها باتت مستحيلة؟

هناك تعبير فرنسي يقول إن "مَن يقول أزمة يقول تعطل"، والمقصود أنه من طبيعة الأزمة أن ينتج عنها تعطل، وبهذا المعنى فلا تزال تونس في قلب الأزمة، بينما تمثل حكومة الإنقاذ الوطني مدخلا للحل ويتطلب تشكيلها توافقا عريضا بين النخب السياسية، وهذا غير متوفر الآن.

شروط تشكيل حكومة إنقاذ لم تنضج بعد، لكنها تظل شرطا لتجنب الفوضى التي قد تنتج عن انهيار النظام علما بأن الأحداث تتسارع ويمكن أن تفاجئ الجميع، وهو ما حدا بالدول الغربية إلى الحديث على لسان رؤسائها عن خطر "انهيار وشيك في تونس".

وما هي الخيارات التي لا تزال متاحة أمام المعارضة؟

المعارضة التونسية بالمعنى الواسع الكلمة (أحزاب ونقابات وجمعيات مدنية وشخصيات مستقلة) تقوى وتتعزز إلى حد ضرب عزلة داخلية على سعيّد، لكن يتوقف دورها في حل الأزمة وفتح أفق جديد للبلاد على تفاهمها وتوافقها، غير أنها لا تزال تتخبط في تناقضاتها الموروثة عن الحقبة السابقة (مرحلة الانتقال الديمقراطي)، رغم اتفاق خطابها حول تشخيص الأزمة واتجاهات الحل.

ألا توجد أي قنوات اتصال بينكم وبين السلطة؟

السلطة كل السلطة بيد سعيّد، والسيد سعيّد لا يحاور أحدا حتى من بين أنصاره. لذلك، كانت قنوات الاتصال وأبواب الحوار مُغلقة معه، وعلى سبيل المثال بادر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية) بالدعوة لإجراء حوار وطني منذ ما يزيد عن العام ونصف العام وتقدم بها إلى رئيس الجمهورية الذي لا يكترث بها أصلا.

وتعليقا على مبادرة جديدة أطلقتها منظمات أربعة (اتحاد الشغل، واتحاد المحامين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية) قال رئيس الدولة في خطاب حديث: "يطالبون بحوار وطني فعن أي حوار وطني يتحدثون؟!، لماذا انتخبنا مجلسا للنواب إذن؟!، ما من حوار إلا داخل أسوار هذا المجلس".. هذا موقف سعيّد من المنظمات المهنية والحقوقية، فما بالك بموقفه من خصومه السياسيين؟!

موقف الجيش والشرطة

وكيف تقرأ موقف المؤسستين العسكرية والأمنية؟

المؤسسة العسكرية قائمة على الانضباط والحياد السياسي، لذلك لا يتدخل الجيش مباشرة في الحياة السياسية. هذا تقليد متبع منذ الاستقلال (عن فرنسا عام 1956). ومن قواعد الانضباط ألا ينصب الجيش نفسه مُفسرّا لأحكام الدستور، وليس من دوره أن يعوض المعارضة في وظائفها.

لكن لا يمكن إنكار أن سعيّد يوظف سلطاته لمحاولة إقحام هذه المؤسسة في الصراعات السياسية، ومن ذلك أن ساهمت فرق عسكرية في إغلاق البرلمان يوم 25 يوليو/ تموز 2021، كما وُظّفت المحاكم العسكرية لمقاضاة المدنيين، وهو أمر لا يخوله القانون ولا الدستور.

أما المؤسسة الأمنية فقد أساءت إليها محاولات التوظيف السياسي، وهي تمر بحالة من عدم الاستقرار في مستوى قياداتها العليا؛ إذ لا يكاد يمر أسبوع دون أن تحدث تغييرات في المسؤوليات السامية، يُعين المسؤول ليُقال في وقت قصير، وقد يعود إلى مهامه بعد فترة وجيزة دون أن نعرف السبب. ولعل آخر تغيير حدث منذ أيام قليلة على رأس جهاز الحرس الوطني دون أدنى تفسير.

لكن تبقى المؤسسة الأمنية محايدة في الحياة السياسية بعد أن تصالحت بفضل الثورة مع المجتمع عدا بعض الفرق المحدودة التي تتحرك بأمر من السلطة لملاحقة المعارضين في ظروف أقل ما يُقال فيها إنها مخالفة للقانون وللشرائع الدولية.

وهل بات القضاء أداة في يد الرئيس سعيّد؟

القضاء أول هيئة اجتماعية وقفت في وجه محاولات إخضاعه وتوظيفه من قِبل السلطة، وخاض القضاة إضرابا عن العمل لمدة ثمانية أسابيع متتالية. ولا زال القضاة يقاومون ويدافعون عن استقلاليتهم، وكفاح القضاة ككل كفاح يخضع لقانون المد والجزر.

يمر القضاة في الآونة الأخيرة بظروف صعبة، ويخضعون إلى ضغوطات شديدة، ووُظف البعض منهم في قمع المعارضين. لكن مستقبل القضاء التونسي زاهر: قضاء مستقل نزيه وعادل.

(سعيّد قال إن السلطة القضائية مستقلة وإنه لا يتدخل في عملها، مقابل اتهامات من المعارضة له باستخدام القضاء لملاحقة الرافضين لإجراءاته الاستثنائية)

الأزمة الاقتصادية

وهل تتوقع أن يرحل سعيّد في الانتخابات الرئاسية عام 2024؟

إذا ما استمر سعيّد في السلطة حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2024 (نهاية فترته الرئاسية) فمعنى ذلك أن التطورات المرتقبة، وخاصة مفعول الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لم تحصل، وأن الرأي العام بقي على سلبيته.

الأزمة لا تتحمل مزيدا من التأخير، المطلوب أن يرحل سعيّد الآن، وأن تنظم انتخابات سابقة لأوانها لتكون مدخلا لاستعادة الاستقرار، وحل الأزمة المالية والاجتماعية، وفك العزلة الخارجية على البلاد.

وهل تعتقد أن الأزمة الاقتصادية يمكن أن تساهم في الإطاحة بسعيّد؟ وهل يتحمل وحده وزرها؟

الأزمة الاقتصادية سابقة لانقلاب 25 يوليو/ تموز 2021؛ فصندوق النقد الدولي مثلا قطع المساعدات عن تونس منذ 2019 بسبب تقاعس حكومة يوسف الشاهد (حينها) عن القيام بالإصلاحات.

وعموما تأخر الاقتصاد طيلة مرحلة الانتقال الديمقراطي، واستغل سعيّد هذه الأزمة لتبرير انقلابه، لكن الأزمة زادت حدة وتعقدا منذ الانقلاب وبلغت مستويات غير مسبوقة؛ فمعدلات البطالة وغلاء الأسعار وانقطاع المواد الغذائية والأدوية من الأسواق ومستوى الترقيم السيادي للاقتصاد (القدرة على سداد الديون)، كل هذه المعدلات وغيرها، ومنها نسبة الفقر بين السكان، عرفت انهيارا لم يسبق لتونس أن شهدته، والأدهى والأمر أنه لا حل يلوح في الأفق بسبب عجز الفريق الحاكم وافتقاره تماما لرؤيا وبرنامج.

الحراك الجزائري

سعيّد اتهم "لوبيات وأطرافا" (لم يسمها) بالوقوف وراء أزمة نقص الخبز ومواد غذائية أساسية أخرى.. ما تعقيبكم؟

من ثوابت الخطاب السياسي للسلطة نظرية المؤامرة؛ فكل ما يحدث نتيجة لمؤامرة تدبرها أياد خفية معادية للشعب وعميلة للأجنبي، ولا تقتصر هذه الأيادي على السياسيين المعارضين، بل تتعداهم إلى التجار ورجال الأعمال، وهذه النظرية تنم عن عدم دراية بقوانين السوق وبحقائق الاقتصاد الدولي. واستهداف التجار ورجال الأعمال زاد الأزمة حدة، وساهم في اضطراب شبكات الإنتاج والتوزيع وضمور الاستثمار المحلي والخارجي، فضلا عن توقف الاستثمار العمومي.

وكيف يمكن دفع الرئيس سعيّد إلى التراجع عن ما تسميه المعارضة "المسار الديكتاتوري"؟

عن طريق قيام حراك شعبي سلمي على الطريقة الجزائرية في المطالبة بإلغاء "العهدة الخامسة"، لكن يكون هذه المرة مؤطرا من قِبل الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني.

هل هناك يأس دولي من الوضع الراهن في البلاد؟ وهل الموقف الإقليمي يخدم سعيّد؟

الموقف الدولي سليم وإيجابي؛ فهو يدعم العودة إلى الديمقراطية، ويناشد التونسيين إجراء حوار بينهم للاتفاق على الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يرونها، ويؤكد أن الإصلاحات مسألة سيادية لا تتدخل فيها الأطراف الأجنبية.

الموقف الدولي مؤثر جدا، وله تداعيات اقتصادية ليس أقلها تعليق صندوق النقد الدولي اتفاقه مع السلطة التونسية (بشأن قرض مأمول) حتى تقوم بإصلاحات سياسية تعيد الاستقرار إلى البلاد وإصلاحات اقتصادية تكون محل توافق بين القوى الفاعلة في المجتمع التونسي.

والموقف الإقليمي يتأثر بالموقف الدولي؛ فدول الخليج مثلا تعلق التعاون الثنائي مع تونس على تحقيق اتفاق بينها وبين صندوق النقد الدولي. أما صراع المحاور في المنطقة العربية فلم يكن له تأثير مباشر حتى الآن، ولعل الصراع بين أطرافه يحيد بعضها البعض.

مصير الأزمة

ما أهم الجهود التي ينبغي على المجتمع الدولي بذلها للمساهمة في إنهاء الأزمة التونسية؟

ليس مطلوبا من المجتمع الدولي أن يقوم بأكثر مما قام به حتى الآن، عليه أن يستمر في دعم الديمقراطية سياسيا. الكرة في ملعب التونسيين، في ملعب المعارضة حتى توحد صفوفها وتقوي من ضغطها، والكرة في ملعب السلطة إن أرادت كسر الحصار الخارجي بتثبيت الاستقرار السياسي والاجتماعي الداخلي.

أخيرا.. إلى أين تتجه الأزمة التونسية؟

الأزمة تتجه إلى الحل، لأن تونس أمام مفترق طرقات: إما الانهيار والفوضى وخطر العنف وإما الإنقاذ عن طريق الإصلاح والتوافق. ولأن تونس تملك الكثير من المقومات التي تجعلها تتجنب خطر الفوضى؛ فالأزمة تتجه نحو الحل.

الأزمة في تفاقم والأحداث تتسارع وليس من طبيعة الأزمات أن تعلن مسبقا عن موعد حلها، فعند اشتداد الأزمة يمكن للقشة أن تقصم ظهر البعير. وقديما قال الشاعر التونسي الشهير ابن النحوي (يوسف بن محمد التوزري التلمساني): إِشــتَــدَّي أزمَــةُ تَــنــفَـرِجي.. قَـــد آذَنَ لَيـــلُكِ بِــالبَــلَجِ".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس أحمد نجيب الشابي جبهة الخلاص الوطني تونس المعارضة قيس سعيد

تونس.. النهضة تتضامن مع الشابي بعد اتهامه بالتآمر