حسابات المخاطر والتحديات: آفاق التدخل العسكري التركي في شمال سوريا

الأحد 14 فبراير 2016 04:02 ص

المكاسب الأخيرة التي يحققها نظام «الأسد» خلال هجومه الشمالي على وجه الخصوص، والاستيلاء على المدن الشيعية نبل والزهراء تشكل تهديدا جيواستراتيجيا كبيرا بالنسبة إلى تركيا وجماعات المعارضة المتمركز في عزاز وحولها.

النظام وحلفاؤه الآن في موقف جيد يسمح لهم بقطع خطوط الاتصال بين المناطق الحدودية التركية، والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب. ترجع مثل هذه النتيجة بشكل كبير إلى الدعم الحاسم الذي قدمته كل من روسيا وإيران إلى قوات النظام. في واقع الأمر، فإن النظام المدعوم من قبل حملة برية جوية روسية يواصل التقدم بنجاح نحو المناطق الحدودية التركية إلى الآن. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن معدلات الضربات الجوية الروسية من قاعدة حميميم العسكرية تشهد تزايدا ملحوظا بسبب قرب القاعدة من ناحية، وزيادة معدل الضربات إلى الطلعات بفعل الإعداد الاستخباراتي الجيد في ساحة المعركة.

وقد مكن توسيع المستشارين العسكريين الروس على الأرض من التنسيق الفعال بين منصات الدعم الجوي وتقدم وحدات الجيش السوري، في حين أن فيلق القدس الإيراني وحزب الله اللبناني يندفعان للأمام محملين بالحمولة الطائفية والخبرات الكبيرة في مثل هذه الصراعات الهجينة.

وما يجعل الأمور أكثر إزعاجا هو أن أنقرة سوف تواجه قريبا مجموعة من تهديدات القوى المعادية على حدودها الجنوبية بداية من حزب العمال الكردستاني، وحلفائه المحتملين من وحدات الحماية الكردية إلى «الدولة الإسلامية» ثم الجيش السوري. المجموعات الوحيدة الصديقة لأنقرة بالقرب من الحدود التركية هي جماعات المعارضة السورية في محافظة إدلب، ومن شأنهم أن يكونوا محاصرين من اللاذقية في الجنوب وريف حلب في الشمال الشرقي.

في ظل هذه الظروف المتوترة، اتهمت روسيا تركيا بأنها تستعد لتوغل عسكري في سوريا. وردا على ذلك، وبعد التنويه المعتاد حول جرائم روسيا في سوريا، فقد ذكرت أنقرة بشدة أن لديها الحق في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية أمنها القومي. هذا التلاسن الخطابي قد أثار الكثير من الترقب حول آفاق احتمال توغل تركي محتمل في شمال سوريا. وبعد، فرغم أن تدخل تركي محدود في سوريا قد يكون أمرا محتملا، فإن الوجود الروسي في سوريا لا يزال أحد عوامل التعقيد الرادعة.

الخيارات الصعبة

تراقب أنقرة عن كثب المعارك في مدينة حلب وحولها. التطورات في هذا المسرح يمكن أن يؤدي إلى انتكاسات لا رجعة فيها لموقف تركيا في سوريا. منذ بضعة أيام، أوردت مصادر أن الجيش السوري قد تقدم إلى مسافة 10 كيلومترات من تل رفعت، آخر الخطوط الدفاعية للمعارضة التي تؤيدها تركيا قبل حدود مدينة إعزاز. وعلاوة على ذلك، تشير التجربة أن سقوط حلب يمكن أن يؤدي إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى تركيا، التي تستضيف بالفعل قرابة مليوني لاجئ سوري. ومن الجدير بالذكر أن تقدم النظام تجاه المناطق الحدودية الشمالية قد أثار موجة جديدة من اللاجئين على الحدود التركية. الاستخدام المتزايد للذخائر غير الموجهة من قبل الطائرات الروسية يزيد من عدد الجرحى المدنيين ويسهم في زيادة تدفقات اللاجئين.

وباستخدام مصطلحات أكثر عملياتية، فإن تركيا تمتلك القدرة على شن عملية توغل محدود وإيجاد ملاذ آمن صغير على حدودها. مع انتشاره على طول المناطق الحدودية الجنوبية الشرقية، فإن الجيش التركي الثاني ظل في بؤرة اهتمام التحديث العسكري التركي. وتم تعزيز اللواء المدرع الخامس في غازي عنتاب واللواء المدرع العشرين في سانليورفا منذ بداية الحرب الأهلية السورية، وهما يتمتعان حاليا باستعدادات قتالية عالية وقدرة على المناورة في أي تدخل محدود.

كذلك، تم نشر وحدات على مستوى كتيبة من لواء المغاوير شديد الاحتراف من أجل دعم هذه الألوية المدرعة. ونشرت القوات المسلحة التركية أيضا قوات المدفعية القوية على طول الحدود، وهي مجهزة غالبا بمدافع «فيرتينا هاوترز» على امتداد ما بين 30 إلى 40 كيلومترا. وأخيرا، فإن سلاح الجو التركي يقوم بإعداد القواعد الجوية القريبة من الحدود السورية، في محاولة لزيادة كفاءة الطلعات الجوية.

العامل الروسي

يمثل الانتشار العسكري الروسي التحدي الأكبر للتوغل التركي في سوريا. أي توغل بري تركي في الأراضي السورية سوف يتطلب دعما جويا من طائرات هليكوبتر هجومية إضافة إلى عمليات اعتراض جوي من قبل سلاح الجو التركي. على الرغم من أن التفوق الجوي لا يمكن أن يكون شرطا مسبقا لإدارة الأصول الثابتة والمتحركة لتركيا في داخل الأراضي السورية، فإن سلاح الجو التركي عليه أن يواجه التفوق الجوي الروسي على أقل تقدير.

هذه الضرورة التشغيلية يمكن أن تؤدي إلى وقوع اشتباكات تركية روسية مباشرة في الجو. الإشكالية الأكبر أن الترسانة الجوية الروسية في سوريا قد صارت الآن أقوى بكثير مما كانت عليه في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015، عندما أسقط سلاح الجو التركي المقالة الروسية «سو- 24» لانتهاكها المجال الجوي التركي. جاءت استجابة الكريملين للتحرك التركي بالمزيد من التصعيد، نشرت روسيا أنظمة «S-400» بعيدة المدى للدفاع الصاروخي إضافة إلى مقاتلات «سو34» و«سو35» ذات القدرات القتالية الفائقة. مع وجود تشكيلة من 20 طائرة من هذه الطائرات المتطورة، فإن الأمر يشكل تهديدا رادعا لأي عمليات تركية داخل المجال الجوي السوري. وعلاوة على ذلك، فإن الجناح الجوي الروسي في سوريا يعمل الآن تحت مظلة دفاع جوي قوية بسبب المنظومات الصاروخية المتطورة إضافة إلى قدرات الحرب الإلكترونية المتقدمة، مثل أنظمة «كراسوخا 4 » التي تم رصدها مؤخرا والتي من الممكن أن تشوش أنظمة التحكم في الطائرات التركية.

في غياب التفوق الجوي، سوف تواجه وحدات المناورة التركية تواجه تحديات كبيرة في بيئة عدائية للغاية ويمكن أن تقع ضحية لخسائر كبيرة. إذا قررت تركيا أن تختار الحد من المخاطر التي تواجه قواتها البرية من خلال منع التفوق الجوي الروسي، فإن الوضع سوف يتفاقم بشكل خطير. سرب القوات الجوية التركية «ميرزفون 151 » مصمم لقمع الدفاعات الجوية للعدو من خلال الصواريخ عالية السرعة المضادة للإشعاع والتي يمكن أن تكون فعالة ضد بعض الدفاعات الجوية الروسية وأصول الحرب الإلكترونية الأرضية. ومع ذلك، فإن منطقة منع الوصول الروسية في سوريا وشرقي البحر الأبيض المتوسط ​​تخترق عدة مئات من الكيلومترات داخل الأراضي التركية، وهي تضع طليعة دوريات القتال الجوي التركي في خطر. وعلاوة على ذلك، تشير المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر إلى تحولات كبيرة في تكوينات حمولة الطائرات الروسية في سوريا. تخرج الطلعات الجوية الروسية الآن مع المزيد من الطائرات المرافقة وعدد متزايد من صواريخ جو-جو.

والأهم من ذلك هو أن مخاطر التصعيد التركي الروسي سوف تجلب حتما حلف شمال الأطلسي في الصورة. إذا عملت أنقرة من جانب واحد عبر فتح جبهة في سوريا فإن ذلك لن يخضع على الأرجح لمظلة المادة الخامسة من قانون الحلف ما لم تقم روسيا بمهاجمة الأراضي التركية. على هذا النحو، فإن التوازن العسكري التركي الروسي في صراع لفترات طويلة قد يصبح مصدر قلق حقيقي. أنقرة من المحتمل أنها لن تستطيع الاعتماد على أي إشارات دعم ملموس من قبل حلفائها في حلف الناتو، والتي يمكن تفسيرها على أنها شكل من أشكال الدعم حتى لتوغل محدود في سوريا. وعلى الرغم من أن تركيا قد تختار التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي والتي أعرب بعضها بالفعل عن رغبته في نشر قوات على الأرض في سوريا، فإن مثل «تحالف الراغبين» هذا لا يوفر حماية ملموسة ورادعة لتركيا مثل الناتو.

إشكالية الجبهة الداخلية

ما وراء التحديات التي يفرضها الوجود الروسي في سوريا إضافة إلى غياب الدعم السياسي والعسكري من دول حلف شمال الأطلسي، لا تزال هناك مشكلة الإرهاب الداخلي الذي يقوض تركيا. غيرت الشبكة الإرهابية لحزب العمال الكردستاني كثيرا من التكتيكات والتقنيات والإجراءات في السنوات الأخيرة. ينتهج حزب العمال الكردستاني الآن نهجا أكثر عملية بتحريك الصراع في المناطق الحضرية من خلال الاستخدام المكثف للمتاريس والعبوات الناسفة والقناصة. حتى إن حزب العمال الكردستاني قد استخدام بعض «المرتزقة» الأجانب في عملياته ضد قوات الأمن التركية. في وقت كتابة هذا التقرير، لا تزال قوات الأمن التركية تعمل في مهام مكافحة الإرهاب في ظل ظروف حرب المدن، لاسيما في المناطق الجنوبية الشرقية من سور في ديار بكر وسيزر في سيرناك. في ظل إشكالية الوضع الأمني ​​الداخلي، فإن شن هجوم بري في سوريا، وخصوصا في المناطق السورية التي يهيمن عليها الأكراد، سوف يكون له مخاطر كبيرة.

خاتمة واستنتاج

باختصار، يبدو أن تركيا قد صارت محاصرة ما بين الضرورات الجيواستراتيجية بشن توغل محدود، والمخاطر المناظرة بشأن تصعيد لا يمكن السيطرة عليه مع روسيا وبين التهديد الإرهابي المحلي. في حالة عدم وجود دعم قوي من قبل الحلفاء في حلف شمال الأطلسي، فإن قرار أنقرة سوف يعتمد على الحسابات السياسية والعسكرية المضطربة في سوريا ومسار الهجوم الشمالي المستمر للنظام.

دون أدنى شك، فإن أي هجوم بري سوف يختلف كثيرا عن العمليات العسكرية عبر الحدود التركية إلى شمال العراق في التسعينيات. في سوريا، فإن سلاح الجو التركي سوف يكون عليه أن يعمل في مجال جوي متنازع عليه، وسوف يواجه الجيش التركي مجموعة مختلطة من التهديدات. سوف تتطلب الحملة التخطيط للتغلب على أنظمة الحظر الروسية والتمسك الدفاعي بالأراضي وليس مجرد إجلاء القوات المعادية عنها بشكل محدود.

وأخيرا، فإن التحركات المحتملة لروسيا سوف تبقى مصدر قلق كبير في أنقرة. ينبغي أن تؤخذ نوايا الكرملين لمزيد من التصعيد أو حتى الانتقام البدائي في الاعتبار. أي مقاربة حذرة أكثر من اللازم يمكنها أن تنتهي بالاستبعاد الكامل لتركيا من رقعة الشطرنج السورية. يبدو أن أنقرة عالقة بالفعل على مفترق طرق.

المصدر | وور أون ذا روكس

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا حلب بشار الأسد الدولة الإسلامية المعارضة السورية التدخل التركي في سوريا

«ستراتفور»: روسيا تعزز دفاعاتها الجوية في سوريا وتصعب المهمة السعودية التركية

تركيا تستدعي سفير واشنطن بعد تصريحات أمريكية تدعم «الاتحاد الديمقراطي» الكردي

السعودية وتركيا.. حلف الردع

السعودية وحلفاؤها يحشدون عشرات آلاف الجنود للتدخل بريا في سوريا عبر تركيا

«غارديان»: السعودية قد تنشر الآلاف من القوات الخاصة في سوريا بالتنسيق مع تركيا

أمريكا والمنطقة.. «أقوال بلا أفعال»

الرياض وأنقرة تواجهان طهران وموسكو لتحديد مصير «الأسد»

أنقرة: لن نسمح بسقوط «أعزاز».. ونرفض الموقف الأمريكي

«القدس العربي»: الخطة «ب» السعودية والقصف التركي لـ«وحدات الحماية الكردية»

أجواء الحرب نتيجة التخاذل الأمريكي

التدخل السعودي التركي في سوريا .. الضرورات والتحديات والبدائل المحدودة

«ستراتفور»: نقاط القوة والضعف في الاستراتيجية الروسية في سوريا

رويترز: تقدم الأكراد في سوريا يفرق بين أمريكا وتركيا

الرئيس التركي «حزين» لتسليح أمريكا أكراد سوريا

أنقرة: تركيا غير معنية باختلاف وجهات نظر أمريكا حيال حزب «الاتحاد الديمقراطي»

التدخل العسكري بين اليمن وسوريا .. لماذا حصل هناك وتعقد هنا؟

سعودي يسأل: هل هناك ما يستحق المخاطرة؟

«معهد الشرق الأوسط»: خيارات تركيا «المحدودة» في سوريا

‏«لافروف»: لدينا أدلة على وجود قوات تركية على أراضي سوريا