رُغم ما بدى من اتفاقات ووفاقات بين الدوحة من جهة والسعودية والبحرين والإمارات من جهة أخرى فى الفترة الأخيرة إلا أن أبو ظبي مازالت تتصدر مشهد التصعيد ضد الدوحة بكل ما أوتيت من قوة من خلال وسائل إعلامها، والساسة الذين تدعمهم.
ولعل السبب فى ذلك هو الاختلاف الكلي والتناقض الشديد بين البلدين فى موقفيهما من ثورات الربيع العربي، فبالرغم من أن الإمارات لم تكن تربطها علاقات جيدة بــ«القذافي» إلا أنها قبلت بالتحالف الدولي لاسقاطه وفي الوقت ذاته عرضت على «الساعدي القذافي» بحسب كلامه أن تمكن «سيف الإسلام» من رئاسة الدولة حفاظا على مصالحها وخوفا من صعود الإسلاميين كخيار شعبي مما جعلها تقف ضد الثورة الليبية بكل ثقلها، وعلى النقيض وقفت قطر مع الخيار الشعبي بالرغم من أن القيادة الليبية التي انتخبت لم تكن من ضمن التيارات الإسلامية.
وكان آخر التطورات فيما يتعلق بالعلاقات الليبية الخليجية هو رفض دولة قطر اتهامات «عبدالله الثني»، رئيس الحكومة الليبية المعين فى طبرق، لها بنقل سلاح إلى قوات «فجر ليبيا»، مطالبة بعدم إقحامها في الخلافات الداخلية الليبية، داعية في الوقت ذاته إلى حوار وطني شامل بين كافة الأطراف الليبية.
ومن الملفت أن اتهام «الثني» لقطر جاء عقب عودته من دولة الإمارات العربية المتحدة مباشرة، ضمن وفد ليبي، برئاسة «عقيلة صالح عيسى» رئيس البرلمان الليبي الجديد المنبثق عن انتخابات 25 حزيران/يونيو 2014، فيما جاءت هذه الزيارة بعد اقتحام مسلحين سفارة الإمارات في طرابلس ردا على تدخل الإمارات في الشأن الداخلي الليبي.
وسبق للوفد الليبي أن زار القاهرة أيضا، حيث التقي قائد الانقلاب في مصر «عبد الفتاح السيسي» ومسؤولين آخرين، بعد يوم واحد من اجتماع وزاري لدول جوار ليبيا استضافته العاصمة المصرية.
وتأتي هذه الزيارات المكثفة بعد هزيمة قوات «حفتر» على يد قوات «فجر ليبيا»، التي اضطرت للانسحاب من عدة معسكرات، كما انسحبت أخيرا من مطار طرابلس عقب قصف جوي نفذته الإمارات بتنسيق مع مصر استهدف وقف تقدم قوات «فجر ليبيا»، بحسب تقارير صحفية وتصريحات أمريكية رسمية.
واستهجنت قطر فى تصريحاتها الرافضة لاتهامات الثني «عدم تطرقه تماما للقصف الذى تعرضت له ليبيا بالطائرات مؤخرا، و الذى اتهمت فيه الإمارات و مصر»
ومن الواضح أن النظامين الإماراتي والمصري اللذين يشتركان في عداء الثورات وداعميها يكنان العداء لقطر ويحاولان تقزيم دورها, ويدركان أن نجاح الثورة في ليبيا يعد تهديدا مستمرا لاستقرار الانقلاب في مصر، فكان دعم وتمويل قوات اللواء الانقلابي حفتر هو السبيل إلى تأمين الانقلاب في مصر والمصالح الإماراتية حسب تفكيرهم، لذا فإن الصراع الحقيقي بين قطر والأمارات هو صراع على الربيع العربي بالأساس.
وتدرك قطر أيضا أن نجاح الثورة في ليبيا مع الحديث عن دور للسودان ضد أعمال «حفتر» يعني تضييق الخناق على الانقلاب في مصر, إضافة لمشاكله في سيناء وعدم قبوله بالتعامل مع حماس في غزة.
وتقوم الإمارات حاليا بإيواء عدد من الشخصيات المعادية للإخوان المسلمين وللثورة الليبية مثل «أحمد قذاف الدم» و«محمود جبريل» وغيرهم وفي المقابل يوجد عدد من رموز الثورة الليبية في الدوحة مثل الدكتور «علي الصلابي».
وتقوم أبوظبي بتوفير الدعم المالي وتقديم الأسلحة لقوات «حفتر», وتبتز النظام المصري الذي يقبل حاليا بأي إملاءات إماراتية بسبب ظروفه الصعبة في تدريب قوات «حفتر» وكذلك تدخل بعض قواته في ليبيا والذين أعلن عن مقتل عدد منهم في اشتباكات داخل ليبيا مؤخرا.
ويفيد الواقع على الأرض بفشل الدعم الإماراتي في تحقيق أي انجاز ملموس إذ أن قوات «فجر ليبيا» نجحت في طرد قوات «حفتر» وأجبرتها على التراجع لما يقد ر بحوالي 10% من مساحة ليبيا بعدما كانت تسيطر على مناطق كبيرة.
وتقوم الإمارات والسعودية بدعم الانقلاب في مصر وتسعى لترسيخ وجوده بكل ما يمكن. فيما تقوم قطر بدعم الثورة في ليبيا.
ويتوقع أن تقوم الإمارات بعمليات أكثر وضوحا وعلنية، بعد تراجع القوات المدعومة من الإمارات بعدما قامت طائراتها بهجوم مباشر على مطار طرابلس لدعم قوات حفتر, كما يتوقع أن يزيد الضغط الخليجي على قطر والسودان لقطع الإمداد المالي واللوجيستي عن الثوار في ليبيا.
لا ينبغي أن نغفل الحديث أن هناك دعما تركيا للثورة في ليبيا ويمكن القول أن هناك تنسيقا مع قطر مما جعل اللواء خليفة «حفتر» يطالب الاتراك والقطريين بالخروج من ليبيا مؤكدا أنهم غير مرغوب بهم.
ومن الواضح أن كل طرف يحاول دعم مؤيديه بالمال والسلاح والتدخل لصالحهم غير أن التدخل القطري لا يبدو واضحا بقدر التدخل الإماراتي الواضح والصريح في دعم قوات حفتر، ويتوقع أن تسفر الأيام القادمة عن مزيد من التصاعد خاصة أن دولا كالإمارات والسعودية تريد أن يشمل التحالف ضد داعش المنطقة كلها معتبرة أن حملة «فجر ليبيا» هي من ضمن الأعمال الارهابية وهذا يضيف نقطة سوداء أخرى في سجل السياسة الإماراتية التي أصبحت مكروهة من كل أبناء الشعوب العربية.