استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

محمد الدحيم: الخروج عن المسطرة

السبت 7 يونيو 2014 11:06 ص

السبت، ٧ يونيو/ حزيران

تتحدث بعض ثقافتنا بسخرية من التلقائية بسبب ضيق المفهوم أو فشل التربية أو إخفاق التجربة، لكن التلقائية هي سر الإبداع الإنساني، وهي لا تعني السطحية والسذاجة، إنما تعني التخلي عن الأحكام المسبقة على الأشياء والأشخاص، وبدلاً من ذلك الاستمتاع بالحرية والاختيار، وهي سمة قيادية لدى أصفياء النفوس وكرماء الأخلاق، ونجدها هي الحال التي كان يتمثلها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته، ومن ذلك أنه ما عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله وإلا تركه.

ويخبرنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، «فما قال له لشيء فعله لما فعلته ولا لشيء لم يفعله لما لم تفعله». وهي المرونة والرفق، وهو ما يجعل حركة الحياة تتدفق بالحب والجمال والسلام. وبذلك فإن التلقائية تُعلمنا ألا نقف عند الأبواب المغلقة، كما يُعلمنا الماء أن الانسيابية هي أيسر الطرق.

ومع هذا العطاء الذي يناله الإنسان من تلقائيته فإنه - وبجهل منه - يقاوم التلقائية من حيث يدري ومن حيث لا يدري. ومن صور ذلك الانشغال المكثف بالحكم والمحاكمة للأشياء والأشخاص بـ«مع» أو «ضد» أو «حسن» أو «قبيح»، وهو ما ينتج منه مواقف أو حروب كلامية، وقد تتعدى الكلام، مع أن الحكمة بدلاً من الحكم والمحاكمة تعطي قانوناً لذيذاً هو «راقبْ ولا تحاسبْ».

ونتيجة للمراقبة يتخذ الإنسان قراره من مساحة الاختيارات التي تركتها له حريته النفسية ليفعل أو يترك. وهذه قوة الإرادة والإدارة الذاتية، لكن هذه السهولة يتعثر فيها الإنسان الذي يتحرك من خلال «الأنا» الزائفة. فهو عبارة عما يملكه وما تحت سلطته وقهره، كما يتعثر فيها الذين يعانون من فرط التحسس من الأشياء والأشخاص، وهو ما ينتج لديهم جاهزية للمقاومة وسوء الظن وتوقع السلبيات، وكل ذلك يحصل لهم بما كسبت قلوبهم، لكنهم لا يفهمون الدرس جيداً فيحسبونه تصديقاً لأوهامهم التي يجعلونها إيقاعهم العام في الحياة، إذ تسيطر عليهم فكرة المؤامرة فيحاربون في غير عدو. بل يبحثون عن عدو يتعيشون على محاربته، وهم سائرون إلى المصير الأسود، لأن من عادى كل أحد أصبح هو العدو وحده، وتقتضي الحكمة إنقاذ ما يمكن إنقاذه ممن هم يشقون طريقهم في الحياة من الشبان والفتيات ألا يقعوا في مرض الإفراط في التخطيط لكل شيء، وفق عقل المسطرة؛ لأن في الحياة فرصاً لا يعرفها التخطيط.

والحظ ليس له ذاكرة، كما يقول الحكماء. وبدلاً من الإفراط في التخطيط يمكن للإنسان أن ينمي لديه ملكة التخيل وينعم بقانون التصور الذي يعمل من أجله عبر قوة الزمن وإيقاعاته، حيث يوسع لحظتك لتمتد إلى عالم مستقبلك وطموحاتك وأنت تستمع بالثقة في ذاتك والثقة بما لديك من إمكانات والثقة بما هو لك من الاستحقاقات على طريق النور والخير. وهكذا إذا أردت حياة مليئة بالصحة والسعادة والنجاح فاسمح لنور الله فيك أن ينير طريقك، واسمح لفطرة الله فيك أن تلهمك، لا توقف براءتك ولا تعطل انسيابيتك وتدفقك، فإنما أنت من داخلك من عمقك الروحي.

نقول هذا الكلام ونحن نشهد الإنسان اليوم يتحول إلى الوعي بذاته وينتشل نفسه من عالم مزيج ومزعج وغارق في الضجيج. نشهد عودة إلى استبصار النفس وتوجيه الأسئلة المفتوحة إليها، فلم يعد مجدياً تجاهل الإنسان الروح. ولم يعد ممكناً الحياة وفق إيقاعات الضبط والتحكم والتفكير المحدود، والسير كالمسطرة الحسابية المجهدة. لأننا في عصر تجلت فيه حكمة الإنسان نحو ذاته السامية بعد أن خرج من استعمار الأنا الزائفة أو الأنا التائهة طويلاً.

إن إنسان عصر الحكمة من الشباب والفتيات عالم مختلف من العطاء، لأنه يكتشف وعيه بإيقاع عصره، فسلام من الله عليهم على طريق السلام. فاللهم أنت السلام ومنك السلام.

* عضو مجلس الشورى السعودي. (المصدر: الحياة، الطبعة السعودية)

  كلمات مفتاحية