إضراب عمال النفط بالكويت .. تضامن واسع وتداعيات مؤلمة

الأحد 17 أبريل 2016 09:04 ص

ليس الإضراب الأول، ولكن توقيته ذات دلالات خطيرة، على دولة الكويت التي تعتمد على النفط كأحد أهم مصادر دخلها، وهو المصدر الذي تراجع سعره بشكل كبير، وقد يتسبب الإضراب في تراجع الإنتاج بشكل أكبر.

إضراب عمال النفط في الكويت، بهدف الضغط على الحكومة لاستثناء القطاع النفطي من مشروع «البديل الاستراتيجي»، يأتي وسط تضامن عمالي ونقابي واسع، بعد فشل مفاوضات مع الحكومة، التي قدمت تنازلات لم ترض نقابات النفط.

ودخل نحو 6000 عامل من عمال الشركات النفطية المختلفة في إضراب شامل أمام نقابات الشركات في منطقة الأحمدي التي تبعد نحو 42 كيلومترا عن العاصمة الكويتية، بحسب ما أعلن «سيف القحطاني»، رئيس «اتحاد عمال البترول وصناعة البتروكيماويات في الكويت»، يمثلون نحو 40% من عمال جميع الشركات النفطية، وذلك بعد مرور ساعة ونصف الساعة من بدء الإضراب.

أولى تداعيات الإضراب، تمثلت فيما أعلن عنه «سعد العازمي» المتحدث باسم «نفط الكويت» على حساب الشركة على موقع «تويتر» أن «الإنتاج سجل 1.1 مليون برميل بموجب خطة الطوارئ، التي وضعت للتعامل مع الاضراب». 

في حين أن إنتاج الكويت من النفط يبلغ ثلاثة ملايين برميل يوميا في المعدل الطبيعي حاليا، وتخطط لرفع الإنتاج إلى 3.15 ملايين برميل يوميا في الربع الثالث من العام الجاري، كما أن لها ثلاث مصافي تكرير طاقتها الإجمالية 930 ألف برميل يوميا.

ضد البديل الاستراتيجي

وأعلن اتحاد عمال البترول وصناعة البتروكيماويات الكويتي، إضراباً شاملاً عن العمل، بدأ من الساعة السابعة صباحاً بالتوقيت المحلي، اليوم الأحد، بهدف الضغط على الحكومة لاستثناء القطاع النفطي من مشروع «البديل الاستراتيجي».

جاء الإعلان عن الإضراب الاثنين الماضي، عقب اجتماع طارئ للجمعية العامة للاتحاد، الذي يضم جميع نقابات شركات النفط وصناعة البتروكيماويات في الكويت، بعد فشل المفاوضات التي عقدها وزير البترول بالوكالة «أنس الصالح» مع رؤساء النقابات النفطية، الأحد الماضي.

كما رفضت النقابات أمس السبت، دعوة «الصالح»، إلى التفاوض من جديد والعدول عن الإضراب، على الرغم من استجابة الحكومة، بشكل جزئي في وقت سابق من الأسبوع الماضي، لمطالب عمال النفط معلنة «تجميدا مؤقتا ومشروطا» لقرارات تم رفعها سابقا لوزير النفط بالوكالة، تتعلق بالمزايا الوظيفية للعمال، وكانت قد رفضتها النقابات النفطية وطالبت بإلغائها.

ويشمل الإضراب شركة «نفط الكويت» وشركة «ناقلات النفط الكويتية» وشركة «إيكويت لصناعة الكيماويات البترولية» والشركة «الكويتية لنفط الخليج».

«فرحان العجمي»، رئيس نقابة العاملين في شركة صناعة الكيماويات البترولية الكويتية، وهي إحدى النقابات المشاركة في الإضراب، قال لـ«رويترز»، إن باب التفاوض «أُغلق» بعد عدم التوصل لحل في اجتماع الوزير مع رؤساء النقابات، الأحد الماضي.

وأضاف: «لن يتم إلغاء الإضراب أو تعليقه إلا بعد الاستجابة لمطالب النقابات».

وبحسب «العجمي»، فإن مطالب العمال تتلخص في «إلغاء جميع القرارات التي صدرت والقرارات التي رفعت لوزير النفط بالوكالة لاعتمادها، والتي تنتقص من الحقوق التي تضمنتها لوائح العمل والاتفاقيات العمالية والأحكام القضائية».

أما المطلب الثاني، فهو «تشكيل لجنة لإيجاد سبل للترشيد، بعيدا عن حقوق ومزايا العمال»، بالإضافة إلى «العمل الجاد من طرفي الاتفاقية (الحكومة والنقابات)، كل فيما يخصه، لاستثناء القطاع النفطي من البديل الاستراتيجي».

ومشروع «البديل الاستراتيجي»، هو هيكل جديد للمستحقات المالية، والمزايا الوظيفية تريد الحكومة تطبيقه على العاملين بالدولة، وترفضه النقابات النفطية.

كما ترفض النقابات النفطية المساس بالمكتسبات والحقوق، كأنظمة الحوافز للقياديين والعاملين والخدمات الطبية للمتقاعدين، وما يتعلق ببدل طبيعة العمل، والتأمين على الحياة، والحوادث الشخصية.

تضامن نقابي

بدورهم، أعلن ممثلو نقابات عمالية أخرى عن التضامن مع مطالب عمال النفط، محمِّلين الحكومة مسؤولية «كسر القانون»، وعدم السير بمسطرة واحدة في اللوائح المنظمة للمكافآت والمستحقات المالية وغيرها.

وأعلنت غالبية نقابات الجهات الحكومية والعمالية، دعمها لموقف «اتحاد عمال البترول وصناعة البتروكيماويات» في إضرابهم، مشيرين إلى وضعهم كل إمكانياتهم تحت تصرف الاتحاد، ودعم وتأييد المطالب والمشاركة في الحضور حتى تحقيق المطالب.

ومن النقابات المتضامنة مع الإضراب «نقابة ديوان المحاسبة»، و«نقابة الإعلام»، و«نقابة الموانئ»، و«نقابة الجمارك»، و«نقابة التربية»، و«نقابة الكهرباء والماء»، و«نقابة البلدية»، و«نقابة المعلومات المدنية»، و«نقابة تكنولوجيا التعليم»، و«نقابة الشؤون الاجتماعية»، و«نقابة الصحة»، و«نقابة المواصلات»، و«نقابة القانونيين»، إضافة إلى «نقابات اتحاد العاملين بالقطاع الحكومي»، و«الاتحاد العالمي للصناعات».

تداعيات مؤلمة

وليس هذا الإضراب هو الأول، وقد لا يكون الأخير، في مسلسل الإضرابات، لكنه الأخطر والأكثر تأثيراً على اقتصاد البلاد، كون أن التوقف عن العمل يأتي في جهات الإنتاج التي تمثل عصب الدخل القومي للبلاد، وفي ظل بروز «عنق الزجاجة» أكثر ضيقاً من أي وقت مضى إثر الأزمة المالية جراء تراجع أسعار النفط، بحسب صحيفة »القبس».

وتعد تكلفة الإضراب ماديا على الكويت مكلفة، حيث قدر مراقبون، بحسب صحيفة «الجريدة»، أن الإضراب الشامل والمفتوح، سيكلف الدولة ملايين الدولارات يوميا، مشيرين إلى دخول عمال النفط في إضراب مفتوح 10 أيام سيكلف الدولة خسائر مادية مباشرة تقدر بـ12 مليار دينار.

في الوقت الذي توقع رئيس نقابة العاملين بشركة «نفط الكويت»، التي تعتبر أكبر الشركات النفطية في البلاد «صلاح المرزوق»، أن يتسبب الإضراب في انخفاض إنتاج النفط في الكويت من 3 ملايين برميل يوميا إلى 900 ألف برميل يوميا، وهو ما يكفي فقط لاحتياجات السوق المحلي.

ولفت إلى أن الإضراب سيرفع تكلفة المقاولين للتشغيل إلى أكثر من 10 ملايين دينار يوميا نظرا للتشغيل الإضافي، مشيرا إلى أن قيمة التأمين لن تغطي تكلفة المقاولين المتوقع تشغيل المنشآت النفطية.

إجراءات مضادة

صحيفة «الرأي» الإلكترونية، كشفت أن شركة «نفط الكويت» بدأت أمس، باتخاذ خطوات نحو مواجهة الإضراب المزمع تنظيمه اليوم، عن طريق إغلاق 70% من مراكز تجميع النفط ومحطات تعزيز الغاز والإنتاج المبكر ومعالجة المياه.

وأضافت المصادر أن خطوات مماثلة اتخذتها شركة البترول الوطنية حيث بدأت في إغلاق العديد من الوحدات.

وكانت السلطات الكويتية، نشرت منذ الإعلان عن الإضراب، وحدات من الحرس الوطني لتأمين وإدارة المنشآت النفطية.

ومع صباح اليوم، قال المتحدث باسم القطاع النفطي الشيخ «طلال الخالد الصباح»، إن «مؤسسة البترول فعلت خطة الطوارئ، لضمان عدم تأثر الأسواق المحلية والخارجية».

وقال في بيان نشرته وكالة الأنباء الكويتية «كونا»: «مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها التابعة فعلت خطة الطوارئ الخاصة بالقطاع النفطي»، وعمليات التصدير تسير حسب ما هو مخطط له، وهي قادرة على تلبية أبرز وأهم متطلبات السوق العالمي، وحسب ما هو متفق عليه مع العملاء».

وأعلن «سعد العازمي» المتحدث باسم «نفط الكويت» على حساب الشركة على موقع «تويتر» أن «الإنتاج سجل 1.1 مليون برميل بموجب خطة الطواريء، التي وضعت للتعامل مع الاضراب»، ما يعني انخفاض الإنتاج 1.9 مليون برميل، جراء الإضراب.

ودعا «الصباح»، الكويتيين إلى «عدم الاستماع إلى ما قد يتردد من شائعات بخصوص تأثير الإضراب على احتياجات السوق المحلية»، مؤكدا أن «مخزون دولة الكويت من البنزين والمشتقات البترولية يكفي لاستيفاء حاجة البلاد لمدة 25 يوماً، وأن المخزون الإستراتيجي للدولة يكفي لمدة 31 يوما أخرى».

ومن جانبهم، شدد نواب بمجلس الأمة على خطورة الأزمة، مشيرين إلى أن البلاد تمر بظروف استثنائية، وعلى الجميع تحمُّل المسؤولية والجلوس على طاولة الحوار، وتغليب المصلحة العامة.

لي الذراع

مصادر مسؤولة ذكرت أن «الإضراب دوافعه سياسية وليست فنية»، مؤكدة أن «البديل الاستراتيجي لا يزال في طور النقاش، فلماذا الاحتجاج إذن؟»، مشيرة إلى إحالة المضربين عن العمل، والمحرِّضين على تعطيل مصالح البلاد إلى النيابة.

إلى ذلك اعتبر المستشار «صلاح المسعد» رئيس هيئة الفتوى والتشريع، التي تعتبر جهة استشارية للحكومة الكويتية، أن أخذ الحقوق بطريقة «لي الذراع» موضة قديمة وانتهت، مؤكداً أن «الكويت دولة مؤسسات ومن لديه مطالب مشروعة فليلجأ إلى القضاء».

كما دخل رجال دين ودعاة على الخط، مؤكدين أن الإضراب المعطل لمصالح البلاد والعباد «حرام شرعاً»، حيث قال عميد كلية الشريعة سابقا رئيس رابطة علماء الشريعة في دول الخليج عضو هيئة الفتوى في الكويت د. «عجيل النشمي»، إن من تسبب في الإضراب يستحق شرعا عقوبة من عطل مصالح الناس أو تسبب في خسائر مالية للدولة.

وأضاف «النشمي» في حسابه على «تويتر»، أن «الإضراب عن العمل يحرم شرعا لما فيه من تعطيل مصالح الناس، خاصة في الجهات الخدمية كالكهرباء والماء وأخطر منها البترول، لما يترتب عليه من خسائر فادحة»، مؤكدا أن «التعبير عن الرأي مكفول، لكن التعبير بعد الدوام».

فيما أعلنت كوادر وطنية عاملة في القطاع النفطي الخاص عن الاستعداد لسد النقص الذي سيخلفه إضراب نظرائهم في القطاع النفطي الحكومي.

إضرابات سابقة

يشار إلى مسلسل الإضرابات العمالية في القطاع النفطي، بدأ منذ عقود طويلة، حيث كان أول إضراب لعمال شركة الزيت الأمريكية «أمينويل» في مارس/آذار 1972، وحاول المدير الأمريكي، لصق تهمة التخريب بالعمال، عندما قام بتشغيل إحدى المضخات بالخطأ، لكن العمال سارعوا إلى منعه بالقوة، ثم تدخلت الشرطة واعتقلت خمسة من العمال، وأُفرج عن المدير الأمريكي.

ومع بدايات الحديث عن «التأميم»، شهدت الكويت إضرابا لعمال شركة الزيت الأمريكية «أمينويل»، في سبتمبر/أيلول 1973، وذلك قبل أن يعلن عمال التحميل في مرفأ شركة نفط الكويت إضرابا عن العمل في أغسطس/آب 1976 بعد أن كلفتهم الشركة بالقيام بأعمال إضافية تخص شركة البترول الوطنية.

وفي يناير/ كانون الثاني 1980، نفذت نقابة العاملين في شركة نفط الكويت إضرابا عن العمل، احتجاجا على فصل خمسة عمال، اتهموا الشركة بطردهم، لأنهم طالبوا بوقف الأعمال الإضافية التي تفرض عليهم.

وفي العام التالي، أبريل/ نيسان 1981، نفذت نقابة عمال شركة البترول الوطنية إضرابا لعمال قسمي حركة الزيت والفحص في مصفاة الشعيبة، استمر 10 أيام.

كما أضرب العاملون في شركة نفط الكويت عن العمل لمدة 15 دقيقة صباح 30 أبريل/نيسان 1982، حداداً على اثنين من زملائهم، توفيا خنقا بالغاز.

وفي فبراير/ شباط 1983، نفذت نقابة العاملين بشركة نفط الكويت إضرابا مفتوحا، بإلغاء قرار قطع بدل الماء والكيروسين الذي يتقاضاه العمال منذ 1948.

وفي أغسطس/آب 1992، أضرب عدد من الكويتيين العاملين في شركة الزيت العربية، احتجاجا على عدم إيجاد حلول شافية لمطالبهم المتمثلة في زيادة العلاوة الاجتماعية وصرف علاوة الطريق.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أنس الصالح إضراب الكويت النفط إضراب النفط النفط الكويتي مجلس الأمة اتحاد نقابات النفط

الكويت: عمال النفط يبدأون إضرابا شاملا و«البترول» تعلن خطة الطوارئ لمواجهته

رئيس نقابة نفطية ينفي التفاوض مع الحكومة الكويتية

الكويت: التفاوض مستمر مع نقابات النفط بشأن مشروع البديل الاستراتيجي

إضراب لعمال النفط في الكويت بدءا من الأحد المقبل

عمال النفط بالكويت يرفضون البديل الإستراتيجي والخصخصة والمساس بحقوقهم

الكويت تحل اتحاد نقابات النفط واتجاه لتحويلهم للنيابة

‏«الوزراء» الكويتي: خسائر القطاع النفطي بسبب الإضرابات 20 مليون دينار يوميا

«البترول» الكويتية تعلن تشغيل جميع منشآتها وفق خطة إدارة الأزمات

عمالة خارجية لتشغيل المنشآت النفطية بالكويت.. ونقابيون يفتحون باب التفاوض

مراقبون: المناخ السياسي بالكويت قد يعوق مهمة الحكومة في التقشف

«إصلاحات مؤلمة» .. لمن؟

خصم 3 أيام عمل لمضربي القطاع النفطي بالكويت

الكويت تبقي الزيادة السنوية لرواتب عمال النفط لعامين ماليين رغم خطط التقشف

الكويت: 1500 دينار مكافأة لغير المشاركين في إضراب «النفط»

بماذا يخبرنا إضراب عمال النفط في الكويت حول الإصلاح الاقتصادي في الخليج؟