إيران.. هل بدأت معركة خلافة «خامنئي»؟

الثلاثاء 10 مايو 2016 12:05 م

في يوم 10 مارس/آذار، اجتمع الزعيم الإيراني الأعلى «آية الله علي خامنئي» مع مجموعة من رجال الدين الكبار في مجلس الخبراء في إيران (أشبه بمجلس الكرادلة في الفاتيكان). قبل بضعة أيام، وعلى وجه التحديد في يوم 26 فبراير/شباط، جرت انتخابات هذا المجلس الذي هيمن عليه من يعرفون بالمتشددين مقارنة بالمعتدلين بمقدار 3 أضعاف تقريبا. في صباح ذلك اليوم، وبينما كان يجلس في القاعة الصغيرة ذات الجدران المطلية باللون الأبيض، كان من الواضح أن أمرا بعينه يسيطر على عقل «خامنئي»: لقد كان يود التحدث عن خليفته.

هذا المجلس، الذي تم إنشاؤه في عام 1983 ويتكون بشكل رئيسي من 88 من رجال الدين الشيعة، يضطلع بمهمتين رئيسيتين هما الإشراف على أداء المرشد الأعلى واختيار خليفته. في ذاك الصباح، كانت الجلسة مخصصة لمناقشة المهمة الأخيرة. التفت «خامنئي» البالغ من العمر 77 عاما إلى جمهوره ووجه كلمة تأسيسية قوية لرجال الدين بمن فيهم أولئك الذين أعيد انتخابهم في المجلس للمرة الثانية. «أنا لن أبقى إلى الأبد. ولكن المرشد الأعلى ينبغي أن يكون ثوريا. يجب أن تتحلوا بأكبر قدر ممكن من النزاهة حين يتعلق الأمر باختيار المرشد القادم».

كانت الملاحظة تهدف إلى التلميح إلى كون بعض الشخصيات المجتمعة تنتقد إلى الحماس الثوري اللازم من وجهة نظر «خامنئي». وقد كانت تلك الطلقة موجهة بشكل رئيسي إلى الرجل الذي يجلس إلى جواره، البالغ من العمر 81 عاما، «علي أكبر هاشمي رفسنجاني». كان الرجلان صديقين ومتنافسين على مدار أكثر من نصف قرن وقد عقدا معا صفقة تاريخية في عام 1989 حين انتخبت إيران لآخر مرة مرشدها الأعلى، وقد تم بموجب هذه الصفقة الدفع بـ«خامنئي» إلى هذا المنصب.

ولكن في الوقت الراهن، يقف الرجلان موقفين متناقضين تماما في رؤية كل منهما لإيران. وهناك أمل ضئيل أن يتم عقد صفقة أخرى بينهما. وبعبارة أخرى، فإننا قد نشهد لعبة شد حبل ليس لها مثيل بينهما في المستقبل القريب. «خامنئي» و«رفسنجاني»، أحدهما يرمز إلى الوضع الراهن والآخر يرمز إلى وعود الإصلاح، يرى كل منهما عملية الخلافة على أنها منعطف جوهري بالنسبة لبلده وبالنسبة أيضا إلى إرثه الشخصي.

صديقان لكنهما متنافسان

يمكن رؤية تلميحات «خامنئي» في مارس/أذار على أنها استهلال لصراع يختمر على السلطة. وقد سبق للجمهورية الإسلامية أن دخلت في عملية الخلافة مرة واحدة من قبل في عام 1989، عندما أصبح «خامنئي» المرشد الأعلى بعد وفاة «آية الله روح الله الخميني». وقد كان هذا الأمر تحولا دقيقا للغاية امتد لمدة 5 سنوات على الأقل وانطوى على كثير من المؤامرات والمنعطفات والتقلبات والتي انتهت إلى تشكيل السياسات الإيرانية في الداخل والخارج. ومن المرجح أن تكون عملية الخلافة القادمة مصبوغة بشكل أكبر بالمنافسات الشخصية والفئوية.

لا يوجد أي شخص آخر يعلم حول هذه العملية أكثر من «خامنئي» و«رفسنجاني». كان كل منهما في مستهل الأربعينات عندما صعد إلى أعلى المناصب مستغلا علاقته الشخصية الوثيقة مع «الخميني». كلا الرجلين كانا من الأعضاء المؤسسين للحزب الإسلامي الجمهوري الذي تأسس عام 1981 بهدف تركيز السلطة المركزية في أيدي رجال الدين بعد سقوط المؤسسات والقوى الحليفة للولايات المتحدة وشاه إيران العلماني «محمد رضا بهلوي» في فبراير/شباط من عام 1979.

وقد ارتكزت شراكة «خامنئي» و«رفسنجاني» على قاعدة واحدة رئيسية وهي تحييد المنافسين المشتركين. خلال السنوات الأولى ن الثورة، قاد الرجلان جهود تهميش وطرد وحتى قتل المعارضة السياسية التي وقفت في طريقهما. في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1979 فقد اشترك الرجلان مع آخرين في هندسة إسقاط أول حكومة معتدلة في مرحلة ما بعد الشاه برئاسة رئيس الوزراء «مهدي بازركان».

وفي وقت لاحق، في صيف عام 1981، تواطأ «خامنئي» و«رفسنجاني» في إسقاط أول رئيس منتخب شعبيا للجمهورية الإسلامية، «أبو الحسن بني صدر». وقد قاما بالتشهير به على أساس كونه ليبراليا كان يبحث عن الإبقاء على إيران في الفلك الأميركي. وقد دبر الرجلان معا هذا التصويت المسرحي على اتهامه في البرلمان، ما أدى في النهاية إلى فراره إلى خارج البلاد.

لعبة السياسة

في ذلك التوقيت كانت علاقة الرجلين متوازنة بحكم أن كلا منهما كان يفتقر إلى المؤهلات الدينية، بما يعني أن منصب المرشد الأعلى، الذي كان محفوظا اسميا للرتب الأعلى في المؤسسة الدينية، كان مغلقا بالنسبة إليهما. وكان «الخميني» نفسه يعمل في حفظ هذا التوازن مع رغبته في عدم وجود منافسات داخل النظام الإسلامي. ولكنه في الوقت نفسه عمد إلى إحداث توزن بين «خامنئي» و«رفسنجاني» واستفاد من هذا التوازن في ترسيخ موقعه في السلطة. لكن «خامنئي» و«رفسنجاني» كانا على وشك الدخول إلى مسار تصادمي.

في الفترة التي سبقت وفاة «الخميني» في يونيو/حزيران 1989، كانت صلاحيات «رفسنجاني» آخذة في التوسع. بوصفه رئيسا للبرلمان في عام 1980 فقد قام «رفسنجاني» بتحويله إلى مركز رئيسي للنفوذ. جاء ذلك على حساب الرئاسة، التي تم احتلالها من قبل «خامنئي» بعد أكتوبر/تشرين الأول عام 1981.

وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 1984، حين سر شائعات حول مرض الخميني، سعى «خامنئي» لتأمين المزيد من الصلاحيات لرئاسة الجمهورية في الوقت الذي لا يزال فيه الرجل العجوز على قيد الحياة. قبل كل شيء فقد كان «خامنئي» يود أن يصير نائبا للخميني في قيادة الجيش وهو منصب قوي إبان الحرب العراقية الإيرانية.

اتهم «رفسنجاني» خصمه «خامنئي» بالفشل، وهي إهانة شخصية على الملأ من غير المرجح أن تمحى من عقله. لجأ الاثنان إلى انتقاد من بعضها البعض في وسائل الإعلام المملوكة للدولة، مما اضطر «الخميني» للتدخل لتهدئة الوضع. في أغسطس/آب عام 1985، تعرض «خامنئي» للإذلال مرة أخرى كرئيس حين لم يسمح له باختيار رئيس وزرائه وتم فرض «مير حسين موسوي»، حليف «رفسنجاني»، عليه لتولي ولاية ثانية. حمل «خامنئي» «رفسنجاني» المسؤولية، وأعلن في خطاب أمام البرلمان أن موسوي لم يكن من اختياره هو وأنه لم يكن قادرا على فعل شيء حيال ذلك. «الخميني»، الذي كان همس «رفسنجاني» في أذنه قد صار أعلى صوتا، أعلن أن اختيار أي شخص سوى «موسوي» كرئيس للوزراء سوف يكون خيانة للإسلام.

وربما توارت منافسة «خامنئي» و«رفسنجاني» عن أعين الجمهور ولكنها لم تنته بشكل تام في أي وقت. تظهر برقيات رفعت عنها السرية أنه حتى وكالات الاستخبارات الغربية كانت ترصد هذه المعركة على راداراتها، وأنها كانت تراقب عن كثب سعي كل من «خامنئي» و«رفسنجاني» إلى شد الدعم في صفوف القوات المسلحة الإيرانية من أجل خوض معركة خلافة «الخميني».

وعلى الرغم من كل ذلك، ومع تراجع الحالة الصحية للخميني في عام 1989 فقد أحيا «رفسنجاني» و«خامنئي» شراكة المنافع المتبادل بينهما والتي عملت بشكل جيد خلال الحقبة التي تلت سقوط الشاه. سوف يندم «رفسنجاني» في وقت لاحق على هذا القرار، ولكنه هو الذي دبر لرجل الدين متوسط الرتبة البالغ من العمر 49 عاما «على خامنئي» تولي خلافة «الخميني». كان هذا مثالا لا يضاهى للنفعية السياسية.

في جلسة مسجلة على شريط فيديو في مجلس الخبراء، ادعى «رفسنجاني» أن «الخميني» قال له «لا تنظر إلى أبعد من خامنئي» في اختيار الزعيم المقبل، وهو ما كان يعني تأمين المنصب لـ«خامنئي». إلى الآن، لا يوجد سوى كلمة «رفسنجاني» لإثبات هذا الادعاء، لكن «خامنئي» قد فاز بالفعل في ذلك اليوم. وكجزء من الاتفاقية، انتقل «رفسنجاني» إلى القصر الرئاسي، ولكن فقط بعد أن تم تعزيز سلطات الرئيس بشكل كبير، وتمت الموافقة على التدابير الجديدة باستفتاء رسمي على الدستور في يوليو/تموز عام 1989.

على مدى السنوات الثمانية التي قضاها في رئاسة البلاد، يمكن القول إن «رفسنجاني» كان هو الرجل الأقوى في السياسة الإيرانية. انتهج «رفسنجاني» سياسة خارجية جديدة شملت محاولات للتقارب مع الولايات المتحدة ودول عربية منافسة لطهران بما في ذلك المملكة العربية السعودية، بينما لم يجد معارضة تذكر من «خامنئي». داخليا، قام «رفسنجاني» بتدشين عصر إعادة الإعمار وهو برنامج اقتصادي شمل تحرير التجارة وتمويل العديد من من المشاريع الكبرى من خلال الاقتراض الدولي. ومرة أخرى فقد حظى البرنامج بدعم «خامنئي»، على الرغم من أنه من غير المؤكد إذا ما كان يملك خيارا آخر.

لكن «خامنئي» لم يكن ليكتفي بأن يكون مرشدا رمزيا. لقد أراد أن يصبح «خميني» آخر. وبعد مرور 27 عاما، يمكن لـ«خامنئي» أن يدعي أنه قد تم خذلانه من قبل حليفه ومنافسه، وأنه لم يتمكن من إطفاء نفوذ «رفسنجاني» أو التعامل مع العديد من الأسرار التي هدد بكشفها.

وقد حول «رفسنجاني» نفسه إلى رمانة الميزان في مجلس الخبراء. وإضافة إلى ذلك فقد نجح في أن يكون عرابا للفصائل الإصلاحية والمعتدلة في الجمهورية الإسلامية. وهو يعلن على الملأ أنه الداعم الرئيسي للحكومة المعتدلة للرئيس «حسن روحاني» وكان كثيرا ما يقذف نفسه في معارك ضد معارضي الرئيس، وهو يعتقد أن يفوز في هذه المعارك. كان شعور «رفسنجاني» بالثقة في المستقبل معروضا بشكل بارز على بورتريه منشور على غلاف مجلة «شارغ» الإصلاحية في 3 مايو/أيار وتحتها اقتباس منسوب له بالقول: «الآن أستطيع أن أموت بسلام».

ولكن هل يمكنه ذلك فعلا؟ خطاب «خامنئي» في 10 مارس/أذار والذي لمز «رفسنجاني» في مؤهلاته الثورية قد يشير إلى مخاوفه بشأن قدرة «رفسنجاني» على هندسة خلافته بنفس الطريقة التي جلبه بها إلى السلطة عام 1989. وقد قام «خامنئي» بالفعل بإطلاق رصاصته الأولى. قبل الانتخابات الأخيرة لمجلس الخبراء في فبراير/شباط، كان «رفسنجاني» وحلفاؤه قد أطلقوا حملة لترشيح «حسن الخميني»، الإصلاحي حفيد «آية الله الخميني» البالغ من العمر 43 عاما. وقد تم رفض ترشيح الخميني من قبل مجلس صيانة الدستور، المسؤول عن فحص صلاحية المرشحين المتقدمين، والذي يخضع مباشرة لسيطرة «خامنئي». وكانت الأسباب التي أعطيت لرفض «حسن الخميني» بالكاد مقنعة، بما في ذلك عمره، على الرغم من أنه تم قبول مرشحين أصغر سنا. وقد اضطر «رفسنجاني» في النهاية لقبول الأمر على مضض. في التسامح مع محاولة «الخميني» الفاشلة لدخول مجلس الخبراء فقدت شبكة «رفسنجاني» جولة في السباق الذي لا يزال محتدما.

من وجهة نظر الرجلين، فإن عملية الخلافة هي أكثر بكثير من مجرد سياسة، بما يشمل أن أسرهم وأقرب حلفائهم السياسيين سوف يكونون محميين من العقاب حال مغادرة السلطة.

هناك شيء واحد مؤكد وهو أن توقيت انضمام إيران إلى الاقتصاد العالمي وإعادة تأسيس العلاقات مع الغرب بعد سنوات من العداء، يضيف أهمية أكبر للصراع الحالي على السلطة. سوف تحدد هذه المرحلة الاتجاه الأيدولوجي للجمهورية الإسلامية ويمكن أن تشهد إيران تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية بالنظر إلى وجهات النظر العالمية المختلفة حول المعسكرين السياسيين المهيمنين في البلاد.

المصدر | فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

إيران خامنئي رفسنجاني الاتفاق النووي خلافة خامنئي روحاني المرشد الأعلى الغرب المشروع الإيراني

إيران.. ما تأثير فوز الإصلاحيين على وضع المنطقة؟

هل يمهد فوز الإصلاحيين في انتخابات إيران لانتعاش اقتصادي؟

«خامنئي».. من الماركسية الإسلامية لـ«شريعتي» إلى أيدولوجيا العداء للشيطان الأعظم

«بوليتيكو»: «خامنئي» أكثر المتشبثين بالاتفاق النووي رغم تصريحاته المتشددة

«علي مطهري» .. الرجل الذي وقف في وجه «خامنئي»

من سيخلف «خامنئي»؟ السيناريوهات المحتملة وأهم المرشحين

مع تدهور الحالة الصحية لـ«خامنئي» .. من هو المرشد الأعلى الإيراني المُنتظر؟

«خامنئي» يمنع شقيق «روحاني» ورئيس مكتبه من حضور اجتماعات الحكومة

تزايد حدة الخلافات بين «خامنئي» و«روحاني» بسبب شؤون الرئاسة

مرجع شيعي إيراني مدعيا: «خامنئي» يلتقي «المهدي» بأحد مساجد قُم

«خامنئي» يحذر من «حرب ناعمة» يشنها الغرب لإضعاف إيران

«أميركان إنترست»: لماذا لا يمكن أن نشهد إيران أكثر اعتدالا؟

«روحاني»: انتخاب «خامنئي» لقيادة الثورة جاء وفق «عناية ربانية»

«خامنئي»: طهران لا تعتزم التعاون في القضايا الإقليمية مع عدوتيها أمريكا وبريطانيا

مسرح الصراع على السلطة في إيران

«علي أصغر حجازي» رجل الظل في مكتب «خامنئي» وابنه نجم «فيلق القدس» الصاعد

«رفسنجاني» يكشف عن مفاوضات «سرية» لاختيار خليفة «خامنئي»

مرشحان رئيسيان و5 سيناريوهات لخلافة خامنئي