هل تصمد العلاقات الروسية الإيرانية في وجه الخلافات؟

الأحد 10 يوليو 2016 08:07 ص

تفهم المراقبون الروس منذ وقت طويل أن العداء بين الولايات المتحدة وإيران هو الدافع لإيران للسعي وراء علاقات قوية مع روسيا في العديد من المجالات بالرغم من التخوفات الإيرانية الدائمة من روسيا بسبب التدخل السوفييتي في الشؤون الإيرانية والخلافات حول بعض الأمور مثل ترسيم الحدود في بحر قزوين ومستويات إنتاج النفط والكثير من التأخير في تسليم أسلحة ومعدات من روسيا لإيران.

وقد عبر المراقبون الروس بعد ذلك أنه في حالة ما تحسنت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة فإنّ إيران ستتجه للغرب ولأمريكا متخلية عن روسيا. ومع المضي قدمما في الاتفاق النووي بين إيران وإدارة «أوباما» تحديدا، فإن أي تدخل لروسيا لإيقاف ذلك كان سيفشل ويظهر روسيا في مظهر الضعيف وغير المؤثر، وهكذا استسلمت روسيا للأمر الواقع، رغم أن هذا يعني أنها لن يعود لها أي تأثير على إيران بعد ذلك.

وحتى الآن، وبالرغم من التخوفات الروسية من نتائج الاتفاق النووي، إلا أن التعاون الروسي الإيراني قد زاد مؤخرا.

المصالح تتلاقى

يساهم عامل واحد في التعاون الروسي الإيراني، وهو الخوف المشترك لنظامي البلدين من احتمالية سعي الولايات المتحدة والغرب للإطاحة بهما بدعم «الثورات الملونة» ضدهما. وقد منع المرشد الأعلى الإيراني توسيع العلاقات مع الولايات المتحدة بعد اتفاق التعاون النووي. وجاء في مقالة للكاتب الإيراني «أكبر غانجي» في مجلة «ذا ناشيونال إنترست»: «رؤية خامئني للولايات المتحدة كعدو مشترك، هي الأساس للوحدة بين إيران وروسيا».

ومن المعروف للجميع الدور الذي لعبته كل من طهران وموسكو في دعم نظام «الأسد». فإيران وحلفاؤها من الميليشيات الشيعية في حزب الله أو العراق أو أفغانستان قد ساعدوا كثيرا في قتال المعارضة الداخلية التي تحارب «نظام الأسد». كما ساهمت روسيا بدور أكثر فعالية حين أنزلت قواتها للدفاع عن دمشق. وبعد أن خسر «الأسد» الكثير من الأرض لصالح المعارضة بالرغم من تلك المساعدات، أرسلت روسيا طائراتها لضرب أراضي المعارضة ومحاولة استعادتها لصالح «الأسد»، وقد أثبتت تلك المساعدات فيما بعد فاعليتها.

وقد زادت أشكال التعاون العسكري الأخرى بين روسيا وإيران. فقد أكدت وكالة الأنباء الروسية «تاس» بدء روسيا تزويد إيران بأنظمة الدفاع الجوي «إس - 300» في أبريل/نيسان 2016، بعدما كانت تلك الصفقة التي تم الموافقة عليها مسبقا في 2007 قد ألغيت في 2010 بواسطة الرئيس الروسي الأسبق «ديمتري ميديديف» خوفا من العقوبات الأمريكية، إلا أن «بوتين» قد أعلن في 2015 استئناف الصفقة بعد الاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة. بل زاد الأمر بإعلان «تاس» احتمالية تزويد روسيا لإيران بأنظمة إلكترونية ورادارات.

بالإضافة إلى أن التعاون الإقتصادي بين روسيا وإيران قد زاد مؤخرا، فقد أعلنت إيران أنها ستعطي الأولوية لروسيا في أي مجال صناعي تريد الاستثمار فيه. كما أعلن مسؤولون روس بأن روسيا قد وعدت بوضع إيران مكان تركيا في أولوية التصدير والاستثمار. ووقعت كل من روسيا وإيران مذكرة تفاهم بشأن تطوير السكك الحديدية واتفاقات أخرى حول البنى التحتية للنقل ومنها الموانئ البحرية، بالإضافة إلى التعاون في البحث عن المياه الجوفية، وزيادة التعاون في مجال التعليم.

تباين الإهتمامات

ورغم أن التعاون الروسي الإيراني قد زاد مؤخرا على غير المتوقع بعد الاتفاق النووي، إلا أن الروابط بين طهران وموسكو ليست في انسجام كامل. فهناك العديد من المظالم التي وقعت من روسيا على إيران في القرن الأخير والتي لازالت عالقة في نفوس الإيرانيين، بداية من دعم روسيا للانفصاليين في الحربين العالميتين وحتى دعم الاتحاد السوفييتي لـ«صدام» في حربه مع إيران التي استمرت ثمانية سنوات منذ 1980 ومرورا بالعديد من قضايا التدخل في الشئون الداخلية الإيرانية وغيرها.

وتظهر الحلقة الأخيرة أن موسكو غير ملتزمة تماما بالتعاون مع طهران في المجال الأمني كما يأمل قادة إيران. فبعد تصريح «علي أكبر» وزير الخارجية الإيراني السابق بعد زيارة لروسيا أن هناك شروط مسبقة لإتمام تحالف عسكري بين موسكو وطهران ودمشق وحزب الله، خرج مسؤول من وزارة الخارجية الروسية ليصرح أن مثل هذا التحالف غير مخطط له، وأنه محض خيال من «علي أكبر».

وهناك حدود أيضا للتعاون الاقتصادي بين الطرفين. ففي نفس التصريح الذي أعلنت فيه إيران إعطاء الأولوية لروسيا في الاستثمار، أعلنت أن رجال الأعمال الإيرانيين يعملون بقوة مع أوروبا، وفي الوقت الذي تقابلت فيه رؤى روسيا والسعودية بتجميد إنتاج النفط لدعم أسعاره، رفضت إيران ذلك، بل وأعلنت عزمها رفع مستويات الإنتاج إلى مستوى لم تصل له من قبل منذ العقوبات الأمريكية عليها. وكما تستغل إيران ضعف العلاقات الحالية بين روسيا وتركيا لزيادة الصادرات لروسيا، فإنها أيضا تبحث التوسع في صادراتها لتركيا.

وتختلف رؤية إيران التي توافق هذه المرة تركيا في التخوف من انفصال الأكراد داخل البلدين، مع روسيا التي تدعم الأكراد السوريين في الانفصال من خلال فيدرالية سورية.

وبينما تدعم روسيا دخول إيران في منظمة شنغهاي للتعاون، فإنها ليست منظمة للتعاون العسكري ولا تتضمن دفاعا مشتركا بين البلدان المشاركة في المنظمة، لذا فإن إنضمام إيران للمنظمة ربما يكون علامة على تحسن العلاقات الصينية الإيرانية أكثر من العلاقات الروسية الإيرانية.

والأكثر من ذلك، أنه بالرغم من إفراج روسيا عن صفقة «إس - 300»، فإنها ليست أحدث أنظمة روسيا للدفاع الجوي. وأخيرا، وبعد أن أعلن «بوتين» سحب الجزء الأكبر من قواته من روسيا في مارس/أذار 2016، أعلن الرئيس الإسرائيلي أنه تلقى تأكيدات من الرئيس «بوتين» أن هذا لن يؤدي لمنح إيران وحزب الله أي أفضلية لتهديد أمن (إسرائيل). مثل هذه التصريحات تجعل طهران تتساءل أي الأطراف تدعمها روسيا، بينما يرتبط العرب حلفاء أمريكا بعلاقات قوية مع (إسرائيل)، وهذا ما يجعل طهران محبطة من هذه العلاقات المتقاربة بين موسكو والدولة اليهودية.

خاتمة

لم يؤد الاتفاق النووي الإيراني لا إلى تقارب أمريكي إيراني ولا إلى تدهور في التعاون الروسي الإيراني. زاد التعاون الروسي الإيراني بدلاً من ذلك منذ الاتفاق. ورغم ما أظهرته طهران وموسكو من إمكانية للتعاون في العديد من المجالات، يصطدم هذا التعاون بحائط الاختلاف في بعض القضايا.

إلى هذا الحد، نجد أنهما إتفقا على ألا يتفقا في القضايا حيث تتباعد اهتماماتهما، إلا أنهما لا يسمحان لعدم الاتفاق بأي يؤثر على تعاونهما في القضايا التي تتقارب فيها اهتماماتهما. ربما يظل ذلك قائما إلى أن تظهر اختلافات حادة في قضايا تمثل أهمية قصوى لكل منهما. ربما يأتي ذلك مدفوعا برغبة روسيا في استيعاب العرب السنة في التسوية السلمية في سوريا على غير رغبة إيران، وربما يكون ذلك بسبب دعم أكبر من روسيا للأكراد في سوريا أو ربما في إيران أيضا، أو ربما بسبب تقارب وشيك بين أمريكا والغرب، وأحد طرفي العلاقة، روسيا أو إيران، على حساب الآخر وليس كليهما. إلا أنّ هذه الخلافات لا تبدو أنها قادمة في الوقت الحالي، وربما يستمر التعاون الروسي الإيراني لوقت طويل.

  كلمات مفتاحية

إيران روسيا سوريا الأكراد الاتفاق النووي الولايات المتحدة بشار الأسد

روسيا بين «إسرائيل» وإيران

«شمخاني» منسقا عسكريا بين إيران وروسيا والنظام السوري

«ستراتفور»: إيران وروسيا لا تحملان نفس الالتزام تجاه «الأسد»

«أوباما» مُستعد للعمل مع إيران وروسيا من أجل حل في سوريا بدون «الأسد»

بعد مواقفهما المشتركة...إيران وروسيا ستعززان تعاونهما العسكري

«واشنطن تايمز»: أحلام إمبراطورية.. روسيا وإيران تتحالفان لحكم الشرق الأوسط

العلاقات الإيرانية الروسية تثير الشكوك بشأن دور موسكو في المنطقة