السقوط الحر الذي شهده سعر النفط أخيرا محا أكثر من 20 مليار دولار من القيمة السوقية لشركات أمريكية منتجة للنفط قيل إنها «تُعدّ أهدافاً محتملة لأسماك القرش النفطية».
تحت عنوان «عندما تنفد أموال النفط»، When the Petrodollars Run Out، قال تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» أن انخفاض أسعار النفط حاليا يضر دول الخليج، ولكن صناديق الثروة السيادية التي تحتفظ فيها دول الخليج بأموال ضخمة من عائدات بيع النفط للأجيال المقبلة، «تتيح مجالا للمناورة».
التقرير تحدث عن اعتماد 20 بلدا على البترول بما يعادل نصف عائدات حكوماتهم، في أقل تقدير، و10 أخرى علي ما بين النصف والربع، وأن هذه الدول معرضة بشكل واضح للتغيرات الكبيرة في السعر والكمية من النفط والغاز التي قد تبيعها، وقد تواجه وقتا عصيبا في المستقبل عندما تنهار الأسعار أكثر بفعل قلة الطلب علي النفط أو وقف أمريكا الاستيراد، أو استمرار العرض الكبير ما يخفض الأسعار عالميا.
وقال أن أحد العوامل التي ستؤثر في كل دولة علي حدة هو مدي تنويع اقتصادياتها، ففي البلدان التي يعدَ البترول هو المسئول عن أغلب الإيرادات ستتضرر هذه الدول أكثر وسوف تعتمد على عائدات تحصيل الضرائب عندما يتراجع النفط والغاز، ومنها دول الخليج.
وأكد أن الإيرادات من بيع النفط والغاز سوف تنخفض في غضون بضعة عقود في البلدان التي لا يُحتمل أن تجد الكثير في طريق بحثها على احتياطيات جديدة، مثل نيجيريا والمملكة العربية السعودية، وقد تعاني الصناعات الأخرى المرتبطة بالبترول، مثل الكيماويات والتكرير.
وتحت سؤال: «ماذا سيعني ذلك بالنسبة لمستقبل الدول النفطية التي تعتمد كثير منها على عائدات النفط والغاز؟»، قال تقرير «فورين بوليسي» أن هناك دول صعب أن تتعافي من انخفاض أسعار النفط لأنه يشكل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي مثل نيجيريا، وأكثر وتشاد وروسيا وميانمار وساحل العاج، والتعافي من تأثير تراجع إيرادات الحكومة سيكون صعبا بالنسبة لأي منها.
أما البلدان التي تعتمد علي 40 في المائة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي من النفط والغاز، مثل جمهورية الكونغو والكويت وليبيا والسعودية والعراق والجابون وأنجولا وسلطنة عمان، فهي أيضا - وتحديدا معظم دول الخليج العربي – «قد لا يكون مقلقا جدا، وذلك لأن صناديق الثروة السيادية وفيرة، بحيث تتيح لها بعض المجال للمناورة إذا تراجعت أسعار الطاقة».
خفض النفط سلاح سياسي
وتفيد الإحصاءات بأن العرض العالمي للنفط خلال هذه الفترة فاق المعدل المسجل في العام السابق بهامش يراوح بين مليون ومليوني برميل يوميا، ووصل الفارق إلى أوجه في سبتمبر/أيلول الماضي حين بلغ 2.8 مليون برميل نتيجة بيع السعودية كميات كبيرة للزبائن في مختلف الأقاليم بأسعار منخفضة دون 40 دولارا للبرميل.
ويرى بعض المحللين لهذا الوضع في السوق أن بعض منتجي النفط الكبار - تحديدا الولايات المتّحدة والسعودية - يريدون الضغط على المنتجين الآخرين، أبرزهم روسيا وإيران، وبما أن كلا من الرياض وواشنطن يمكنهما تحمل تراجع نسبي للأسعار، فإن هذا يبدو محتملا لكسر تأثير موسكو وطهران في أي محادثات قائمة أو حرب دائرة.
وأما عن كيفية تحمل السعودية عبء تراجع السعر، فيرجعه مهتمون إلى اعتمادها على الكمية الهائلة لإنتاجها وعلى احياطياتها من العملات الأجنبية التي تصل إلى 750 مليار دولار في صناديق الثروة السيادية.
أما الولايات المتّحدة، كما يقول المحلل نفسه، فقد أثمرت تقنياتها الجديدة لاستخراج النفط الصخري خلال العقد الماضي، فائضا في الإنتاج، وقد أفادت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن إنتاج الولايات المتّحدة من «الوقود الأحفوري» بدأ بالارتفاع منذ عام 2009، وتسارعت الوتيرة في خمس سنوات ليبلغ المعدل 8.3 ملايين يومياً في النصف الأول من العام الجاري.
ولكن «فورين بوليسي» تحذر الخليج وأمريكا من أن «نار النفط لا تحرق فقط الروبل والريال والاقتصاديين الإيراني والروسي، إذ قد يحدث تراجع الأسعار تحولات في السوق الأميركية نفسها، فعندما يتراجع سعر النفط تتأثر ميزانيات الشركات الصغيرة ما يفتح شهية الشركات العملاقة صوب الاستحواذ وتعزيز مكانتها السوقية.
والأمر نفسه للسعودية التي ستخسر بعض العوائد من صناديق الثروة السيادية، فبالاستناد إلى بيانات جمعتها وكالة «بلومبرغ»، فإن السقوط الحر الذي شهده سعر النفط أخيرا محا أكثر من 20 مليار دولار من القيمة السوقية لشركات أمريكية منتجة للنفط قيل إنها «تُعدّ أهدافاً محتملة لأسماك القرش النفطية».
ويرجع تاريخ نشأة صناديق الثروة السيادية إلى عام 1953 عندما أنشئ أول صندوق كويتي أطلق عليه محليا أسم «صناديق الأجيال» لاستثمار ثروات الكويت في مشاريع استثمارية عالمية، وهي صناديق تقوم بإدارة واستثمار ثروات تعود ملكية بعضها إلى عائلات ثرية، وبعضها الآخر تملكه حكومات.
ومع أن الصين تمتلك أكبر هذه الصناديق في العالم بأصول تقدر بنحو 1.2 تريليون دولار أمريكي وتليها روسيا ، فإن جهاز أبو ظبي للاستثمار يعد واحداً من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم؛ حيث قدرت إجمالي أصوله بحوالي 875 مليار دولار أمريكي.
أما أبرز وأكبر صناديق الثروات السيادية فهي صندوق النرويج بثروة تقدر بحوالي 322 مليار دولار، وصناديق دول الخليج العربية «دول الخليج الستة تقدر صناديقها بـ 1.3 مليار دولار ويتوقع أن تزيد إلي 3 مليارات مع تزايد أسعار النفط».
أما الصناديق السعودية فيقدر احتياطيها بـ 750 مليار دولار، وهذه الفوائض أو العوائد النفطية تكفي لو جري استثمارها بشكل جيد لتحقيق طفرة في القوة الاقتصادية العربية ومن ثم القوة السياسية للعرب والمسلمين، ولكن يبدو أن دخول السعودية ودول الخليج في هذه المغامرة الأمريكية – التي دعا لها ابن الرئيس السابق «ريجان» – بإغراق السوق بالنفط لخفض الثمن وضرب عائدان روسيا وإيران، سيطال السعودية أيضا ويضعف عوائدها.