روسيا وإيران.. تنافس أم تعاون؟

الثلاثاء 30 أغسطس 2016 02:08 ص

يعدّ استخدام روسيا مؤخرًا لقاعدة جوية إيرانية لشن غارات على سوريا دليلًا على قوة العلاقة الحالية بين روسيا وإيران، وذلك بفضل الصراع السوري. وتوجد أسباب للاعتقاد باستمرار هذه القوة في العلاقة مع الوقت، لكن من المحتمل أن يصطدم البلدان في نقطة تعارض مصالح في المستقبل البعيد.

فرصة للتعاون

تملك كل من روسيا وإيران علاقات قوية مع الحكومة السورية منذ عقود. فروسيا تتمتع بتواجد عسكري داخل الأراضي السورية منذ عام 1971 (عندما أقام الاتحاد السوفييتي قاعدة بحرية له في طرطوس)، ومنذ ذلك الوقت عززت روسيا من دعمها العسكري والمالي للنظام السوري. أما إيران، فقد كان نظام «الأسد» حليفها الوحيد في الشرق الأوسط منذ الثورة الإيرانية عام 1979، كما شكلت سوريا رابطًا هامًا لإيران مع حزب الله في لبنان، أحد أهم أذرعها العسكرية.

ويشكل تحالف كل من روسيا وإيران مع النظام السوري حلفًا مضادًا للمصالح الغربية في المنطقة والمصالح الأمريكية على وجه الخصوص. ولهذا السبب تحديدًا، كان من الواضح تلاقي مساري روسيا وإيران بشكل أكبر وقت الأزمة (الحرب الأهلية في سوريا)، فمساعدة نظام «الأسد» ودعمه، بدت مفيدة لكلا الطرفين.

كيف وصل الأمر لما هو عليه الآن؟

يأتي استخدام روسيا مؤخرًا لقاعدة جوية في همدان داخل إيران لشن غارات على معارضي النظام السوري تتويجًا للتعاون بين روسيا وإيران. ورغم أن هناك توافقًا في مصالح البلدين داخل سوريا، إلى أن تلك الخطوة الأخيرة أظهرت تسارعًا في التقارب بين قيادة البلدين، حيث يتطلب الأمر الكثير من التقارب الدبلوماسي قبل السماح لقوة أجنبية باستخدام مرفق عسكري يقع داخل الأراضي السيادية. وتعد هذه الحالة هي الأولى من نوعها منذ ثورة 1979.

وقد تمت المناقشة كثيرًا حول التعاون الإقتصادي المتزايد بين إيران والصين خلال العقوبات الغربية على روسيا، ربما بسبب النتائج الجيوسياسية الكبيرة المترتبة على ذلك. وعلى الرغم من ذلك، فقد تحول الحال بين روسيا وإيران منذ أن أصبح الطرفان يعانيان عقوباتٍ وقعها نفس الطرف. كانت العقوبات الغربية دافعًا لهذين البلدين لتحالف أكثر قربًا، على الرغم من دعم روسيا سابقًا عقوبات وقعت بتفويض من الأمم المتحدة على إيران في عام 2011.

وبصرف النظر عن العقوبات الاقتصادية، فإن القوات العسكرية الأمريكية منتشرة في العديد من دول المنطقة المحيطة بروسيا وإيران، مثل تركيا وأفغانستان، مع وجود اعتماد ضخم على الأسلحة الأمريكية في السعودية. كل هذا دق ناقوس الخطر لدى روسيا وإيران من تعاظم نفوذ قوة عظمى أجنبية في ساحاتهم الخلفية.

علاقات متذبذبة

يستند التعاون الحالي بين روسيا وإيران إلى التقاء مصالحهما في ساحة معركة الحرب الأهلية السورية، كما يشترك البلدان في مواجهة السيطرة السياسية الغربية بقيادة الولايات المتحدة على العالم. ويبدو الأمر يومًا بعد يومٍ في سوريا حربًا بالوكالة بين القوى العظمى حول مصالحهم الاستراتيجية في المنطقة، بدلًا من محاولة خلق مجتمعٍ يتسع لكل الفئات والطوائف داخل سوريا. ولكن إذا أخذنا في الاعتبار تاريخ العلاقات السياسية بين روسيا وإيران، والحالة الجيوسياسية الحالية في المنطقة، نجد أن هذا الأساس الوحيد للتعاون يتسم بالهشاشة، لكن هناك بعض الاتجاهات التي من الممكن أن تؤدي لتجسيد هذه العلاقات الإيجابية.

وتعاني إيران من ذكريات سلبية حول روسيا حينما خاض البلدان حربًا في القرن الـ 19، وهي الحرب التي أدت بإيران إلى التخلي عن منطقة جنوب القوقاز ما أدى إلى انقسام شمال محافظة أذربيجان. ولازالت التبعات الجيوسياسية لها الأمر موجودة حتى الآن. وكان جنوب القوقاز جزءًا من الإمبراطورية الروسية، ومن الاتحاد السوفييتي بعد ذلك حتى عام 1991. ولازالت روسيا تملك نفوذًا في المنطقة، لكن إيران قد مدت جسور التواصل مع المنطقة من جديد وبخاصة مع جورجيا وأرمينيا اللتين تجدان في إيران بديلًا تجاريًا لروسيا. وربما نرى في المستقبل القريب صراعَ نفوذٍ في منطقة جنوب القوقاز بين روسيا وإيران، إذا ما قرر التاريخ تكرار نفسه. على الرغم من ذلك، ربما كانت تلك المنطقة منصة جديدة لتعاون أبعد، فبلدان جنوب القوقاز غير قادرة على فرض مصالحها في مواجهة مصالح القوى العظمى، ما يجعلها أرضًا لتعاون متوقع بين روسيا وإيران في مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة، والذي تحاول الولايات المتحدة فرضه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.

ويمكن استغلال الأزمة السورية كأساس لروسيا وإيران نحو بناء تحالف أكثر صلابة مع دول الشرق الأخرى مثل الصين لفرض توازن قوى جديد في السياسة الدولية. إيران الآن مرشحة لدخول التحالف العسكري الذي تقوده روسيا، تحت مسمى منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO)، ومرشحة أيضًا لتدخل منظمة تعاون شنغهاي كعضو مراقب، وهي منظمة سياسية واقتصادية وعسكرية، تقودها الصين وروسيا كعضوين أساسيين.

وربما يشكل رفع العقوبات الواقعة على إيران مؤخرًا، متنفسًا لها لترى نفسها كقوة إقليمية داخل «الحي الروسي»، ولا سيما في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى. وأدى كشف روسيا النقاب عن استخدامها لقاعدة همدان الجوية، إلى انتقادات حادة من بعض المسؤولين الإيرانيين البارزين لإعلان روسيا ذلك على الملأ. وهذه إشارة إلى أن إيران لن تسمح أن يُلعَب بها كما كان الأمر في الماضي.

هل من المرجح استمرار هذا التعاون؟

تنبئ الاتجاهات العامة التي سردناها بالأعلى عن علاقات أقوى بين البلدين. وربما كان الصراع السوري فرصة مؤقتة للتعاون، لكن لازال هناك أسبابٌ أخرى لاستمرار التعاون الثنائي في المستقبل القريب. ومع ذلك، وعلى المدى الطويل جدًا، ربما يؤدي تطلع البلدين لتاريخهما الإمبراطوري إلى عودة التنافس بينهما.

  كلمات مفتاحية

روسيا إيران سوريا بشار الأسد العلاقات الإيرانية الروسية

«ستراتفور»: لماذا تكثف روسيا نشر طائراتها في قاعدة همدان الجوية في طهران؟

«ذا ناشيونال إنترست»: العلاقة بين روسيا وإيران أضعف مما يتصور الجميع

«ستراتفور»: إيران وروسيا لا تحملان نفس الالتزام تجاه «الأسد»

بعد مواقفهما المشتركة...إيران وروسيا ستعززان تعاونهما العسكري

مسؤول بالخارجية الإيرانية: «المحور الغربي الجديد» حليف موثوق به أكثر من روسيا