التوترات في القدس .. خطوات لمنع انفجار البركان

السبت 1 نوفمبر 2014 06:11 ص

من أودي ديكل وعومر عناب: تصاعدت  في الفترة الاخيرة موجة مقلقة من التدهور في الوضع الامني في القدس، والتي تعبر عن نفسها في التوتر المتصاعد بين سكان المدينة  اليهود وبين سكانها العرب، بوتيرة متزايدة من الاحتجاجات العلنية والعنف من قبل سكان شرقي المدينة. الحديث يدور عن تصعيد تدريجي، رغم السيطرة عليه، الا انه يمكن في داخله احتمال الانفجار بسبب النشاط المتراكم من الاحداث. من هنا تنبع اهمية وجدية تفكيكها – من دون ان يتم دفع ثمن سياسي او امني مرتفع.

 بدأ مسار التدهور مع مقتل الفتى محمد ابو خضير على خلفية قومية على ايدي يهود وذلك في الثاني من تموز من العام 2014، فيما اعتبر ردا انتقاميا على خطف وقتل ثلاثة من الفتية الاسرائيليين في منطقة الخليل في الشهر الذي سبق ذلك. فقد خلق مقتل الفتى اضطرابات كبيرة في اوساط سكان القدس من العرب ، الذين بدأوا بالاحتجاج والتظاهر في احيائهم. وقد حملت هذه المظاهرات غالبا طابعا عنيفا شملت إلقاء الزجاجات الحارقة ورشق الحجارة – وهو ما تسبب فيما تسبب الى وقف مسار القطار الخفيف في عدة احياء وبشكل رئيسي في شعفاط. ومنذ ذلك الحين استمرت اعمال العنف والاعمال التخريبية، ودخلت مجال التصعيد. ففي الرابع من تموز من العام 2014 صدم سائق جرافة عربي بحافلة ركاب ودهس شابا حتى الموت. وفي نفس اليوم اطلق راكب دراجة نارية النار على جندي بالقرب من نفق هار هتسوفيم، وفي 23 من تموز اطلقت النار على طفل عربي من مخيم شعفاط للاجئين. وفي الـ 7 من ايلول توفي شاب عربي نتيجة الاصابة التي اصيب بها نتيجة اطلاق النار عليه من قبل افراد من الشرطة خلال المظاهرة التي اندلعت في وادي الجوز، وفي 22 تشرين اول قتلت طفلة نتيجة حادثة دهس في محطة القطار الخفيف، وشهدت نفس الفترة هجمات عنيفة من قبل اليهود ضد العرب: من بينها مهاجمة اثنين من الفتية العرب في الـ 25 من تموز من قبل مجموعة شبان يهود في حي النبي يعقوب حيث اصيبوا اصابات بليغة .

 كما يوجد هناك عناصر تحريضية إضافية ساعدت على الاحتكاك، كشراء بيوت والاستيطان اليهودي في الاحياء العربية، بمبادرة من جمعيات ايديولوجية يهودية. وعلى هذه الخلفية نشبت مواجهات عنيفة. قام بها جزء من السكان العرب في المدينة، الذين يرون في مثل هذه التصرفات تعبيرا عن سياسة الحكومة الاسرائيلية، التي تهدف الى السيطرة على مناطق إضافية في شرقي القدس، من خلال فرض الوقائع في المدينة مما يشكل تهديدا للطابع العربي في احيائهم.

وفي نفس الوقت، تفاقم التوتر في المدينة حول مسألة جبل الهيكل حيث تشكل مسألة السيطرة عليه نقطة حساسة وذات تبعات كبيرة. حيث قامت الشرطة وبمناسبة الاحتفال باعياد تشرين وانطلاقا من نقطة الحفاظ على الامن والنظام العام، بتغيير ترتيبات الدخول الى الى باحات الحرم وتم فرض تقييدات على دخول المصلين الى المساجد ايام الجمعة. واحتجاجا على ذلك أقام المسلمون صلوات جماعية خارج ابواب المدينة القديمة من القدس، مما ساهم في تصعيد التوتر. وفي المقابل ازداد معدل الجماعات اليهودية الذين زاروا جبل الهيكل وحاولوا إقامة الصلوات فيه. هذه الاعمال، ومع مبادرات تشيعية من قبل اعضاء الكنيست، فسرت كمحاولة اسرائيلية لتغيير الوضع القائم في المكان المقدس. ومما ساعد في ذلك الزيارات التي قام بها وزراء واعضاء كنيست الى جبل الهيكل بالاضافة الى تفوهاتهم فيما يتعلق بالموضوع . وكما حصل في الماضي حدث ايضا هذه المرة حيث قوبلت هذه الاعمال بمعارضة فلسطينية كبيرة. وفيما عدا الصعوبات الاساسية المرتبطة بالتوتر على خلفية دينية ، فقد خلق تواجد المصلين اليهود تقييدات على اوقات الصلاة للمسلمين وعلى اوقات تواجدهم في المكان. هذه التقييدات، حسب ادعائهم، فسرت ردود الفعل الغاضبة من قبلهم.  حيث قام الفلسطينيين اكثر من مرة – اغلبهم من ابناء الشبيبة الذين ينتمون الى الحركة الاسلامية حماس – بالاعتداء على افراد الشرطة الذين تواجدوا في المكان كما قاموا بحرق نقطة للشرطة. وعلى عكس السابق ، اصرت الشرطة على إعطاء الفرصة للمصلين اليهود لتفقد المكان خلال الاعياد وامتنعت عن اتخاذ خطوات الحذر الواجبة خوفا من المواجهات مما اثار الغضب والاستياء الذي ترافق مع اعمال العنف والتحريض، مما تسبب بوقوع اصابات في اوساط الطرفين والقيام باعتقالات. ودخل رئيس السلطة محمود عباس على القضية ودعا الى تعزيز التواجد في المكان المقدس من خلال منع اليهود من التواجد فيه .

احتمال فقدان السيطرة ووقوع ضرر استراتيجي

من الممكن ان تحمل عواقب التصعيد والتوتر في شرقي القدس  العديد من الابعاد تجاه اسرائيل: اولا، تعميق الكراهية المتبادلة التي ترسخت بين الجمهور الاسرائيلي والجمهور الفلسطيني في اعقاب الحرب التي نشبت بين اسرائيل وحماس في الصيف الفائت. بالاضافة الى الفقدان المطلق للثقة بين القيادة الاسرائيلية والفلسطينية. حيث لم تعد عملية السلام مطروحة على جدول الاعمال حاليا، واحد نتائج فشلها هو فقدان الدعم لعملية سياسية مرتبطة بتنازلات من قبل الطرفين وشكلت القدس بشكل خاص المكان الابرز لذلك. حيث تعارض اغلبية واضحة من الاسرائيليين تقسيم المدينة في اي تسوية مستقبلية.

ولا داعي للغوص بعيدا في الذاكرة من اجل التعرف على خيار الانفجار المحتمل للوضع في المدينة، حيث هناك اهمية لخلفية وتعبير اي حادثة محلية. ففي ايلول من العام 1996 فقد اشعل فتح نفق الهيكل مواجهات عنيفة في انحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي نتج عنها ثمنا باهظا من كلا الطرفين. وذهاب اريئيل شارون الى جبل الهيكل خلال فترة الاعياد في ايلول من العام 2000 اعتبرت استفزازا وكانت سببا في اشتعال الانتفاضة الثانية. وعلى الرغم من ذلك لم يتم الاعداد بعد للادوات التي تمنع اشتعال الاوضوع بشكل عنيف في القدس.

ثانيا، التصعيد في القدس بشكل عام وفي جبل الهيكل بشكل خاص من شأنه المس بشبكة العلاقات الاسرائيلية مع الاردن ومع اصدقاء اسرائيل وبشكل خاص الولايات المتحدة. اما بخصوص الاردن، ففي هذه الايام تمر الذكرى العشرين لتوقيع اتفاق السلام بين اسرائيل والمملكة- هذا الاتفاق الذي يحمل اهمية استراتيجية من الدرجة الاولى للبلدين الذي بقي مستقرا على الرغم من الخلافات الكثيرة. ومع ذلك فإن احد المواضيع الاساسية بالنسبة للاردن هو العلاقة الدينية والتاريخية للعائلة المالكة الهاشمية تجاه الحرم الشريف، ففي العام الماضي وقع عباس والملك عبد الله على اتفاق لتعزيز الدفاع عن المكان المقدس، والذي حتفظ على مكانة الاردن الرائدة في هذا المجال. ولم يتردد الاردنيين وفي مقدمتهم الملك عبد الله في ان يسمعوا صوتهم إزاء التصعيد الحاصل في المكان، وهاجموا اسرائيل بشدة ووجهوا تحذيرات لاي محاولة لتغيير الوضع القائم معتبرين ذلك خطا احمرا يعرض اتفاق السلام بين البلدين للخطر. كما تتوقع اسرائيل ان تكون هدفا لانتقادات دولية ، وبشكل خاص على خلفية تجميد عملية السلام، في حال استعملت اليد القاسية ضد الاحتجاجات والمظاهرات والعنف من قبل المصلين الفلسطينيين في القدس.

ثالثا، من شأن الاحداث في منطقة الشرق الاوسط التي تتسم بعدم الاستقرار وبالصاراعات العرقية والطائفية والدينية والقبلية، الى جانب محاربة تنظيم الدولة الاسلامية، ان تخلق شعورا بصرف النظر اقليميا ودوليا عما يدور في القدس، ومع ذلك فإن من شآن تطورات درامية في القدس ان تشكل احتمالا لان تكون الكرت الذي “يغير قواعد اللعبة”. فالحساسية الدينية التي تسود في المكان من شأنه ان تخلق تأثيرا على دوائر واسعة  تبدي تضامنا مع المكان وان تثير في جميع انحاء العالم العربي والاسلامي موجات دعم لسكان المدينة العرب بدرجات عنف متفاوتة.

لقد حاولت حكومة اسرائيل وبلدية القدس وشرطة اسرائيل التقليل من من خطورة الاحداث في المدينة، من خلال الثقة بإنه من الممكن اعادة الهدوء والحالة القائمة الى القدس بشكل عام والى جبل الهيكل بشكل خاص، بدون معالجة المشاكل الاساسية لشرقي القدس والاحياء العربية فيها. ومع ان هذه المشاكل ثقيلة ومعقدة، الا ان معالجتها تستند الى رؤية بعيدة المدى وتشمل التطرق الى الفجوة التي تتسع بين شقي المدينــــــــة: فالمستوى الاقتصادي لسـكان شرقي القدس منخفض ( فحوالي 80% من الاطفال يعيشون تحت خط الفقر): البنى التحتية والخدمات الحكومية والبلدية في الجزء الشرقي من المدينة تعاني من اهمال عميق ودائم: ازمة السكن والازدحام بدون تصاريح لبناء: الشعور بالعزل والحصار لدى السكان العرب بسبب الجدار الامني، يضاف الى كل ذلك المخاوف من فقدان هوية سكان القدس، في حال الغياب المتواصل عن المدينة، وجميع ما ذكر يشكل عوامل احباط وتطرف وتعزيز لمكانة العناصر الاسلامية، بحيث تشكل تربة خصبة لاشتعال العنف .

توصيات

على حكومة اسرائيل في الوقت الراهن ان تعمل بتصميم على تخفيض حدة التوتر ولتهدئة القضايا المشتعلة في اطار اتخاذ الخطوات التالية 1- تصريح علني وقاطع من قبل رئيس الحكومة ان الدولة سستحافظ على الوضع الذي كان قائما في جبل الهيكل في العام 1967. 2 – منع التصعيد من قبل عناصر اسرئيلية متطرفة في جبل الهيكل .وفي المقابل يجب التخفيف على المصلين المسلمين بدخولهم الى جبل الهيكلمع تعهد من الاوقاف بعدم استغلال هذه التخفيفات لتنظيم المظاهرات والقيام لأعمال العنف. 3 -  دعوة الاردن لارسال مندوبين لكي يقوموا عن كثب بفحص ما يدور في جبل الهيكل. 4 -  التعاطي مع العناصر التي تقوم بالتحريض على اعمال العنف من كلا الطرفين بكل حسم وصرامة . 5 – كبح عمليات اسكان البيوت التي تم شراؤها في الاحياء العربية من قبل الجمعيات التيمينية خلال الفترة الحالية.

في المقابل، على حكومة اسرائيل وبالتعاون مع بلدية القدس بلورة خطة شاملة لمعالجة كافة المشاكل الاساسية التي تعاني منها الاحياء العربية في المدينة . ومن المناسب ايضا دمج السكان العرب ببلورة الخطط وتنفيذها لاحقا . كذلك تحسين جوهري للوضع في شرقي المدينة يؤدي الى الاستقرار والانتعاش الاقتصادي ، ويخدم الرؤيتين السياسيتين المتنافستين حول مستقبل المدينة : رؤية المدينة الموحدة التي تتطلب تقليص الفجوات بين شطري المدينة ، والرؤية التي ترفع راية تقسيم المدينة في إطار الانفصال عن الفلسطينيين في ظل حل دائم والتي تقول انه طالما كانت كافة الظروف في الجانب الفلسطيني حسنة ،  فإن ذلك سيعزز من مكانة عناصر الاستقرار ، ويقوي التعاون المشترك،  ويمنع تسلل العناصر المتطرفة التي تدعو الى التحريض والتوتر في المدينة.

المصدر | نظرة عليا (عبرية)

  كلمات مفتاحية

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يعلن النفير العام لحماية الأقصى

إسرائيل تصادر آلاف الدونمات من أراضي قرية جنوب القدس