استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الثقافة العربية والمركزية الغربية

الاثنين 3 أكتوبر 2016 03:10 ص

لا يتأتى الدفاع عن الهوية الثقافية في مواجهة المتغيرات الدولية عن طريق الانغلاق على الذات ورفض الغير. فهذا تصحيح خطأ بخطأ، ومجموع الخطأين لا يكون صواباً. 

وإنما يتأتى ذلك أولًا بإعادة بناء الموروث القديم، المكون الرئيس للثقافة الوطنية، بحيث تُزال معوقاته وتستنفر عوامل تقدمه، وكلا العنصرين موجود في الثقافة. وتتم إعادة الموروث القديم بتجديد لغته من اللغة القطعية والألفاظ التشريعية إلى اللغة المفتوحة والألفاظ الطبيعية. 

وتغيير مستويات تحليله من المستوى الميتافزيقي التقنيني إلى المستوى الإنساني الحسي التحرري. فالتراث القديم، وهو الرافد الرئيس في الثقافة الوطنية، نشأ في عصر مضى، وفي مرحلة تاريخية ولّت منذ قرون عديدة. ولم يعد معبراً عن مطالب العصر وإن كان قد عبّر عن مطالب عصر مضى.

لقد تغير العصر كله، من الإبداع إلى النقل، ومن الاجتهاد إلى التقليد، ومن العقل إلى النقل، ومن الحرية إلى القدَرية. وهذا يحتم إبداع ثقافة جديدة تعبر عن ظروف العصر من احتلال وقهر وتجزئة وظلم اجتماعي وتخلف وتغريب ولامبالاة. هم رجال ونحن رجال، نتعلم منهم وقد لا نقتدي بهم في كل التفاصيل. 

تكون البداية على الأقل بإعادة الاختيار بين البدائل، واختيار الأصلح لنا الذي ربما لم يكن أصلح للقدماء، وربما لم يكن اختيار القدماء في عصرهم أصلح لنا في عصرنا. فإن لم تسعف البدائل القديمة، فعلى الثقافة العصرية إبداع بدائل جديدة تكون إضافة من هذا الجيل على اجتهادات الأجيال السابقة. وعلى هذا النحو يمكن تجديد الثقافة العربية. إذ لا تعني الخصوصية الانغلاق والتقليد والانكفاء على الذات واستبعاد الآخر والخوف من العصر. 

بل تعني الخصوصية البداية بالأنا قبل الآخر، وبالقريب قبل البعيد، وبالموروث قبل الوافد، كما فعل القدماء في تأسيس علم الأصول، أصول الدين وأصول الفقه بل وعلوم التصوف منذ القرن الأول قبل الترجمة في القرن الثاني وإنشاء الفلسفة في القرن الثالث. وتعني الخصوصية أدبياً، البداية بالجذور قبل الثمار، وبالجذع قبل الأوراق، وبالطين قبل الماء، وبالأرض قبل السماء.

ويتطلب الدفاع عن الهوية الثقافية، ثانياً، كسر حدة الانبهار بالغرب، ومقاومة قوة جذبه، وذلك برده إلى حدوده الطبيعية، والقضاء على أسطورة الثقافة العالمية. فكل ثقافة مهما ادعت أنها عالمية تحت تأثير أجهزة الإعلام فقد نشأت في بيئة محددة، وفي عصر تاريخي معين. ثم انتشرت خارج حدودها بفعل الهيمنة وبفعل وسائل الاتصال. فلماذا يُطبق المركز مناهج علم اجتماع المعرفة والأنثروبولوجيا الثقافية على ثقافات الأطراف ويستثنى نفسه منها؟ ألا يمكن أن يصبح الدارس مدروساً، والملاحِظ ملاحَظاً، والذات موضوعاً؟

وهنا تأتي أهمية إنشاء علم «الاستغراب» من أجل تحويل الغرب من كونه مصدراً للعلم كي يصبح موضوعاً للعلم. فيتم القضاء على أسطورة الثقافة العالمية المنتشرة خارج حدودها نظرياً، وفي الممارسة تمارس المعيار المزدوج، قيم التنوير داخلها، ونقيضها خارجها، الحرية والديموقراطية والعقل والعلم والتقدم والمساواة في الداخل، في المركز، والقهر والتسلط والخرافة والجهل والظلم الاجتماعي في الخارج، في الأطراف! 

كما تنتهي علاقة مركب النقص في الأطراف مع مركب العظمة في المركز، ويصبح كلاهما دارساً ومدروساً، ذاتاً وموضوعاً، ملاحِظاً ولاحَظاً. فإذا كان الغرب يقوم بدور الذات وثقافات الأطراف بدور الموضوع في «الاستشراق»، فإن الغرب يقوم بدور الموضوع وثقافات الأطراف بدور الذات في «الاستغراب». 

هنا تتحرر الأنا من عقدة الخوف، وتنشئ لها مشروعها المعرفي المستقل وتكون لها طموحها العلمي، وتقضي على عقدة الرهبة من الآخر وتبين حدود مشروعه وطموحه العلمي وتحوله إلى شيء اليوم كما حولها هو إلى شيء بالأمس.

على هذا النحو تكمل الأنا تحررها الثقافي تطويراً لتحررها السياسي والاقتصادي وحفاظاً عليهما. وتنهي الأشكال الجديدة للهيمنة القديمة، وتعيد التوازن لحوار الحضارات، وتجعلها كلها على مستوى التكافؤ والندية، بحيث يمكن كتابة تاريخ البشرية بطريقة أكثر عدلًا. 

فلا يعتبر ما قبل العصور الحديثة بدايات التاريخ، وسيطاً وقديماً وكأن ما قبلهما العماء، وما بعد العصور الحديثة هو التاريخ وما بعده الخواء. إن الإنسانية أوسع رحاباً من أن تُحصر في تاريخ الغرب الحديث، والتاريخ أكثر عمقاً من أن يبتسر في العصر الحديث.

* د. حسن حنفي أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة

المصدر | الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية

الثقافة العربية المركزية الغربية الهوية الثقافية المتغيرات الدولية الأطراف علم إعادة بناء الموروث