تركيا تحظى بـ«مشروع القرن»

السبت 6 ديسمبر 2014 05:12 ص

أثناء زيارته لتركيا في الأول من الشهر الجاري، أعلن الرئيس الروسي عقب لقائه نظيره التركي، تخلي روسيا عن مشروع «السيل الجنوبي» لنقل الغاز الروسي إلى جنوب ووسط أوروبا.

تقول مصادر روسية «إن هذا القرار اتخذه بوتين شخصيا». وحمّل بوتين الأوروبيين المسؤولية عن قراره لوضعهم عقبات كثيرة أمام هذا المشروع ولضغطهم على بلغاريا، وهي من بلدان الترانزيت في المشروع، لوقف مد الأنابيب عبر أراضيها. وبحسب بوتين، فإن بلغاريا سوف تخسر 400 مليون دولار سنوياً، كان يمكن أن تحصل عليها مقابل ترانزيت الغاز عبر «ساوث ستريم». 

إن تراجع روسيا عن تنفيذ ما كان يسمى منذ ثمانية أعوام بـ«مشروع القرن»، مثّل مفاجأة حتى لأنصار «السيل الجنوبي» في أوروبا كالنمسا والمجر، حيث لم يتشاور معهم الكرملين. ويعتقد الروس أنه يمكن تزويد سلوفاكيا والنمسا والمجر بالغاز عبر تشييد خطوط أنابيب متفرعة عن خط «السيل الشمالي»، الذي ينقل الغاز الروسي عبر قاع بحر البلطيق الى ألمانيا. ولكن صربيا وبعض دول غرب البلقان الصغيرة، وكذلك ايطاليا التي تعتبر ثالث سوق لشركة «غاز بروم»، ستبقى مرتبطة لبعض الوقت بتوريد الغاز عبر أوكرانيا.

ويرى خبراء روس أن التخلي عن «السيل الجنوبي» يكبد روسيا خسائر مالية مباشرة، حيث أُنفق على المشروع مليارات عدة من الدولارات. كما أن المصانع الروسية كانت تراهن على كسب نحو 1,8 مليار يورو جراء إنتاج الأنابيب اللازمة لهذا المسار. ونتيجة لتصدير 63 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً عبر هذا الخط، كانت روسيا تُخطط للحصول على عوائد بأكثر من 25 مليار دولار.  

ولكن خبراء روساً آخرين يعتقدون أن ما أنفقته شركة «غاز بروم»، بالإضافة إلى المعدات والأنابيب التي جرى تصنيعها، يمكن استخدامها في بناء المسار الجديد للغاز عبر تركيا. فالروس يراهنون على نقل كمية الغاز نفسها التي كانت مخصصة لــ«السيل الجنوبي» بواسطة خط الأنابيب الجديد لنقل الغاز عبر البحر الأسود باتجاه تركيا، منها 14 مليار متر مكعب سوف تبقى في تركيا، فيما تذهب الكمية المتبقية باتجاه اليونان.

ونرى أن قرار بوتين بالتخلي عن «السيل الجنوبي» والتوجه إلى مسار جديد عبر تركيا كان اضطرارياً، بدرجة ما، بسبب الضغوط الأوروبية. ففي حزيران الماضي حصل بوتين على دعم النمسا لــ«السيل الجنوبي» أثناء زيارته لها. وكان من المفترض ان يبدأ تصدير الغاز بكميات أولية من هذا المسار في 2015، إلا أن الاتحاد الاوروبي واصل وضع العقبات أمام المشروع حيث طالب بكسر احتكار شركة «غاز بروم» كمُنتج وناقل للغاز في آن واحد، وذلك عملا بــ«حزمة الطاقة الثالثة»، التي ترى الفصل بين مُنتج الغاز ومُصدره. وبالمناسبة،

هذا يُطبق على جميع موردي الطاقة في الاتحاد الاوروبي. بالطبع، الأزمة الأوكرانية لعبت دوراً مهماً آخر في تشدد الاوروبيين تجاه «السيل الجنوبي»، حيث تقدمت السياسة على الاقتصاد. فقد كان من المفترض أن يعمل «السيل الجنوبي» بكامل طاقته في العام 2018، وحينئذ كانت ستخرج أوكرانيا تماما من لعبة نقل الغاز الروسي الى أوروبا.

ويرُجح أن حسابات الكرملين بُنيت في هذا الموضع على أساس أنه ليس هناك فرق كبير بالنسبة إلى روسيا ما بين «السيل الجنوبي» و»السيل العثماني» الجديد، فكلاهما يحقق أحد أهداف موسكو الرئيسية باستبعاد تصدير الغاز الروسي عبر أوكرانيا، التي يمر عبرها اليوم نحو نصف الغاز الطبيعي الروسي.

لكن موسكو كانت مضطرة لمنح تركيا مكافأة مقابل هذا التعاون، تتمثل في تخفيض أسعار الغاز لها بنسبة 6 في المئة، قد ترتفع مستقبلا إلى 15 في المئة. ومع ذلك، هناك شكوك في أن يؤدي خط الأنابيب الجديد لنقل الغاز عبر تركيا إلى زيادة الطلب على الغاز الروسي، لأن أنقرة، في جميع الأحوال، تسعى إلى تنويع مصادر الحصول على الغاز، بما في ذلك من أذربيجان وإيران، إضافة إلى الغاز الطبيعي المسال. كذلك هناك بعض الشكوك أيضا بشأن تخلص روسيا من مخاطر «ترانزيت» غازها الطبيعي بالاعتماد على تركيا.

واللافت أنه برغم أن تركيا تعتبر عضواً في «حلف شمال الأطلسي»، وكانت شوكة لهذا الحلف في خاصرة الاتحاد السوفياتي السابق، وبرغم أنها تعترض على ضم القرم إلى روسيا وسلوكها في أوكرانيا، وتلعب في «الحديقة الخلفية» لروسيا سواء في القوقاز أو آسيا الوسطى وتختلف معها بشأن الأزمة السورية ومصير بشار الأسد، إلا أن الكرملين غلّب مصالحه الاقتصادية على اعتباراته السياسية، وإن كانت هذه الخطوة لا تخلو من بعض الأبعاد الجيوسياسية.

استغلت موسكو في خطوتها نحو تركيا التباين الحالي بين أنقرة وواشنطن والخلافات مع أوروبا حول انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. وهي تُدرك، في الوقت ذاته، أن التحالف الذي يتسم بطابع استراتيجي بين الولايات المتحدة وتركيا غير قابل للتمزق.

إن انتقال روسيا من «ساوث ستريم» إلى «ستريم عثماني» قد يمنح تركيا فرصة للتحول مستقبلا الى أكبر وسيط لبيع الغاز الطبيعي الروسي، وإلى مركز في مجال الطاقة، حيث سيمر الغاز عبرها إلى الاتحاد الأوروبي من روسيا وأذربيجان، وربما من إيران في المستقبل.

قد تسمح السيطرة على هذه الأنابيب لأنقرة بالشعور بالثقة الكبيرة في الكثير من الملفات، بما فيها حلم العضوية المحتملة في الاتحاد الأوروبي.

وقد يكون رهان الكرملين، مقابل ذلك، على استمرار اكتفاء تركيا في موضوع الأزمة الأوكرانية والقرم بالبيانات «البلاغية» فقط. وقد يكون لديه بعض الأمل في حلحلة الموقف التركي من الأزمة السورية والنظر ببعض الإيجابية من قبل أنقرة للمقترحات الروسية الأخيرة بشأن التسوية في سوريا. فللغاز الطبيعي سحرٌ لا يُقاوم، وهو قادرٌ على إسالة لعاب الدول في بعض الأحيان. 

 

المصدر | السفير

  كلمات مفتاحية

ساوث ستريم سوريا تركيا روسيا اليونان ايطاليا الاتحاد الاوروبي الاقتصاد الغاز السياسة ألمانيا

روسيا تسعى لاتفاق قريب مع إيران لمبادلة النفط بالسلع

اتفاق روسيا والسعودية على دور توازن العرض والطلب في تحديد سعر النفط

إيران تتوقع اتفاقا قريبا مع روسيا لبناء مفاعلات نووية جديدة

تركيا: إحياء اتفاقية التجارة الحرة مع دول الخليج مفيد للجميع

صادرات تركيا العسكرية تتجاوز 147 مليون دولار خلال شهر

نائب رئيس الوزراء التركي: حزب العدالة والتنمية حقق نجاحات وتحولا كبيرا في البلاد