«إيكونوميست»: أمريكا وإيران تتنافسان على النفوذ في العراق

السبت 15 أبريل 2017 07:04 ص

كي تفهم كيف أمكن لإيران الهيمنة على العراق في السابق، توجه إلى المدائن، عاصمة بلاد فارس القديمة، جنوب بغداد. ولا يزال قصرها المهدم، الذي عاش لألفٍ وخمسمائة عام، يضم أكبر قوس حجري غير مدعم في العالم. وحتى استولت عليها الجيوش العربية في فجر الإسلام، كانت المدينة ضعف حجم روما الإمبراطورية ومركز الإمبراطورية الساسانية التي امتدت من مصر إلى الهند.

ولا يبدو أنّ الكثير من العراقيين حريص على تذكر هذا التاريخ اليوم. فالأطلال الفارسية ترقد وراء صدأ الأسلاك الشائكة، كما لو كانت العلاقات مع إيران تسبب الإحراج، في الماضي والحاضر. ورسميًا، لا تملك إيران سوى 95 مستشارًا عسكريًا في البلاد، بالمقارنة مع قوة أميركا المكونة من حوالي 5800 جندي، والعديد من القواعد العسكرية الشاسعة والسيطرة على السماء. (في الواقع، يقتنع مستشار رئيس الوزراء في أنّ القوات الإيرانية في البلاد تفوق عدد قوات الولايات المتحدة على الأقل بخمسة إلى واحد).

اليد الخفية لإيران موجودة في كل مكان. وتذكر إحدى مسؤولات الأمم المتحدة كيف فوجئت بعد زيارتها لمحافظة قريبة من الحدود الإيرانية بأنّ الجنرال «قاسم سليماني»، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، كان موجودًا في نفس التوقيت. ويقول «هاشم الهاشمي»، وهو محلل أمني عراقي في بغداد: «الأمريكيون أكثر قوة، لكن الإيرانيين أكثر خطورة. لقد اخترقوا كل جهاز من أجهزة الدولة».

لقد كانت تدخلاتهم في العراق مستمرة لعقود في عملية صنع القرار. وبعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، قام رجال الدين الإيرانيين بتجنيد الشيعة المنفيين الذين طردهم «صدام حسين»، وفي الثمانينات، قاموا بإرسالهم إلى المعركة ضد العراق. وعندما أطاحت أمريكا بـ«صدام حسين» عام 2003، عاد هؤلاء من إيران إلى بغداد لملء الفراغ الذي خلفه حزب البعث الذي حظره الأمريكيون.

وبعد انسحاب أميركا عام 2011 وصعود تنظيم الدولة الإسلامية على حساب الجيش العراقي بعد ثلاث سنوات، والاستيلاء على أكثر من ثلث البلاد، وفر ذلك المزيد من الفرص لإيران. ومع ارتفاع عدد الجهاديين السنة، أعلنت ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية قبول عشرات الآلاف من المتطوعين. وبمساعدة الأسلحة التي قدمها الجنرال «سليماني»، أوقفوا سقوط بغداد. وبعد ذلك، وبحجة «الدفاع» عن البلاد، قاموا بالسيطرة الفعالة على الكثير من ما تبقى منها.

وتستمر عمليات الاستيلاء على المناطق. وفي مارس/آذار، انتقلت عصائب أهل الحق، إحدى أكبر الميليشيات، إلى قصر ساجدة، زوجة «صدام حسين»، في الأدهمية، وهو حي سني في بغداد. وقد تم تقسيم الكثير من باقي العاصمة على 100من الميليشيات الأخرى. وخلافًا لمعظم الشيعة العراقيين الذين يعلنون الولاء لآية الله الأكبر «علي السيستاني»، في مدينة النجف، يقول العديد من قادة الميليشيات أنهم يتبعون المرشد الأعلى الإيراني آية الله «علي خامنئي». ويسير رجالهم في دوريات في شوارع بغداد كشرطة دينية، كما هو الحال مع ميليشيا الباسيج الإيرانية. وكان نفوذهم وراء حظر الكحول على مستوى البلاد في العام الماضي.

ولدى العديد من الميليشيات ممثلين سياسيين في البرلمان، وقد تتضافر لتشكيل كتلة حاسمة لإيران في انتخابات عام 2018. ولا يزال «هادي العامري»، زعيم بدر، أكبر الجماعات المسلحة الشيعية (يُزعَم أنّها تتكون من 20 ألف رجل)،  يعطي الأوامر باللغة الفارسية، وهو صديق للجنرال «سليماني». كما أنّه يتبع السيد «خامنئي»، على الرغم من أنّه يقول أن رجاله أحرار في الاختيار.

عراقيون أولًا أم شيعة أولًا؟

مع ذلك، فإنّ الفوائد العملية المتمثلة في التقيد بإيران، تتضاءل بوجود درجة من القومية العراقية (والعربية). وكما يقول «العامري»، فإنّ العراق أيضًا بلدٌ متعدد الديانات، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان اعتماد نظام الحكم الشيعي وفقًا لإيران. وتتعهد جماعات مسلحة أخرى بمزيد من التأييد لمنع إيران من بدء محاولة للسيطرة على النجف عندما يموت السيد «السيستاني». ويساعد وجود الأمريكان بالجوار على تقليل الاعتماد على الجيران مفرطي التدخل. وعندما أرسلت أمريكا قواتها إلى العراق للمساعدة في مكافحة تنظيم الدولة عام 2014، رحبت معظم الميليشيات بتلك الخطوة.

وإلى هذه اللحظة أيضًا، امتثلت كتائب الحشد الشعبي لأوامر التوقف عن عملية استعادة الموصل لصالح القوات الخاصة التي تتدرب وتعمل مع مستشارين أمريكيين، وليس إيرانيين. وقد سمحوا بتولي «حيدر العبادي» رئاسة الوزراء العراقية كرجل ذو ميول أقل بكثير تجاه إيران من سلفه، والاعتماد على مكاسب ساحة المعركة. وفي مقابل رواتبهم والاعتراف الرسمي بهم كجزء من القوات المسلحة، يقول قادة الحشد الشعبي أنّهم سيتقيدون بأوامر الحكومة. وقد نكسوا الرايات الإيرانية التي ملأت ساحات بغداد عندما بدأت التعبئة الشعبية.

ومع اندفاعهم بعيدًا عن معاقل الشيعة، فقد أصبحت ميليشيا الحشد أكثر شمولًا، وتضم عشرات الآلاف من السنة والمسيحيين واليزيديين. وأصبحت الحكومة وداعمها الأمريكي يميلون لقوات أقرب إلى العرب من إيران. وقد قاومت الحكومة الضغوط الإيرانية لدخول العراق بدون تأشيرة في نوفمبر/تشرين الثاني، وأعاد المسؤولون حجاج النجف الذين لم يتلقوا تصاريح، ورحبوا بالطائرة السعودية الأولى التي تجلب شيعة سعوديين إلى المدينة. وفي فبراير/شباط الماضي، زار وزير الخارجية السعودي بغداد للمرة الأولى منذ 27 عامًا، وذهب وفدٌ عراقيٌ إلى الرياض للتفاوض على إعادة التجارة عبر الحدود.

ولكن بعد التحالف التكتيكي في معركة الموصل، يتساءل جميع الأطراف عن مدى استمرار التقارب. وبعد إعادة بناء أربع قواعد كبيرة، لا تظهر أمريكا أي علامة على نيتها مغادرة العراق. ويتحدث رجال «العبادي» عن وجود لسنوات عديدة. وعند عودته من رحلته إلى واشنطن في مارس/آذار، كشف النقاب عن خطط لتسريح نصف قوات الحشد، بالإضافة إلى دمج ما تبقى مباشرةً تحت قيادة الجيش. ومما يثير القلق، أنّ إيران أرسلت سفيرًا جديدًا إلى بغداد، وهو مستشار كبير للجنرال «سليماني». وتنتشر مقاطع الفيديو الدعائية الإيرانية، تهدد بتجديد الهجمات على القواعد الأمريكية. وتعلن بعض الميليشيات مرةً أخرى عن معاداة الأميركيين. وقال قاسم مصلح الذي يقود كتائب علي أكبر في مدينة كربلاء: «إنّ الاحتلال الأمريكي مقبول من قبل الحكومة وليس الشعب». وهو يرى إيران، وليس أمريكا، كضامنٍ، في نهاية المطاف، للاستقرار في العراق. وتعدّ العراق، مثل سوريا، مسرحا هام يحتاج «ترامب» فيه بشدة أن تكون له سياسة واضحة.

المصدر | إيكونوميست

  كلمات مفتاحية

العراق إيران الولايات المتحدة الميليشيات الشيعية