«آخر رجالنا في الفلبين»: السينما الإسبانية تجسد دور الأغبياء في توهج الحروب!

الخميس 4 مايو 2017 07:05 ص

فيلم الليلة إسباني أُنتجَ العام الماضي تحت اسم «آخر رجالنا في الفلبين 1898 Our Last Men In The Philippines» وهو واحد من أجود أفلام السينما الإسبانية؛ والأفلام المُصورة لقسوة وفظاعة الحروب البشرية.

 على أن فيلم الليلة يمتاز عن الفيلم الألماني «ستالينغراد»، تناولناه الاثنين الماضي، والأمريكي «قلعة الرمل» تناولناه الخميس الماضي، والكوري «عصر الظلال»، تناولناه الخميس قبل الماضي..بتناوله لحظة تاريخية مُفرطة في الدقة في تاريخ عهود الاحتلال وتصدي المقاومة لها.

أما القاسم المشترك بين الأفلام الثلاثة الماضية وفيلم الليلة فهو أن ألمانيا في الحرب العالمية الثانية استخدمت «اسم الرب» في حث جنودها على محاربة البلشفية الشرقية الكافرة؛ وفي المقابل هناك فيلم بنفس اسم «ستالينغراد» أنتجته روسيا عام 2013م (ردًا على الفيلم الألماني إنتاج 1993الذي تناولناه الاثنين) ادعت روسيا فيه أنها قاتلت الألمان «باسم نفس الرب»؛ وفي المقابل كان كل احتلال حتى الأمريكي للعراق يقول بإنه «باسم الرب» الذي كم يظلمه الطغاة والظلمة المحتلون..!

مع الأغبياء

فيلم الليلة يُضيف عنصرًا جديدًا؛ لم يكن غائبًا من قبل، لكنه برز بقوة في عمل المخرج الإسباني «سلفادور كالفو» السينمائي الأول، والتعاون الرائع، إلا قليلًا، مع مواطنه كاتب السيناريو «أليخاندرو هرنانديز»، والإنتاج المُكلف لـ«إنريكو سيريزو»، أما العنصر البارز بقوة فهو وجود الأغبياء..أولئك الذين يُمثلون وقودًا داميًا للحروب والمحن والأزمات في حياة الأمم والجماعات والشعوب بأكثر مما يتسبب فيه حتى الطغاة.

أحداث فيلم الليلة واقعية، وإن حاول المخرج تخفيف قيد مجتمعي يميني متطرف فادعى في بدايته أن السياق به مواقف خيالية؛ وهو ما نفاه في نهاية الفيلم!

عام 1898م كانت الإمبراطورية الإسبانية تستولي على أجزاء من العالم منها كوبا والفلبين؛ وقبل التاريخ السابق بسنتين اندلعت ثورة في البلدين بمعاونة أمريكية لتتوهج مع بداية الفيلم، إذ نجح أهالي فيتنام الثوار في دحر الإسبان المحتلين العسكريين عن بلدة باليرو على بعد مائتيّ كيلومتر من مانيلا العاصمة.

وأرسلت القيادة الإسبانية تعزيزًا عبارة عن 50 جنديًا وقائدين؛ «مارتن سيريزو» قائد فرقة الخيالة الثانية، وهو بلا خيل (!) (المُمثل خافيير غوتييريس)؛ وقائد عام الذي فقد زوجته وطفلته في الحرب وأدى دوره (لويس توسار).

 وبعد وصول المدد الإسباني إلى الرقيب «كوستا»، (ريكاردو غوميز) الوحيد الباقي من الجنود الإسبان السابقين الذين فشلوا في دحر المُقاومين؛ بعدها بـ6 أشهر فحسب تسقط تبعية فيتنام كلها للإسبان بعد احتلال 4 قرون، وتتحول إلى الأمريكان برشوة رسمية قدرها 20 مليون دولار.

وتصل الأخبار لـ«سيريزو» قائد الفرقة بعد وفاة قائدها الأعلى؛ وسط أجواء من الحصار لأشهر فقد الجُند فيها قدرتهم على المقاومة بل الحياة محتمين بدار العبادة (الكنيسة)؛ في ظل مباركة القس مدمن الأفيون الذي يرى أن الجنة المسيحية بالغة السوء؛ وأن هناك أديانًا شرقية في العالم عددها 700 دين (!) وأن البشر فيها تتناسخ أرواحهم مثل (الصراصير)، وعوضًا عن أن تصير الكنيسة بيت الرب التي تحمي الراغبين في العودة إليه دار حرب وموت؛ في مقابل «تيريزا» (كارا يونغجي) العاهرة المُقاومة؛ وللأسم دلالة قاطعة في تاريخ المسيحية؛ والأخيرة تقيم في الفيلم في مُواجهة الكنيسة لتدمن الفعل الخارج..عوضًا عن أن تصير الكنيسة بيتًا للرب كما يُفترض تغلق أمام الصليب الضخم لتصبح دارًا للحرب الضارية؛ وعبرها يتم قتل 700 فيتنامي و17 من جنود إسبانيا؛ رغم علم القائد «سيريزو» أن المعركة انتهت بقرار من بلاده..إذ تجيئه نسخ الصحف بذلك؛ بل يأتيه أمر بالانسحاب، إلا أنه يصر على عدم التنفيذ لقرابة 11 شهرًا متتالية؛ دافعًا بجنوده وأبناء فيتنام للحرب الضروس.. ولا ينتبه إلا بعد إصابة وقتل العشرات من جانبه والمئات من جانب أعدائه..حتى أنه يقتل «تيريزا» بيده انتقامًا من حبها للحياة عبر (العهر) بحسب الفيلم!

تاريخ متوازن

لم تستطع السينما الإسبانية التطرق إلى جرائمها في الحروب ضد الدول التي احتلتها إلا مع حكم الجنرال «فرانكو» عام 1945م خوفًا من يمنية كثير من ابناء المجتمع الإسباني؛ وحتى العام الماضي فإن هذه اليمينة ما تزال محتفظة بتطرفها..مما دعا المخرج؛ رغم اقتحامه المنطقة المُحرمة وتصوير فظائع الإسبان في قتال الفيتناميين..وترك بلادهم فيما بعد للأمريكيين في حرب لا تقل ضراوة عن حربهم معهم (طالت إلى أكثر من 70 عامًا)، إلا أن المخرج داور في 15 دقيقة في بداية الفيلم ليصور لقطات من أبدع ما تكون في جمال الطبيعة في غينيا الإستوائية لكنها جاءت للتغطية على مضمون الفيلم الذي استمر لقرابة ساعتين بعد اللقطات.

كما لم يدقق الفيلم في أزياء القادة والمحاربين عن عمد (لتنبيهه لخطأ في زي الأمريكي الذي حاول إيهامهم بالاستسلام راغبًا في الاستحواذ على الكنيسة في حراسة المُقاومين الفيتناميين..في إشارة لم يكثفها المخرج والمؤلف لإنقلاب الأمريكيين على المُقاومة الإسبانية المُخلصة بعد إعانتها في أول الأمر) ترك المُخرج الخلل في الزي ليشغل الرأي العام المتطرف عن ضراوة مشاهد القتل غير المبرر من قائد غبي رفض تصديق الشواهد والوقائع التي يراها من بيع أصحاب البلاد من قادته للقضية وأمعن في طوفان الدماء.

عاب الفيلم الإطالة والرتابة التي غالبًا ما يسقط فيها مخرجو العمل الأول؛ كما لم يستطع صُناعه التركيز أكثر على الحالات الإنسانية خلف الجنود بل حتى «تيريزا» العاهرة كالمعتاد من السينما الغربية بخاصة مع وجود شقيقها المُقاوم.

 وجاءت الموسيقى التصويرية جيدة في مجملها، وكذلك التصوير؛ وحرص المخرج على تحية أبطال «حصن بالير» في نهاية الفيلم بإبراز صورتهم الحقيقية..ويُحسب له في المقابل إبرازه لبسالة المُقاومين الذين استقبلوا الفرقة عبر تخليها عن الكنيسة بحرس الشرف.

فيلم «آخر رجالنا في الفلبين 1898»  إضاءة فنية على مجاهل نفوس الأغبياء الذين يُطيلون قسوة الحروب والمحن بلا فائدة على أنفسهم وشعوبهم..جاء كملحمة جماعية اختلطت فيها الوقائع التاريخية بمحاولة صُناعه تهذيبها..وحساب نقاط إضاءة للإسبان والفلبينين..وهو جدير بأن يستحق المُشاهدة الواعية للراغبين في تحرير شعوبهم من ظلمة وطغاة وأغبياء اليوم!

المصدر | الـخليــــج الجــديــد

  كلمات مفتاحية

السينما الإسبانية دور الأغبياء توهج الحروب