تسفي برئيل: العراق يغرق في النموذج السوري

الأربعاء 25 يونيو 2014 11:06 ص

تسفي برئيل، هآرتس - 24/6/2014

ملخص: القبائل العراقية السنية تستهدف الحصول على حقوقها من الحصة السياسية والاقتصادية واذا ما حققت ذلك فقد تنقلب على داعش. 

طريق طويل جدا، نحو 575 كم، وباعث على السأم بقدر لا يقل – مجرد اشجار نخيل هي التي تقاطع الرتابة – يؤدي من بغداد الى المعبر الحدودي الوحيد مع الاردن، معبر ترابيل، او معبر الكرامة كما يسمى في الجانب الاردني. ويمر الطريق عبر مدينة الرطبة، حيث ينقسم الى ذراعين يؤدي احدهما الى الاردن والثاني الى سوريا. في الايام العادية يكون هذا طريق مليء جدا بالشاحنات والناقلات التي تنقل النفط من مصاف البترول في العراق الى الاردن، وكان حتى وقت أخير مضى الشريان التجاري الاهم بين الدولتين.

أمس سقط معبر الحدود هذا، في الجانب العراقي، في ايدي مسلحين من ابناء القبائل في محافظة الانبار ممن يعملون مع نشطاء داعش. قبل وقت قصير من ذلك سيطر ابناء القائل مع داعش على المعبر الحدودي "القائم" الذي يربط بين العراق وسوريا، وعلى مدن الرطبة، عانا، حديثا وراواى، التي تقع على مفترقات طرق هامة. وهكذا وسعت وعمقت القبائل السنية من معارضي النظام مع داعش سيطرتها على اقليم غربي العراق الآخذ في قطع نفسه عن سيطرة الحكم المركزي وكفيل بان يصبح اقليما مستقلا على نمط الاقليم الكردي في الشمال.

الاحتلال المسلح والسريع لسلسلة المدن، والذي بدأ في 9 حزيران، توقف حاليا على مسافة آمنة من بغداد، وهو لا يجتاح المناطق الكردية، ويبدو أنه رغم الشعارات الكفاحي التي تدعو المسلحين الى التقدم نحو العاصمة ومنها الى جنوب الدولة، فان هذه الاهداف لا تزال بعيدة. وسواء قوات القبائل السنية أم داعش تعترف بذلك بان المقاومة العسكرية الهزيلة في منطقة الغرب الى جانب الهرب والفرار الجماعي لجنود الجيش العراقي في مرحلة الاحتلال الاولى – كانت نتيجة تعاون وثيق بين القبائل ونشطاء حزب البعث الصادقين، وبينهم وبين مقاتلي داعش الذين كثيرون منهم هم من ابناء القبائل.

لكن من الاقاليم الشيعية، من بغداد جنوبا، من شأن المعركة ان تكون مختلفة جوهريا وذلك لانه يتركز هناك سكان شيعة مسلحون. في الجنوب توجد أغلبية الاماكن المقدسة للشيعة وكذا آبار النفط الهامة في منطقة البصرة، التي بنفسها تتطلع الى اقامة اقليم شيعي مستقل. ومن شأن التقدم الى هذه المناطق ان يجر ايضا تدخلا عسكريا ايرانيا مكثفا، بعد أن حذر الزعيم الاعلى، علي خمينئي من ان ايران ستفعل كل شيء كي تدافع عن الاماكن المقدسة للشيعة. ولا تعزم القبائل السنية، على الاقل حسب سلوكها حتى الان، احتلال العراق كله، وحتى حلم اعادة حكم نظام البعث، الذي اسقط في 2003 ليس واقعيا. فاليوم يوجد للشيعة جيش – حتى لو كان لا يثبت نفسه في المعركة في الشمال – ولديهم ميليشيات مسلحة وحليف قوي مستعد لان يستخدم قواته.

إن السيطرة على معابر الحدود الهامة بين العراق والاردن وسوريا – الخطوة التي نسخت من القتال في سوريا حيث نجح داعش في الاستيلاء على عدد كبير من المعارك سواء على الحدود العراقية أم على الحدود التركية – يمنح القبائل السنية سيطرة على عبور السلاح، الذخيرة والمقاتلين، ولكن ليس هذا فقط. فهذه سيطرة على الحركة التجارية ومن هنا على مصدر دخل هام. قبل نحو سنة ونصف السنة كانت حكومة نوري المالكي هي التي أغلقت الحدود بين الاردن وبغداد، كعقاب على المظاهرات ضد النظام، وهكذا وجهت ضربة اقتصادية شديدة لاقليم الانبار الذي يرتزق من محور التجارة هذا. والان سيصبح سكان الانبار أصحاب المعبر الذي بعد وقت قصير من احتلاله فتح امام حركة البضائع من الاردن واليه. وهكذا فانهم يطبقون ايضا طريقة عمل الاكراد الذين يسيطرون بشكل حصري على معبر الحدود الرئيس مع تركيا. الاردن، بالمناسبة، وان كان عزز قواته على طول الحدود مع العراق، الا انه يواصل تشغل معبر الحدود، والشاحنات المحملة بالبضائع والوقود تواصل العبور على نحو منتظم، بل ان مقاتلي القبائل سمحوا لمسؤولي الجمارك العراقيين بمواصلة عملهم.

يتجاوز الفزع من سيطرة داعش واقامة "الدولة الاسلامية" الحدود في المنطقة التي بين جنوب شرق سوريا وشمال غرب العراق. ويلقى هذا التخوف تعزيزا من طريقة سلوك نشطاء التنظيم في المدن التي احتلت حتى الان: فرض اللباس المحتشم على النساء، منع بيع الكحول والسجائر واوامر اخرى بروح الشريعة التي ينشرها رجال التنظيم وتشبه سلوكهم في المدن والقرى التي احتلوها في سوريا. ولكن داعش ليس القوة الوحيدة التي تعمل الان ضد الحكومة العراقية، بل ويحتمل الا يكون القوة الاهم. فالى جانبه تعمل عدة تنظيمات عراقية اخرى مثل "ثوار القبائل"، "مقاتلو الحرس النقشبندي"، "مجموعة مقاتلي البعث" و "المجلس العسكري" الذي اقامته القبائل.

لقد عملت هذه الجماعات معا قبل انسحاب القوات الامريكية من العراق في نهاية 2011، ولكن في حينه كان الهدف هو طرد الاحتلال. أما الان فهدف المنظمات القبلية هو الحصول على الحقوق، والتمتع بالارباح الهائلة التي تحصل عليها الحكومة العراقية من النفط، واقامة اقليم ذي قوة سياسية يمكنه أن يؤثر على سياسة العراق. وقسم من هذه المنظمات لا يتطلع الى اقامة دولة شريعة اسلامية بل اسقاط حكومة المالكي. وهكذا مثلا، قبل بضعة اشهر كان "المجلس العسكري" و "ثوار القبائل" مستعدين للوصول الى تفاهم مع حكومة المالكي بل وعرضوا 14 شرطا للمصالحة رفضها رئيس الوزراء التركي.  ولا يسعى زعماء هذه القبائل الى حرب طائفية أو حرب اهلية بل كفيلون بان يقاتلوا ضد داعش اذا ما نجحوا في تحقيق أهدافهم بطريقة سياسيىة.

هذا في هذه اللحظة هو ايضا أمل وزير الخارجية الامريكي جون كيري، الذي وصل امس في زيارة عاجلة الى بغداد في محاولة لاقناع المالكي بتشكيل حكومة "شاملة" تعطي السنة نصيبا مناسبا في الكعكة السياسية ولا سيما في الحقائب الاقتصادية التي سحبت منهم. واشنطن والسعودية، وبقدر كبير ايران ايضا، يفضلون ان يستقيل المالكي بشكل عام من منصب رئيس الوزراء. ولكن في ضوء انتصاره في الانتخابات في شهر نيسان الماضي وبالاساس بسبب طموحه الكبير، مشكوك أن يكون المالكي مستعدا على الاطلاق لان يفكر بهذا الخيار. وتصريحاته بعد لقائه أمس مع كيري تدل على أنه واثق من أنه يمكنه ان يقمع القتال ضده. "لا يوجد لاي دولة الحق في اختيار زعيم العراق، هذا حق الشعب العراقي"، صرح المالكي بعد اللقاء. أما كيري فحذر من أن "العراق يقف امام خطر وجودي وعلى الزعماء العراق ان يقفوا في وجه هذا التهديد".

إن المعضلة الامريكية هي بالتالي هل تترك الولايات المتحدة المالكي خوض الحرب الى أن يتبين أنه لا يمكنه أن يسيطر على الدولة أم مساعدته على الاقل في الهجمات الجوية. وقد أوضح الرئيس براك اوباما قبل اسبوع بان التدخل العسكري ليس ممكنا الا اذا كانت الساحة السياسية في العراق في شكل يتيح التعاون معها – بكلمات اخرى، اذا ما تصالح المالكي مع القبائل السنية واتفقوا معا على مقاتلة داعش. هذا هو الموقف الذي قرره كيري امس أيضا. المشكلة هي أنه كلما مر الوقت من شأن الوضع في محافظة الانباء أن يتثبت، ونافذة الفرص للمصالحة السياسية تأخذ في الانغلاق.

 

  كلمات مفتاحية