بانخفاض عوائد النفط .. دولة "الرفاه" الخليجية تواجه اختبارات صعبة و"الربيع العربي" قد يزور الخليج ولو متأخرا

الاثنين 22 ديسمبر 2014 03:12 ص

وفر الارتفاع الكبير في العوائد النفطية في دول الخليج العربي (730 مليار دولار سنويا) حصانة كبيرة لحكوماتها حمتها من وصول ثورات الربيع العربي، حيث لجأت هذه الحكومات الى زيادة الانفاق من 150 مليار دولار عام 2000 الى 547 مليار العام الحالي بهدف تهدئة الشارع والسيطرة عليه، ولكن هذا الانفاق الذي جاء على شكل رفع رواتب والغاء قروض، وزيادة الدعم للمحروقات والسلع الاساسية لم يتزامن مع اصلاحات سياسية جذرية.

انخفاض اسعار النفط، وبالتالي عوائده في الاسابيع الاخيرة بمقدار خمسين في المئة حتى الآن، ادى الى خسارة دول الخليج حوالي 350 مليار دولار سنويا، وانهيار كبير في البورصات (50 مليار دولار خسائر) الامر الذي سيؤدي حتما الى تقليص الانفاق بالقدر نفسه اي خمسين في المئة، او اللجوء للسحب من الصناديق السيادية التي تقدر قيمتها بحوالي 2500 مليار دولار.

عمليات شد الاحزمة على البطون بدأت، فدبي مثلا تدرس زيادة اسعار الكهرباء، والكويت تفكر بشكل جدي في تخفيض الدعم على المحروقات او رفعه كليا، وهناك دول اخرى تذهب الى ما هو ابعد من ذلك اي فرض ضرائب على الدخل.

الخطأ الاكبر الذي ارتكبته حكومات الخليج، ونحن نتحدث هنا عن الجوانب الاقتصادية، يتمثل في فشلها في استغلال الفائض الكبير في عوائدها بسبب ارتفاع اسعار النفط الى ما يقرب 150 دولارا للبرميل في الاستثمار في مشاريع بنى تحتية حقيقية تؤدي الى تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على عوائد النفط، وعلى العوائد التي تشكل 90 بالمئة من دخل معظم دول الخليج حاليا.

السنوات الخمس الماضية كانت تشكل فرصة ذهبية لحكومات الخليج من اجل احداث اصلاحات سياسية واقتصادية جذرية، تخدم الطبقات الفقيرة، وتوفر فرص عمل للعاطلين، ومواجهة ازمة البطالة الظاهرة والمقنعة، ولكنها انشغلت في معظمها في افشال ثورات “الربيع″ العربي من ناحية، وتمويل بعضها في دول معينة (مثل سورية ليبيا) من ناحية اخرى، بهدف منعها من الوصول اليها، او احداث حالة الفوضى الدموية في بعضها (سورية واليمن وليبيا) لتحذير شعوبها من هذه الثورات، ودفعها للالتفاف حول الحكم باعتباره المنقذ، والموفر للاستقرار، والحامي للوحدتين الجغرافية والديمقراطية.

الصورة تتغير بسرعة كبيرة هذه الايام واللجوء الى الصناديق السيادية لسحب مئات المليارات للاستمرار في مستوى الانفاق نفسه على الرواتب واعفاءات القروض يشكل حلولا مؤقتة، وغير مأمونة العواقب، لان معظم هذه الاموال ليست سائلة يمكن سحبها بأي كميات مطلوبة لانها مستثمرة في شركات غربية، امريكية واوروبية، وبورصات عالمية لها قوانينها وقيودها، ولان انخفاض اسعار النفط مرشح للاستمرار لفترة اطول من المتوقع، لان المنتجين داخل “اوبك” وخارجها بدأوا يزيدون انتاجهم بنسب متفاوتة (روسيا زادت انتاجها الى اكثر من مليون برميل) من اجل الحصول على اكبر قدر ممكن من العوائد لتعويض انخفاضها.

استمرار انخفاض اسعار النفط وعوائده يعني استمرار انخفاض اسعار الاسهم في البورصات الخليجية، خاصة في الشركات العقارية الكبرى مثل “اعمار” الاماراتية، وشركة المقاولات العملاقة “ارابتيك”، الامر الذي قد يحدث حالة من الكساد في القطاع العقاري، يتضرر منه صغار المساهمين وهم الاكثر.

علي النعيمي وزير النفط السعودي الذي كان منفذا لسياسة حكومته في “القتال” في اجتماع منظمة “اوبك” الاخير في فيينا لمنع اي محاولة من الدول المتضررة (الجزائر، فنزويلا، ايران، نيجيريا، والعراق) بشكل اكبر من تخفيض الانتاج لرفع الاسعار (اوبك تنتج 30 مليون برميل يوميا من بينها 18 مليون من دول الخليج فقط)، والابقاء على المعدلات الحالية.

السيد النعيمي نفى اي وجود لنظرية “المؤامرة” في كلمة القاها في مؤتمر للطاقة انعقد قبل يومين في ابو ظبي، وقال ان القرارات النفطية السعودية “مبنية على اسس اقتصادية” في رده على اتهامات بأن قرارها بعدم تخفيض الانتاج ليس موجها لشل الاقتصاد الروسي (روسيا تخسر مئة مليار دولار من جراء انخفاض الاسعار) ولا “لالحاق الضرر بايران واقتصادها”.

نختلف مع السيد النعيمي في هذه الصحيفة "رأي اليوم" ونؤكد، حسب مصادر نفطية موثوقة، ان اصرار السعودية على عدم تخفيض الانتاج لامتصاص مليوني برميل فائضة في الاسواق، جاء بالتنسيق مع واشنطن وللانتقام من البلدين (روسيا وايران) للضغط على الاولى لوقف دعم المتمردين في اوكرانيا، والانسحاب من جزيرة القرم، وعلى الثانية لوقف دعمها للنظام في سورية والحوثيين في اليمن، و”حزب الله” في لبنان.

اذا تأكدت نظرية المؤامرة هذه، وهي تبدو مؤكدة، فإن الحكومة السعودية يكون حالها حال من يطلق النار على قدمه، بل اقدام دول الخليج الاخرى، لان اضرار قرار تخفيض اسعار النفط وعوائده قد يرتد عليها سلبا وربما على شكل اضطرابات سياسية واجتماعية اذا استمر هذا الانخفاض في الاسعار وطال امده لعدة سنوات مقبلة.

المصدر | رأي اليوم

  كلمات مفتاحية

انخفاض عوائد النفط دولة اختبارات صعبة الربيع العربي حكومات الخليج دعم الوقود فرض الضرائب