أوكرانيا تتخلى عن حيادها .. طريق «الناتو» أقرب من روسيا

الأحد 4 يناير 2015 09:01 ص

أقر البرلمان الاوكراني في الثالث والعشرين من الشهر الجاري بأغلبية ساحقة تعديلات تشريعية مهمة تتعلق بتخلي أوكرانيا عن مبدأ «الحياد» في السياسة الخارجية. وتتضمن هذه التعديلات ضرورة الانخراط في الفضاء الأوروبي سياسياً واقتصادياً وتشريعياً، تمهيداً لتحقيق حُلم انضمام أوكرانيا إلى «حلف شمال الأطلسي» و«الاتحاد الأوروبي».

إن هذا التوجه «التشريعي» لكييف، والذي جاء بتوصية من الرئيس الأوكراني نفسه، برره البرلمان الأوكراني بما أسماه «السياسة العدوانية» لروسيا تجاه أوكرانيا وضـمّها شـبه جـزيرة القرم وتدخلها العسكري في المناطق الشرقية الجنوبية الأوكرانية.

إن «حُلم» انضمام أوكرانيا الى «حلف شمال الأطلسي» و «الاتحاد الأوروبي» يعود عملياً إلى مطلع الألفية الجديدة، عندما وصل أنصار «الثورة البرتقالية» إلى السلطة في كييف. فمن المعروف أن الرئيس الأوكراني الأسبق، فيكتور يوشينكو، كان مسكوناً بهذا الحُلم واتخذ محاولات عدة بهذا الشأن خصوصاً في 2008، مثله في ذلك مثل رئيسة الوزراء الأوكرانية الشهيرة يوليا تيموشينكو.

كما أن الرئيس الأوكراني الحالي، بيوتر بوروشينكو، عندما تولى منصب وزير خارجية أوكرانيا في 2009، كان من أشد أنصار الانضمام إلى «الناتو» و «الاتحاد الأوروبي». ولعب الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش على الحبلين الروسي والأوروبي «الأطلسي»، ولكنه لم يجرؤ على إعلان موقف محدد وواضح من انضمام بلاده إلى «الناتو»، إرضاء لموسكو التي كانت تحسبه ضمن حلفائها.

والملاحظ أن التكامل الاقتصادي مع أوروبا تدعمه نسبة كبيرة من الأوكرانيين، في حين لم يكن يحظى الانضمام إلى «الناتو» إلا بدعم أقلية المواطنين في أوكرانيا. ففي نهاية العام 2013، أوضح استطلاع للرأي أن متوسط نسبة المؤيدين للانضمام إلى الحلف بلغت نحو 20 ــ 25 في المئة بعموم أوكرانيا، في ظل تأييد أكثر من 80 في المئة في المناطق الغربية و5 في المئة فقط بالمناطق الشرقية والجنوبية للبلاد.

لكن صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية في عددها الصادر 24 من كانون الأول الجاري تعتقد أن مستوى دعم انضمام اوكرانيا الى الحلف من قبل المجتمع الاوكراني قد تضاعف في الوقت الراهن ووصل إلى نحو 50 في المئة على أقل تقدير بسبب أحداث القرم وجنوب شرق أوكرانيا.

لا شك في أن قرار البرلمان الأوكراني سيمثل نوعاً من الضغط على روسيا، التي سارعت بالتهديد بالقطيعة التامة مع «الناتو» في حال وافق على ضم أوكرانيا، والتهديد كذلك برد مناسب على مثل تلك الخطوة.

غير أن نائب وزير الدفاع الروسي، أناتولي انطونوف، الذي أطلق هذه التهديدات، لم يُفصح عن طبيعة الرد الروسي. ونعتقد أن التعديلات التشريعية الأوكرانية المذكورة لا تعني أن عضوية أوكرانيا في الحلف قد باتت وشيكة أو مضمونة، فالأمر يحتاج إلى تحقيق معايير ضرورية للحصول على تلك العضوية.

وهذا سيحتاج إلى سنوات وسنوات، وسيتوقف على درجة حرارة العلاقات الروسية الأميركية والصراع الجيوسياسي بينهما مستقبلاً. ولا يتعيّن تجاهل حقيقة أن «الناتو» نفسه غير متعجّل في ضم أوكرانيا. فقد انتهت «قمة ويلز» الأطلسية في أيلول الماضي بنتائج متواضعة للغاية بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني بيوتر بوروشينكو، الذي كان ينتظر اتخاذ القمة خطوة في اتجاه ضم بلاده إلى ما يُسمّى «برنامج الإعداد للعضوية في الحلف».

لكن هذا لم يتحقق بسبب الخلافات وعدم الإجماع داخل صفوف «حلف شمال الأطلسي» نفسه حول ضم أوكرانيا. ونظن أن هذه الخلافات لن تزول قريباً أو في المستقبل المنظور.

ويقاوم الروس بقوة محاولات أوكرانيا للالتحاق بركب «الأطلسي»، مثلما قاوموا من قبل محاولات جورجيا. فالكرملين يعلم جيدا أن مجرد انضمام اوكرانيا إلى «برنامج الإعداد للعضوية» سيعني فتح الأبواب أمامها مستقبلاً للعضوية الكاملة في «الناتو»، ومن ثم استخدام كييف كــ «مخفر أمامي» للحلف ضد روسيا.

لقد وعد الحلف روسيا بعدم التوسع نحو حدودها، ولكن هذا الوعد لم يتحقق. فقد كان عدد أعضاء الحلف ست عشرة دولة فقط في 1994، أما اليوم فقد وصل العدد إلى ثمانية وعشرين بلدا. وباتت طائرات الحلف في دول البلطيق قادرة على الوصول إلى الحدود الروسية في دقائق معدودة.

بعبارة أخرى، يمثل انضمام أوكرانيا إلى الحلف خطاً أحمر بالنسبة إلى روسيا. وبرغم تصريحات مسؤولي «الناتو» المتكررة بأن أبواب الحلف مفتوحة أمام أي دولة تتحقق فيها شروط العضوية، إلا أننا نظن أن الحلف لن يدعو أوكرانيا إلى صفوفه خلال السنوات المقبلة. ونعتقد أيضاً أن أكثر ما يمكن أن يحدث هو تعزيز التعاون مع أوكرانيا، من دون الحصول على العضوية الكاملة في «الأطلسي». ولكن تعزيز التعاون هذا، بحد ذاته، سيُقلق الكرملين كثيراً في المستقبل.

لقد نجحت موسكو في عرقلة انضمام جورجيا إلى «الناتو»، وحوّلتها عملياً إلى دولة لا تتحقق فيها شروط عضوية الحلف في أعقاب «حرب الأيام الخمسة» الروسية الجورجية في 2008. وباتت جورجيا غارقة في نزاع على أراضيها، خصوصاً بعد اعتراف موسكو بإقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية كدولتين مستقلتين.

ونلاحظ أن الأمر نفسه يتكرر عملياً مع أوكرانيا بعد سحب القرم منها، واحتدام الصراع على مستقبل منطقة دونباس بإقليميها لوغانسك ودونيتسك. ووجود مثل هذه النزاعات لا يسمح بتحقيق رغبة أي دولة في الانضمام إلى صفوف «الأطلسي».

ومن ثم يمكن القول إن معضلة القرم والنزاع المسلح في دونباس تمثلان أساساً قوياً لعدم التوصل الى توافق داخل «الناتو» بشأن عضوية أوكرانيا. ونظن أن الحلف نفسه يُدرك جيداً أن ضم أوكرانيا سيعني حرباً مباشرة مفتوحة، سواء باردة أو ساخنة، مع روسيا. ولذلك، نرى أن مستقبل انضمام أوكرانيا إلى «الأطلسي» يظل غامضاً، برغم إلغاء البرلمان الأوكراني وضعية «الحياد».

 

المصدر | هاني شادي | السفير

  كلمات مفتاحية

روسيا اوكرانيا كييف الحدود الفضاء السياسة الخلافات فيكتور يانوكوفيتش الناتو

أوباما يأمر بحجب «ويندوز» و«سكايب» و«Gmail» عن القرم الروسية

لقاء مرتقب لوزير الخارجية الأمريكي ونظيره الروسي لبحث الأزمة في أوكرانيا وسوريا

الناتو يجدد حرصه على استقرار الخليج وحماية خطوطه البحرية وضمان أمن الطاقة

أوكرانيا: معركة عض الأصابع ... والعجز

لأزمة الأوكرانية.. حقائق غائبة

23 عاما على «الصدمة» الاقتصادية الروسية

الصراع بين روسيا والغرب في أوكرانيا يحبس أنفاس العالم في 2014

محاولات تحجيم روسيا

الخارجية الأمريكية: لا نعارض اتفاق مصر وروسيا حول بناء محطة نووية

روسيا تهدد بدعم إيران لمهاجمة السعودية في حال تسليح أمريكا لأوكرانيا

هل يخاطر أوباما بصدام عسكري مع روسيا؟

روسيا في الفناء الخلفي لأميركا

دمار هائل واتهامات متبادلة بعد سيطرة المتمردين على بلدتين بشرق أوكرانيا

«الناتو» يقر خطة لتعزيز قدرات الجيش العراقي

«موغيريني» تتوقع تجديد العقوبات الأوروبية على روسيا

دول الاتحاد الأوروبي تتفق على تمديد العقوبات على روسيا 6 أشهر