قطر وآفاق سوق الغاز

الأحد 29 يونيو 2014 08:06 ص

فيكتور ميخين، نيواسترن أوتلوك، 25/6/2014 - ترجمة وتحرير: الخليج الجديد

يتحدث العديد من الخبراء بشكل متزايد عن بداية حرب عالمية ثالثة، في ضوء الأوضاع الحالية، ويشار إليها باسم حرب الغاز. ويشير الخبراء في ذلك إلى فشل المحادثات الثلاثية بين كييف وموسكو وبروكسل بشأن انتقال أوكرانيا إلى نظام الدفع المسبق لتوريد الغاز والمطالبات المتبادلة للمحكمة الدولية والمصير المقلق جدا لنقل الغاز إلى أوروبا.

أعلنت موسكو في الواقع إنهاء امداد أوكرانيا بـ "الوقود الأزرق". ومن السهل أن ينتاب العالم القديم حالة من الذعر: مرافق تخزين الغاز الأوكرانية نصف فارغة، وإذا لم يتم شغلها، فإن نقص الغاز في الاتحاد الأوروبي سيطل برأسه الكريهة مع أول موجة برد في الخريف القادم.

ومن الواضح تماما في ظل هذه الظروف أن الدول الأوروبية ترغب في تقليل الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة وتفضل اللجوء إلى المصادر التالية: الغاز الطبيعي المسال من قطر ودول مثل النرويج ومصر والولايات المتحدة. على سبيل المثال، قال الرئيس المجري، «جانوس ادر» إن بلدان «فيسيغراد الأربعة» (بولندا والمجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا) تتجه لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من قطر للحد من الاعتماد على الإمدادات من "الوقود الأزرق" من روسيا، والتي تعتمد أوروبا الوسطى عليها في ​​80٪ من امداداتها.  

في ظل هذه الظروف، يُولى اهتمام أكثر وأكثر في السوق العالمية بالنظر إلى وضع صناعة الغاز في قطر وقدرتها على زيادة المعروض من "الوقود الأزرق" لأوروبا، حيث كانت تحتل، شركة «غازبروم» الروسية، حتى وقت قريب، الوضع المهيمن. ولكن بسبب بعض الصدف الرائعة للظروف الجيولوجية، فإن الدولة الصغيرة (قطر) على الخليج تمتلك ثالث أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم.

قطر، كما نعلم، هي منتج الغاز الطبيعي والذي يوفر أكثر من 50٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، و 85٪ من صادراتها و 70٪ من الموازنة العامة للدولة. وقد جعل النفط والغاز (يعتبرهما العرب هبة من الله) هذه الإمارة الصغيرة البلد الأولى في العالم في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتجاوز 100 ألف دولار.  

وقد صرح أمير قطر مرارا وتكرارا أن قطر قادرة على تعويض فقدان إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا. وليس من المستغرب أن تعلق معظم وسائل الإعلام في العالم على هذه التصريحات بالعنوان المثير، «قطر على استعداد لتحل محل روسيا في سوق الغاز الأوروبي»، مشيرة إلى الاعتماد الكبير من قبل أوروبا على الطاقة الروسية. في الواقع، على سبيل المثال، تستورد ألمانيا حاليا 20٪ من الفحم الروسي، و 34٪ من النفط و31٪ من الغاز الطبيعي؛ ولهذا يدفع الألمان كل عام 33 مليار يورو.

السمة الخاصة لقطر هو أنها ليس لديها خطوط أنابيب. تصدر قطر رسميا حاليا نحو 80 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال؛ محققة هذا من خلال أكبر أسطول في العالم من السفن المتخصصة، سفن من نوع ناقلات الغاز كيو- ماكس (270 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال) وكيو- فليكس. وبفضل هذه الناقلات، لا تعتمد الإمارة على بلدان العبور وهي قادرة على إيصال إمدادات الغاز إلى أي نقطة على كوكب الأرض، وبالتالي الجغرافيا الشاسعة لتسليم جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دول مثل الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية (الأرجنتين والبرازيل)، وأوروبا، وآسيا (الصين والهند وباكستان واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا).

وقعت الإمارة مؤخرا على عدد من العقود طويلة الأجل والمربحة للغاية لتصدير الغاز الطبيعي المسال. على سبيل المثال، وقعت شركة الطاقة الكهربائية اليابانية «توهوكو» للتو اتفاقا لتوريد الغاز الطبيعي المسال من مشروع (قطر غاز 3) لمدة 15 عاما تبدأ في عام 2016، كما ذكرت وكالة بلاتس. وبموجب شروط الاتفاق، سوف تستورد شركة توهوكو الكتريك 60-90 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا في الفترة 2016-2018، وستستورد 180 ألف طن في الفترة 2019-2030. وبالاضافة الى ذلك، منذ عام 1999 اشترت توهوكو الكتريك حوالي 520 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال من مشروع قطري آخر؛ وتستمر مدة هذا الاتفاق لمدة 22 عاما.  

بالإضافة إلى ذلك، قطر على مقربة من توقيع اتفاق مع باكستان بشأن امداد سنوي لحوالي 3.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال. وسوف تبدأ الإمدادات التي تصل قيمتها إلى 2.5 مليار دولار سنويا في عام 2015، وحاليا يبلغ الطلب الباكستاني لـ "الوقود الأزرق" 226.5 مليون متر مكعب يوميا، وهو ضعف حجم الغاز المنتج في باكستان.  

جنبا إلى جنب مع القطريين، تبدأ أوروبا المحاولات المبدئية لإنشاء نظام لتوريد الغاز الطبيعي المسال، ولكن هذا ليس سهلا. وفقا للرئيس المجري، جانوس ادر، سيتم توريد الغاز المسال القطري إلى أوروبا من خلال بنية تحتية جديدة، والتي هي في طور الإنجاز. وسيتم نقل "الوقود الأزرق" من الخليج إلى إيطاليا.  

وينبغي أن يصبح الدعم الأخر فيما يتعلق بتنفيذ خطة رئيس المجر هو استخدام مصانع إعادة تحويل الغاز التي يجري بناؤها حاليا في جزيرة كرك الكرواتية. وفقا للمشروع المقترح من الاتحاد الأوروبي، سيتم نقل الغاز المسال إلى المجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وبولندا على طول ممر "شمالي وجنوبي". في الوقت نفسه، بناء أول محطة للغاز المسال جارية في سوينجوسي، بولندا. وقال الرئيس الكرواتي «ايفو يوسيبوفيتش» إنه نظرا للاستقرار السياسي في كرواتيا، يمكن أن تلعب دورا هاما في ضمان أمن الطاقة في أوروبا من خلال توفير فرصة لتنويع امدادات الغاز في أوروبا. وترتبط احتمالية آخرى في خطة تنويع امدادات الغاز الأوروبي بإنشاء مصنع لتحويل الغاز المسيل في كلايبيدا، ليتوانيا. وتعتزم الحكومة الليتوانية استيراد الغاز الطبيعي المسال ليس فقط من قطر، ولكن أيضا من النرويج ومصر والولايات المتحدة.  

ولكن ليس كل شيء بهذه البساطة، فمهمة استبدال الطاقة الروسية بمثيلتها القطرية، على سبيل المثال، أمر معقد للغاية ويتطلب وقتا طويلا وموارد مالية ضخمة. في المقام الأول، يتعين على أوروبا ألا تخطط، ولكن أن يكون لديها بالفعل خطة لتشغيل محطات الغاز الطبيعي المسال. وهذه المتعة لا تأتي بثمن بخس، واليوم، عندما يكون الاقتصاد الأوروبي ليس في حالة جيدة، والسؤال الذي يفرض نفسه هو من سيتولى دفع ثمن كل هذه التكاليف المرتبطة؟ لا تستطيع قطر بمفردها فعل ذلك. بالإضافة إلى ذلك، فسيتم بناء هذه المحطات على التراب الأوربي، وإذا حدث عند نقطة ما ترفض أوروبا، لأي سبب كان، استيراد الغاز الطبيعي المسال القطري، فإن الإمارة سوف تعاني من خسائر ضخمة.  

اعترف «هيلج لوند»، رئيس الشركة النرويجية شتات أويل، بصراحة أن شركته لا يمكن أن تحل محل الامدادات من روسيا، على الرغم من الشركة بإمكانها، وبطبيعة الحال، في المدى القصير، وإذا لزم الأمر، زيادة الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي قليلا لفترة وجيزة (يذكر أن النرويج ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي). وقطر كذلك غير قادرة على فعل ذلك، حيث إن خلق قدرات جديدة يستغرق وقتا طويلا؛ نحن نتحدث عن سنوات وليس أسابيع. الوضع مشابه مع وعود الولايات المتحدة بمساعدة الحلفاء الأوروبيين بالغاز الصخري المسال. من الناحية النظرية هذا ممكن، ولكن عمليا غير ممكن "تفريغه" في أوروبا من الناحية الفنية ببساطة.  

من المرجح أن تصريحات الأمير القطري سوف تجعل قادة روسيا، وخاصة شركة غازبروم، يبادرون لإقامة "سياسة غاز" مشتركة مع قطر على الساحة العالمية. بالإضافة إلى هذا هناك هيئة دولية مناسبة، منتدى الدول المصدرة للغاز، التي تقع في الدوحة وأمينها العام هو الممثل الروسي، «ليونيد بوكهانوفيسكس». هذه المنظمة الدولية تجمع معا تلك البلدان التي تسيطر على 73 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، والتي توفر 42 في المئة من إنتاجه العالمي. وإذا كنت قادرا على تنفيذ سياسة متوازنة، عندئذ لن يكون هناك صراع ولن يكون هناك حاجة إلى اللجوء إلى خفض الأسعار، ولكن لاستخدام المنتدي من أجل إنشاء آلية للتوزيع العادل بين أسواق الغاز في العالم.  

ولهذا هناك ظروف مواتية، فبعد بعد المسيرة الناجحة للتنظيم (الإرهابي)، الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، في العراق ارتفع سعر "الذهب الأسود" إلى ما يقرب من 5 دولارات للبرميل، وهناك ارتفاع مواز في أسعار الغاز، والذي يحسب على أساس النفط. نظرا لارتفاع الأسعار، كما نعلم، فمن الأسهل التفاوض واتخاذ قرارات مشتركة للمستقبل.

 

فيكتور ميكين، عضو مراسل في الأكاديمية الروسية للعلوم الطبيعية وخاصة لمجلة نيو إيسترن أوتلوك.

  كلمات مفتاحية