إسرائيل: مبالغة في التحذير من «داعش» والحكومة تجدها فرصة لتعزيز هيمنتها

الأربعاء 2 يوليو 2014 08:07 ص

الثلاثاء، ١ يوليو/ تموز ٢٠١٤القدس المحتلة - آمال شحادة، الحياة 

منذ قام تنظيم «داعش» (الدولة الإسلامية في العراق والشام) باحتلال المدن في العراق، وإسرائيل تتابع نشاطه والحديث عن خطره المتعاظم يومياً. فتروج لتبجحات داعش بأنها تنوي اقامة الخلافة الإسلامية في العراق وسورية ولبنان والأردن وفلسطين. وقد لوحظ أن الكثير من السياسيين في المنطقة أخذوا هذه التحذيرات والتهديدات بجدية بالغة. فقادة اسرائيل بدأوا يتحدثون عن خطر تجدد الجبهة الشرقية، قاصدين بذلك زحف الجيوش من العراق باتجاه الحدود الأردنية الإسرائيلية. ورئيس الحكومة بنيامين نتانياهو اجرى جلسات مشاورات امنية حول الموضوع وحال ان اعتلى منصة مؤتمر معهد ابحاث الأمن القومي، مساء الأحد، اعلن دعم بلاده اقامة دولة كردية مستقلة، ليكون اعلانه هذا مقدمة لطموحاته وهيمنته في المنطقة. فقد جاء حديثه عن المسألة الكردية لدى تطرقه الى التغييرات الإقليمية والخطر الذي يهدد الأردن، بشكل خاص، من قبل تنظيم «داعش». وبرأيه فإن الأحداث في العراق والتخوف من وصول موجة ارهاب من الشرق يحتم انشاء جدار على امتداد الحدود مع الأردن.

وفي حديثه في هذا الجانب أظهر نتانياهو اهداف سياسته من اجل تعزيز سيطرته الحدودية اذ اعلن ان الدفاع عن الحدود امام «القوى الإسلامية المتطرفة التي تتدافع على ابوابنا في الجنوب والشمال، يتوجب بناء جدار امن يمتد من ايلات وحتى الجدار الذي اقمناه في هضبة الجولان.» كما ان نتانياهو وجد في هذا الوضع ذريعة ليعود ويؤكد اهمية انتشار جيشه على امتداد نهر الأردن في كل اتفاق سلام مستقبلي، اذ قال ان الأحداث في العراق تثبت صحة موقفه بضرورة ان يبقى الجيش منتشراً على امتداد نهر الأردن في كل اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين. اما وزير داخليته، جدعون ساعر، فذهب الى ابعد من ذلك ورأى في خطر داعش على الأردن سبباً لأن يدعو الى ضم غور الأردن الى اسرائيل كونها منطقة استراتيجية مهمة، وستكون هدفاً اولياً لتنظيم «داعش»، ومحطة تشكل خطراً كبيراً على اسرائيل من قبل هذا التنظيم. اما الجنرال احتياط يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لنتانياهو، فأعلن ان على اسرائيل ان تكون مستعدة لمساعدة الأردن في كفاحه ضد تنظيم «داعش»، والتغلب على المشكلة اذا اطلت على الحدود الشرقية. وبرأيه فهذه ليست مصلحة أردنية فحسب، وإنما مصلحة إسرائيلية، ولذلك يجب العمل معاً».

وموقف عميدرور اكدته دراسة اعدها معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب جاء في استنتاجاتها «ان التدهور في العراق يشكل تهديداً لإسرائيل، حتى اذا لم يكن ذلك في الوقت القريب». ووفق المعهد فإن البؤر الجهادية في العراق وسورية، يمكنها ان تولد ارهاباً في اسرائيل، ايضاً، وزعزعة النظام الأردني، وتقوية الجهات المتطرفة بين الفلسطينيين وفي سيناء. وسيكون للتعاون الأميركي - الإيراني في العراق، تأثير سلبي في إسرائيل. وإذا اظهرت الولايات المتحدة ضعفها مرة أخرى في معالجة البؤرة الجهادية، فإن هذا سيلحق ضرراً بمصالح إسرائيل، أيضاً».

ووفق المشرف على البحث، افرايم كام، نائب رئيس معهد الأبحاث فإن ما يجري في العراق يؤثر في الدول المحيطة به، خصوصاً الأردن، وهذا بدوره يؤثر ويقلق اسرائيل ويعيد اليها البحث في ضرورة بقاء قوات اسرائيلية في غور الأردن، على طول الحدود لمجابهة أي خطر يتهددها. وإن سيطرة داعش على العراق بالغة الخطورة على المنطقة وتوحد عملياً مصالح اسرائيل مع دولها. وبرأي كام فإن الأوضاع في العراق بدأت تتجه نحو خطر كبير منذ مطلع حزيران(يونيو)، عندما سيطرت ميليشيات داعش السنية المتطرفة، من دون مقاومة، على الموصل، ثاني اكبر مدينة في العراق، وعلى مدن أخرى، وتقدمت لمسافة 100 كليومتر من بغداد، وقامت بشل الجيش العراقي، ليتولد بذلك واقع جديد في العراق لا يؤثر فيه وحده، وإنما في الشرق الأوسط كله، بل أبعد من ذلك».

ولكن هل تشكل داعش فعلاً هذا المقدار من الخطر؟

الباحث في شؤون الشرق الأوسط أيال زيسر يقول: «لا شك في ان داعش هي ظاهرة خطيرة وتهدد بتصعيد بشع في الإرهاب وفي ممارسات العنف تجاه الأبرياء. ولكن تحميلها وزر كل ما يجري في المنطقة وتضخيم قوتها لدرجة التهديد بسقوط أنظمة، هو مبالغة مقصودة لها أهداف أخرى». اما الباحث في الشؤون الاستراتيجية، أرئيل كوخ، فيقول: «ما من شك في ان نجاح داعش في السيطرة على مساحة كبيرة من المناطق وعلى مدن رئيسية في شمال غرب العراق، مثل الموصل، والسيطرة على الحدود مع سورية ومع الأردن، ووضع هدف باحتلال بغداد، كلها أحداث استثنائية تحتاج الى وقفة وإلى حذر. وطبيعة ممارسات داعش مرعبة وتستحق مجابهتها، خصوصاً انه في كل مرة يقوم عناصرها باحتلال منطقة جديدة (أكان ذلك في سورية او العراق)، يمكننا أن نتوقّع الأسوأ. وقد أصبحت الشهادات على المجازر والتطهير العرقي مسألة شائعة، فمن كل جهة تصل تقارير عن قطع رؤوس علني، جلد وإعدام، بغض النظر عن جنس أو عمر الضحية. ويقف عناصر التنظيم وراء عملــيات صلب الأشخاص المتّهمين بـ «الكفر» والمسيحيين والأكراد، وأيضًا بتر الأطراف بسبب السرقة وقتل المدنيين والأسرى».

وبرأي كوخ «لا يمكن الفصل بين الحرب في العراق وشقيقتها الحرب في سورية، التي تغذي داعش وتزوّد صفوفها بآلاف المقاتلين الأجانب. أحد هؤلاء المقاتلين الأجانب هو مهدي نموش، وهو الإرهابي الذي نفذ هجوماً إرهابياً على المتحف اليهودي في بروكسل. يعتبر نموش واحداً فقط من بين آلاف آخرين، يأتون الى سوريا بسهولة، يجتازون معسكرات التدريب مع سلاح ويتلقون تثقيفاً متطرفًا. تشرّع عقيدة داعش القتل العشوائي لـ «الكافر»، الذي يهدد الأمة الإسلامية، ويسعى - كما يفترض - إلى إذلالها، التضييق عليها، احتلال أراضيها واستعباد مواردها. ولذلك، فإنّ كل إضرار بهؤلاء الكفار المتامرين هو وصية والتزام مفروض على المسلمين الأصوليين الذين ينتمون إلى داعش ونظرية الجهاد العالمي.

ولكن الأهم من نجاحات داعش هو فشل اللاعبين الآخرين، يشدد الباحث الإسرائيلي ويقول:» حكومة نوري المالكي، الذي ظهر كحاكم مستبدّ، مزّق البلاد ولم يجلب مصالحة حقيقية مع السنة واستمر في عزلهم ودفعهم إلى الزاوية. والولايات المتحدة فشلت، فقد أسست في العراق قوات أمنية كبيرة، ضمّت مئات الآلاف من الجنود ورجال الشرطة، والذين يفترض انهم قادرون على الدفاع عن العراق أمام عدوّ خارجي، ولكنهم خيبوا الأمل ولم يعرفوا كيف يحمون العراق من الداخل. ولم يتمكنوا بعد من فرض سيادة القانون والنظام وتعزيز الاستقرار. بل في الواقع، بدا أنّ هذه القوى الأمنية جسم غير متماسك، ويفتقد الإرادة والعزم، ويفتقد القيادة والكفاءة، ولم يكن قادراً على مواجهة هجمات الميليشيات، الأصغر منها بكثير. وفشلت في إدارة القتال في المدن، وخصوصًا في المناطق ذات الغالبية السنّية».

وفي رأي طرحه كوخ ومعه العديد من الباحثين والسياسيين الإسرائيليين الذين ناقشوا ملف «داعش»، فإن نجاح تنظيم داعش يعكس أيضاً فشل إيران. ويقول الباحث الإسرائيلي:» في السنوات الماضية، أصبحت إيران الجهة الخارجية الأهم والأكثر نفوذًا في العراق، وخصوصاً بعد ان خرجت القوات الأميركية منها في نهاية عام 2011. فكان هدف إيران بناء العراق كدولة مستقرة وموحّدة، ضعيفة وغير مهدِّدة من الناحية الأمنية، متعلّقة بإيران وتقاد من قبل الغالبية الشيعية المرتبطة بها. واعتمدت إيران لتحقيق هذا الهدف على روابطها مع الجهات الشيعية الكثيرة في العراق، ومن ضمنها ميليشيات مسلّحة، أحزاب، قادة سياسيون، رجال دين وهيئات عامة - وذلك بواسطة إقامة علاقات من خلال تقديم مساعدات عسكرية ومالية.

وعليه، يرى كوخ أن حقيقة التفوق الإيراني الكبير على الولايات المتحدة في بناء نفوذها في العراق، وذلك على ضوء علاقاتها مع المعسكر الشيعي الذي يشكّل 60 في المئة من مجموع السكان، وبسبب قربها الجغرافي من العراق، فإن المحاولة الأميركية لإنشاء تعاون مع إيران في العراق - حيث ان أهدافهما مضادة - قد تكون خاطئة.

  كلمات مفتاحية