«سلمان»… أسوأ ملوك السعودية حظاً !

الأربعاء 28 يناير 2015 06:01 ص

سلّم العاهل السعودي الراحل «عبد الله بن عبد العزيز» روحه في الساعات القليلة التي أعقبت إعلان نبأ استقالة الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي».

كأن الرجل رفض أن يعيش يوما واحداً من عمر النفق المظلم الذي ينتظراليمن، ومن ورائه المملكة العربية السعودية. أو كأنه سلّم روحه احتجاجاً على الإخفاق السعودي في اليمن وفي أكثر من بلد آخر.

وسلّم روحه قبل أن يرى مآل الوضع السياسي والأمني في العراق. كأنه أبى أن ينتظر صدمات أخرى لدى جاره الآخر، فاختار الرحيل.

يرحل «عبد الله بن عبد العزيز» والدبلوماسية السعودية، السرية والعلنية، مرتبكة في أكثر من بلد: اليمن، العراق، سوريا ونصف لبنان. ليس لها من وضع واضح إلا مصر.

الارتباك السعودي في اليمن لم يبدأ في الحادي والعشرين من أيلول/سبتمبر الماضي عندما سُلمت صنعاء لميليشيات الحوثي في ظروف غامضة مثيرة للريبة. بل بدأ مع انطلاق الثورة اليمنية على نظام الرئيس «علي عبد الله صالح» في شباط (فبراير) 2011. 

لم يمانع السعوديون آنذاك في رحيل صالح، لكنهم لم يأمنوا على البديل. وكان بعبع الإسلاميين، وبالذات الإخوان المسلمون، حاضراً في مخيلتهم وحساباتهم السياسية. 

ثم استمر الإرتباك مع المبادرة الخليجية التي كانت السعودية عرّابها الأساسي باعتبارها متزعمة المنطقة. فطُبقت المبادرة عرجاء وسط حالة من عدم الاستقرار لم تستطع السعودية أن تؤثر فيها بأي شكل من الاشكال. 

تواصل الإرتباك مع الصفقة التي أبقت صالح حاضراً ـ غائبا في المشهد السياسي اليمني مع ضمانات ـ بموافقة سعودية ـ له ولعائلاته لم يكن لها أثر سوى تشجيعه على الإيمان بأن وصول ابنه لسدة الحكم أو عودته هو إليه ممكنة، وأن كل المطلوب منه البقاء قريبا من المسرح السياسي. بقي صالح قريبا مصمما على الانتقام من كل مَن شارك في إبعاده عن الحكم، فأبقى معه اليمن أقرب من أي وقت مضى إلى الفشل.

لقد بات اليمن خارج سيطرة السعودية لا قدرة لها على التأثير فيه. 

الدبلوماسية السعودية «المتوازنة» في منطقة تستمتع بالتطرف ودبلوماسية الأزمات، أنتجت فراغا في اليمن ملأه آخرون: إيران التي تعتمد دبلوماسية المشاكسة والتحرش، محاوِلةً استنساخ تجربة حزب الله في لبنان.

اليوم أثمر العداء السعودي للإخوان المسلمين خصوصا والإسلام السياسي عموما مواجهة مع إسلام آخر، إيراني، شديد الطموح ويتوفر على أسباب العداء للرياض.. إسلام ظل على مر العقود مصدراً لعدم الاستقرار في المنطقة كلها من وجهة نظر خصوم إيران. 

في الجهة الأخرى من الحدود ليس الوضع أفضل حالاً إن لم يكن أخطر. فبعد أن بذلت الرياض الغالي والنفيس من أجل التخلص من صدام حسين في 2003، شهدت سياستها في العراق ارتباكاً ساهم بشكل أو بآخر في هيمنة أطياف سياسية وطائفية تكن مشاعر العداء لصدام والسعودية معا، وتدين بالولاء لطهران أولاً وأخيراً.

والنتيجة، مثل اليمن، أن تسلمت إيران العراق على طبق من فضة، وتحوّلت الرياض إلى متفرج في حريق مهول في حديقتها الأمامية لا تستطيع إطفاءه، بل عاجزة حتى عن التأثير فيه. 

كان العزاء الوحيد للرياض أن جنوب العراق والمناطق القريبة من حدودها حافظت على بعض الهدوء بعد 2003 مقارنة بوسط العراق والمناطق السُنية منه. 

كانت المشكلة ستبدو في متناول اليد بقليل من الحكمة والحنكة الدبلوماسية لولا يونيو (حزيران) 2014 عندما حدث التحول الأكبر والأخطر باقتحام تنظيم الدولة الإسلامية أراضي عراقية شاسعة وإصراره على إبراز عداء صارخ للسعودية.
بعد هذا التاريخ باتت مهمة الدبلوماسية السعودية تحتاج إلى معجزة لاستدراك ما فات وتصحيح القليل الممكن.

فهي تواجه خصمين لدودين فوق الأراضي العراقية، واحد سُني اسمه تنظيم الدولة الإسلامية، والآخر عنوانه جو العداء السائد بين الأطياف الشيعية العراقية تجاه كل ما هو سُنّي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية.

قد يبدو الوضع أقل احتقانا مع رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي مقارنة بسلفه نوري المالكي، لكن الوقت متأخر جداً وكثير من المياه جرت تحت الجسور قبل ان تصل السعودية إلى مرحلة التفكير في إعادة فتح سفارتها بالعراق. كانت إيران سبّاقة بكثير، استلمت العراق وغطته بلحاف أسود حتى لا يمسه آخرون إلا بإذنها. 

من المؤسف أن «أكبر دولة عربية وإسلامية تأثيراً» لم تستفد من الدرس العراقي، فوجدت نفسها اليوم بين فكي كماشة يرعاها ألدُ عدوين لها.. داعش والحوثيون. 

ومن المؤسف أكثر أن لا احد من أصدقائها وحلفائها يستطيع مساعدتها.

ليس من الخطأ الجزم بأن ارتباك الدبلوماسية السعودية في المنطقة يجد أحد أسبابه في اتكالها المفرط على الولايات المتحدة الأمريكية وتوكيلها في الحروب المعلنة والسرية. ومشكلة واشنطن أنها لم تنتصر في حرب خارج حدودها منذ الحرب العالمية الثانية. 

إضافة إلى التحديات الداخلية الكبرى وتهاوي أسعار النفط، يحتاج الملك «سلمان» إلى إخراج بلاده من فكَّيْ الكماشة بأقل الخسائر.

يحتاج الرجل إلى معجزة وكثير من الدعاء. إنه أسوأ ملوك المملكة حظاً وهو يتسلم عرشها في هذه الظروف الإقليمية والدولية الحالكة والمعقدة. لن ترتاح السعودية حتى يعود اليمن لليمنيين والعراق للعراقيين، وحتى يصبح «داعش» من الماضي.

 

٭ توفيق رباحي كاتب صحافي جزائري

 

 

المصدر | توفيق رباحي | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

السعودية الملك عبد الله الملك سلمان انخفاض أسعار النفط اليمن العراق الإخوان المسلمين

أولويات الملك «سلمان»: عودة الثقة بواشنطن وتنويع الاقتصاد

هل يمكن للعاهل السعودي الجديد إدارة الشرق الأوسط المضطرب؟

«فورين بوليسي»: «سلمان» يواجه تحديات هبوط النفط وإيران و«الدولة الإسلامية»

الدولة السعودية الرابعة

«فاينانشال تايمز» تصف رد فعل الغرب تجاه وفاة الملك عبدالله بـ«التملق المبالغ فيه»

بعد قرار العاهل السعودي بإعفاء «آل الشيخ» .. من هو رئيس هيئة الأمر بالمعروف الجديد؟

«محمد بن نايف» يوجه بسرعة إعفاء سجناء الحق العام

فورين بوليسي: الملك الراحل «عبدالله» لم يكن ”إصلاحيًا“

الملك «سلمان» لوزرائه أثناء تأدية القسم: «نأمل فى وزرائنا وأمراء مناطقنا الخير»

الملك سلمان.. وأسئلة المرحلة

«التليجراف»: الملك «سلمان» يقيد يد «النعيمي» في «النفط» بتعيين نجله نائبا له

«هآرتس»: كواليس «الحرب الخفية» داخل العائلة الحاكمة في السعودية

«الغنوشي» يدعو «الملك سلمان» لرعاية مصالحة «تحقن الدماء» في مصر

«واشنطن بوست»: «محمد بن سلمان» العقل المدبر وراء الأوامر الملكية الأخيرة

المالية السعودية تحدد الشروط والجهات المستحقة لراتب الشهرين

على العاهل السعودي الجديد أن يصلح الاقتصاد قبل فوات الآوان

تعزيزًا لتوقعات تغيُّر السياسة السعودية .. «العربية» توقف برامجين عن الشأن المصري

أقباط المهجر: السعودية لا تساوي شيئا بدون مصر وعلي «الملك سلمان» توضيح موقفه عاجلا