محاولة روسيا للعودة إلى العراق عسكريّا

الخميس 3 يوليو 2014 08:07 ص

بول سوندرز، المونيتور، 29 يونيو/حزيران 2014

حتّى هذه اللحظة، لم تبدِ موسكو اهتماماً كبيراً بتطوّر الأحداث المتسارع في العراق. فالوضع في البلاد نادراً ما يتصدّر عناوين الأخبار الروسيّة – التي تركّز على الشؤون الأوكرانيّة والروسيّة الداخليّة – ولا يبدو من الأولويّات بالنسبة إلى المسؤولين الروس البارزين، مع أنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين أعرب مؤخّراً عن "دعمه الكامل" لجهود رئيس الوزراء العراقيّ نوري المالكي الهادفة إلى محاربة المقاتلين الذين يخرجون الجيش العراقيّ من المدن والبلدات الشماليّة والغربيّة. وعلى الرغم من أنّ الحكومة الروسيّة لديها بعض المصالح المهمّة في العراق والشرق الأوسط، من غير المرجّح أن تتدخّل في المنطقة كثيراً.

بشكل عامّ، وكما كتب فيودور لوكيانوف في "المونيتور"، ساهمت التطوّرات في العراق في الدرجة الأولى في تأكيد وجهات نظر روسيّة متعدّدة في. أوّلاً، في ما يخصّ الولايات المتّحدة، شكّلت الأزمة الجديدة فرصة لوزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف ليذكّر بأنّ موسكو شدّدت مراراً وتكراراً أثناء الاجتياح الأميركيّ على أنّ "المغامرة التي بدأها الأميركيّون والبريطانيّون هناك لن تكون نهايتها سعيدة". ولطالما ردّد المسؤولون والمعلّقون الروس هذه الأسطوانة عند كلّ نقطة تحوّل منذ العام 2003.

ثانياً، تؤكّد الأزمة الجديدة في العراق وجهة النظر الروسيّة القائلة بأنّ الولايات المتّحدة ارتكبت خطأ بتمديد الحرب الأهليّة السوريّة من خلال مساعدة الثوّار السوريّين، وإن قليلاً، بدلاً من دعم جهود الرئيس السوريّ بشار الأسد، أو تقبّلها على الأقلّ، الهادفة إلى سحق الجماعات الإسلاميّة التي تحاول الإطاحة بنظامه وبالنظام في العراق أيضاً. في هذا الإطار، لا يقتصر تذمّر روسيا على الولايات المتّحدة والدول الغربيّة الأخرى، فتداعيات الأزمة السوريّة على العراق تعزّز الرأي الروسيّ الشائع القائل بأنّ المملكة العربيّة السعوديّة وقطر لا تنويان خيراً من خلال حماية المقاتلين الإسلاميّين السنّة في سوريا وغيرها.

لكنّ ما ينوي الكرملين القيام به بشأن عدم الاستقرار في العراق ليس واضحاً. لا شكّ في أنّ روسيا تؤثر الاستقرار في العراق على الفوضى، وتفضّل المالكي على الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش). وقد يكون من سخرية القدر أنّ الدور الذي تضطلع به روسيا في قطاع النفط العراقيّ فاق ما توقّعه الكثير من المسؤولين الروس قبل عقد من الزمن، بما في ذلك في حقل غرب القرنة-2 الضخم. لكن، على الرغم من انتقاد بوتين ولافروف قرار حكومة جورج بوش بإعلان الحرب على العراق، لم تركّز روسيا على هذه المسألة في علاقتها مع الولايات المتّحدة في تلك الفترة. والأهمّ من ذلك أنّ روسيا لم تسبّب مشاكل للولايات المتّحدة في العراق أثناء الاجتياح أو الاحتلال الأميركيّ الطويل للبلاد.

مع ذلك، يُزعم أنّ روسيا باعت العراق دفعة من طائرات "سو-25" المقاتلة العائدة إلى الحقبة السوفياتيّة لمساعدته على مهاجمة المقاتلين. وقد تمّ تسليم عدد من الطائرات – ولكن على شكل قطع على ما يبدو بما أنّها وصلت على متن طائرات شحن مع خبراء روس مهمّتهم تجهيزها للطيران. وردّاً على الولايات المتّحدة، قال المالكي إنّ ظنّ العراق قد خاب بسبب "طول" العمليّة اللازمة لشراء طائرات حربيّة أميركيّة، مضيفاً أنّه لو اشترت بغداد في وقت سابق طائرات روسيّة أو بريطانيّة أو فرنسيّة، لتفادت ربّما الأزمة الحاليّة. وقال: "بإذن الله، في غضون أسبوع، ستصبح هذه القوّة فعّالة وستدمّر عرائن الإرهابيّين". ومع أنّ الطيّارين العراقيّين جرّبوا من قبل مقاتلات "سو-25" ومن المفترض أن يتمكّنوا من قيادتها بسرعة، إلا أنّ المالكي يبالغ ربّما في تطلّعاته المتعلّقة بمفعول تلك الطائرات.

وتمثّل صفقة الطائرات الروسيّة استمراراً لسياسة موسكو في سوريا في الجهة المقابلة من الحدود السوريّة العراقيّة، مع أنّ المتّحدثة باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة، ماري هارف، حاولت جاهدة تفادي انتقاد الصفقة عند سؤالها عن الموضوع في المؤتمر الصحافيّ اليوميّ في 27 حزيران/يونيو. فقد قالت: "لا نعارض جهود العراق الشرعيّة الهادفة إلى تلبية متطلّباته العسكريّة الطارئة"، و"نتشارك معه الهدف نفسه، ألا وهو مساعدته على مكافحة هذا الخطر". ثمّ أقرّت بأنّ تسليم مقاتلات "أف-16" الأميركيّة قد يتأخّر بعد.

مع ذلك، من غير المرجّح أن تذهب روسيا أبعد من بيع الأسلحة للحكومة العراقيّة. فدعم الكرملين الديبلوماسيّ للعراق غير ضروريّ، خلافاً لسوريا، نظراً إلى تلاقي الأهداف الأميركيّة والروسيّة. ويعكس دور موسكو المحدود نسبيّاً قدراتها المحدودة، ولا سيّما في ظلّ الأزمة الأوكرانيّة المتزامنة والأكثر أهميّة بالنسبة إلى روسيا، والإحجام عن التورّط كثيراً في العراق– ربّما بسبب الخوف من ارتداد ذلك على روسيا نفسها. وقد عبّر مسؤول رفيع المستوى في الكرملين عن هذا الخوف لي ولمجموعة صغيرة من الزملاء سنة 2003 عند شرحه عدم استعداد روسيا لدعم الاجتياح الأميركيّ. ونظراً إلى الدور الرئيسيّ الذي يضطلع به المقاتلون الشيشان في العراق وسوريا، قد يكون من الصعب على موسكو التغاضي عن هذا الاحتمال اليوم.

لكنّ سياسة روسيا الخارجيّة في الشرق الأوسط تبقى دفاعيّة في الدرجة الأولى حتّى بعد عقدين من استقلالها ما بعد السوفياتيّ. وعلى الرغم من مصالح روسيا الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة الكبيرة في الشرق الأوسط الكبير – الذي يصل إلى أطراف روسيا - نادراً ما ذهبت موسكو في سياستها أبعد من حماية مصالحها الأمنيّة والاضطلاع بدور جيوسياسيّ، والسعي في الوقت نفسه إلى توسيع علاقاتها التجاريّة.

ونظراً إلى أنّ مصالح روسيا الاقتصاديّة في الشرق الأوسط محدودة مقارنة بأوروبا وآسيا المجاورتين لها، وأنّ تداعيات عدم الاستقرار في مناطق كالعراق وسوريا على روسيا هي غير مباشرة، قد تكون أهداف الكرملين الجيوسياسيّة الأكثر أهميّة من بين تلك المناطق الثلاث. فامتداد نفوذ روسيا إلى ما هو أبعد من جوارها ضروريّ لكي تنضمّ إلى قافلة القوى العظمى العالميّة. من هذا المنطلق، يقدّم الشرق الأوسط إلى روسيا فرصاً أكثر من أوروبا أو آسيا أو نصف الكرة الغربيّ، التي تضمّ قوى كبيرة أخرى، وأكثر من إفريقيا أيضاً حيث ليس لدى روسيا الكثير لتجازف به. ومن حسن حظّ روسيا أنّ تركيبة صفقات الأسلحة وحقّ النقض في مجلس الأمن والديبلوماسيّة الفاعلة كفيلة لوحدها على الأرجح بتلبية احتياجاتها.

 

  كلمات مفتاحية