قد يكون هناك الكثير من الخلافات السياسية بين دول الخليج وإيران، ولكن هذه الدول جميعها تشترك بحبها للخبز الفارسي، ولذلك عندما أضرب الخبازون الإيرانيون العاملون في المجمعات الكويتية التعاونية عن العمل لمدة خمسة أيام هذا الشهر، تزايد الغضب العام مترافقًا مع التهديد بارتفاع سعر رغيف الخبز بما يعادل ثمانية سنتات أمريكية.
وانتهى هذا الإضراب عن العمل، الذي أثاره رفع الدعم عن الوقود، عندما وعد الخبازون بالعودة إلى الأسعار المدعومة.
وبينما تنزلق أسعار النفط إلى الأسفل، تجد الحكومات صعوبة في الحفاظ على وتيرة الإصلاح في دول الخليج. ويقلل المسؤولون في هذه الدول من أهمية الحاجة إلى تغيير خططهم، قائلين إن الاحتياطيات المالية السليمة، أو الاقتراض قصير الأجل، سوف يسمح لهذه المنطقة المعتمدة على النفط بالاستمرار في معدلات الإنفاق خلال فترة انخفاض أسعار النفط.
ولدى الدول الخليجية الأكثر ثراءً، مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر، احتياطيات يمكن لبرامج الإنفاق أن ترتكز عليها بسهولة.
وقد بنت المملكة العربية السعودية احتياطيات بقيمة 750 مليار دولار خلال فترة الازدهار، ولكن الإنفاق تضخم أيضًا في عهد الملك «عبدالله بن عبد العزيز آل سعود»، الذي توفي الأسبوع الماضي تاركًا إرثًا من التحديات الاقتصادية لخليفته الملك «سلمان»، وأما البحرين وسلطنة عمان، فهما تواجهان مشاكل أكبر من باقي دول الخليج.
ويحذر الاقتصاديون من أن المنطقة سوف تنزلق إلى مزيد من الاعتماد على النفط، ما لم يتم الجمع بين ترشيد الإنفاق وتدابير لزيادة الإنتاجية في القطاع الخاص.
وحذر «صندوق النقد الدولي» الأسبوع الماضي: «بما أن الانخفاض في أسعار النفط قد يكون مستمرًا، فقد تحتاج معظم الدول المصدرة للنفط في المنطقة إلى ضبط أوضاعها المالية مع الحقائق الجديدة لسوق النفط العالمية، لضمان حفاظها على الاستدامة المالية».
ووفقًا لورقة بحثية نشرها HSBC الأسبوع الماضي، كان هناك زيادة قدرها أربعة أضعاف في الإنفاق العام بين عامي 2003 و2014، ترافقت مع زيادة أسعار النفط خلال نفس الفترة، وقادت الازدهار الاقتصادي في منطقة الخليج، إلا أنها جعلت الإنفاق الحكومي عاملًا حاسمًا بالنسبة للثروات الاقتصادية في المنطقة.
وقد بدأت دول الخليج أيضًا بإنشاء مشاريع البنية التحتية المحلية المكلفة، إلى جانب تقديم المساعدات الحكومية السخية، وخاصةً في أعقاب الانتفاضات العربية لعام 2011.
وكان هذا السخاء بمثابة الجزرة التي رافقت عصا الحملات القمعية التي أطلقت بدرجات متفاوتة ضد مطالب الإصلاح السياسي في جميع أنحاء دول الخليج.
وسمحت العائدات النفطية لصناديق الثروة السيادية هذه بأن تصبح من المستثمرين الأكثر نشاطًا في الأصول العالمية. بعض من هذه الأموال، والتي تتحكم بما يقرب من 2.43 تريليون دولار، قد تخفض من نشاطها الآن أيضًا.
وقال HSBC في تقريره كذلك إنه حتى لو استقرت أسعار النفط عند نحو 60 دولارًا للبرميل، فإن الإنفاق العام في منطقة الخليج سوف يخسر 200 مليار دولار، وسوف يتحول فائض الـ6% في الناتج المحلي الإجمالي إلى عجز بنسبة 7%، حتى نهاية عام 2016.
ويتوقع HSBC أنه إذا لم تنتعش الأسعار بحلول منتصف العام، فسوف تخفض الحكومات في الإنفاق غير الأساسي وفي الاقتراض، وسوف تبدأ في تصفية الأصول من أجل تمويل العجز المتصاعد.
ويرى آخرون أن السعر المنخفض لفترة طويلة قد يدفع باتجاه إصلاح عملية الدعم، ترشيد الإنفاق الحكومي، وزيادة تنمية القطاع الخاص.
وقال «عبدالعزيز الياقوت»، وهو شريك رئيس في شركة المحاماة الكويتية ميسان: «الجانب المشرق هو إمكانية حدوث الإصلاح الذي تشتد الحاجة إليه».
وأضاف: «تستطيع الحكومات استخدام هذه الفرصة لكي تشرح لسكانها لماذا يجب اتخاذ بعض التدابير الصعبة، مثل إنهاء الإعانات».
وفي منطقة تعتبر فيها الوظيفة السهلة والبنزين الرخيص من الحقوق المكتسبة مع الولادة، كان إقناع المواطنين بأن يكونوا أكثر إنتاجية أولويةً بالنسبة لدول الخليج على مدى عقود.
وقد قدم السعوديون بالفعل نظامًا معروفًا باسم «نطاقات»، يدفع في تجاه توظيف السكان الأصليين بدلًا من المغتربين، ولكن النتائج كانت مختلطة بسبب المستويات الأدنى من المهارات والدوافع بين المواطنين، وبسبب مقاومة القطاع الخاص المدمن على العمالة الأجنبية الرخيصة.
وأيضًا، لا يزال القطاع العام المتضخم غير فعال ومكلف. لقد تزايد عدد الوظائف الحكومية بنسبة 70% منذ عام 2003، في المملكة العربية السعودية، في حين لم تثمر النجاحات في تعزيز مناخ الاستثمار على نطاق أوسع، والتركيز على إصلاح التعليم وقضايا الحكم، عن نتائج كافية حتى الآن.
وقال «سايمون وليامز»، كبير الاقتصاديين في HSBC لمنطقة الشرق الأوسط: «أنت بحاجة إلى إصلاح سقف منزلك عندما تكون الشمس مشرقة كما كانت على مدى السنوات العشر الماضية، عندما لا تفعل ذلك، لن يكون هناك الكثير لفعله عندما تبدأ الأمطار بالتساقط كما يحدث الآن».