على العاهل السعودي الجديد أن يصلح الاقتصاد قبل فوات الآوان

الخميس 5 فبراير 2015 04:02 ص

منذ ظهورها كدولة موحدة في عام 1932، اعتمدت المملكة العربية السعودية على النفط للوصول إلى هيمنتها الاقتصادية الحالية. معظم التحسينات والانتكاسات في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن تُعزى دائمًا إلى الصعود والهبوط في سوق النفط.

وبينما يبدو هذا النوع من التقلب في الإيرادات أمراً غير مفيد، فإن الاعتماد على النفط لا يعطي الكثير من أجراس الإنذار إذا كانت مستدامة. ولكن الأمر ليس كذلك. النفط والعائدات التي تأتي من وراء النفط - 90% من إجمالي دخل الحكومة - سوف تنضب في مرحلة ما في المستقبل، والاقتصاد قد ينهار ما لم يكن هناك تنوع.

هذا شيء لم يستطع الملك «عبد الله بن عبد العزيز» الذي حكم البلاد على مدى عقدين تقريبًا حتى وفاته الأسبوع الماضي القيام به. الآن شقيقه «سلمان» - ولي العهد ووزير الدفاع الأسبق - جلس الآن على العرش وأمسك بمقاليد حكم أكبر اقتصاد في منطقة الخليج.

ولدى الملك «سلمان» الآن فرصة تسريع الإصلاحات الاقتصادية التي وعد بها شقيقه، ولكن السعي عادة ما يكون بوتيرة بطيئة، ما يترك المملكة تقريبًا في اعتماد كامل على النفط.

هل يستطيع الملك «سلمان» فعل ذلك؟ للأسف؛ هناك احتمالات ضئيلة للقيام بذلك، وسوف تكون الأولوية القصوى للإصلاح السياسي.

اقتصاد النفط

ويعكس التاريخ الاقتصادي للمملكة العربية السعودية ما يحدث داخل سوق النفط مُحددًا صعود وتراجع سعر برميل النفط الخام. لقد كان قويًا منذ عام 1975 - 1980، وحقق آداءًا جيدًا منذ عام 1999، لكنه تراجع ليستقر في منطقة بين بين.

وفي حين أن معظم المؤشرات الاجتماعية - مثل محو الأمية والحصول على التعليم الجيد والرعاية الصحية ذات الجودة العالية وارتفاع متوسط العمر المتوقع - قد تحسنت بشكل ملحوظ، إلا إن بعض المجالات الأخرى قد ازدادت سوءًا؛ مثل الحصول على السكن المناسب وتوفير فرص العمل.

وكان التحدي الاقتصادي الرئيسي - ولا يزال - هو توسيع القطاع الخاص والتنويع بعيدًا عن النفط. هذا شيء من الصعب القيام به في بلد يمتلك أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم فضلاً عن كونه أكبر منتج. وفي عام 2013م؛ كان كل ثمانية براميل نفط ينتجها العالم بأسره منها برميل خارج من آبار المملكة العربية السعودية.

لكن تنفيذ إصلاحات سوق العمل وبناء المؤسسات هو أمرٌ ضروري لدعم النمو الاقتصادي المستدام، وتوفير فرص عمل جيدة لعدد متزايد من الشباب الباحث عن عمل وحماية مستقبل الأجيال القادمة، في الوقت الذي تُستنزف فيه احتياطيات البلاد - رغم وفرتها - من النفط.

على الرغم من أن القطاع الخاص قد ينمو بقوة، إلا إنه لم يشهد توسعًا بسرعة كافية تلبي الطلب. كما أن القليل من تلك الوظائف تذهب للمواطنين. ووفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي في عام 2013، فإن حوالي ثلاث أرباع الوظائف من إجمالي مليوني وظيفة مستحدثة في السنوات الأربع السابقة ذهبت للأجانب والوافدين.

وفي الوقت نفسه؛ فإن هناك ما يزيد على30% من الشباب والنساء لا يملكون فرصة عمل. وبالنسبة لأولائك الذين يعملون؛ فإن 75% منهم يعملون لحساب الحكومة.

وقد تكون البطالة هي الخطر الأكبر بالنسبة للنظام.

تبعية مؤسفة

وحققت المملكة تقدمًا محدودًا للغاية فيما يتعلق بالإصلاحات تحت إدارات الملوك الخمسة من أبناء الملك «عبد العزيز آل سعود» - مؤسس المملكة العربية السعودية والعاهل الأول - الذي أشرف على اكتشاف البترول في عام 1938م. ولم تكن الإصلاحات والتقدم سوى مزيداً من السراب أكثر من كونها شيئًا ملموسًا.

وقد نفذت الحكومة بعض الإصلاحات الداخلية مثل قطع الإجراءات الروتينة، وتخصيص بدل للباحثين عن عمل، ونظام توزيع الحصص المدعم لزيادة فرص العمل للمواطنين وفقًا لصندوق النقد الدولي. لكن حتى الآن لم يتمّ فعل شيءٍ يُذكر للسعوديين لإدراجهم في القوى العاملة داخل القطاع الخاص.

ويسلط الركود الأخير في أسعار النفط الضوء علىى حاجة المملكة للتعجيل في تلك الخطوة، في الوقت الذي يضع فيه انخفاض الإيرادات ضغطًا على احتياطياتها الكبيرة من النقد الأجنبي، والمقدرة حاليًا بحوالي 750 مليار دولار.

هذا أمر ملح على وجه الخصوص؛ لقد اعتاد «آل سعود» على رمي المال لحل كل المشاكل الداخلية والخارجية وتجنب الإصلاحات الضرورية. وتنفق الحكومة سنويًا ما يزيد على 60 مليار دولار على دعم الوقود، و67 مليار دولار كنفقات عسكرية (الترتيب الرابع في العالم)، والعديد من المليارات أيضًا تذهب لمساعدة الحكام في الخارج مثل مصر وغيرها. وهذا النهج غير مستدام.

ولنأخذ مثالاً تاريخيًا واحدًا فقط؛ كانت الاحتياطيات المالية الأجنبية متراجعة بشدة في عام 1980م، ولكن خلال السنوات العجاف – 1981 حتى 1999، تمّ استنزاف المملكة العربية السعودية كثيرًا، ما اضطر الدولة إلى اللجوء إلى الاقتراض. إنها تذكرة قوية بأن احتياطيات تغدو وتروح، وسوف يكون من الأفضل استخدام المال لحماية مصالح الأجيال المستقبلية من خلال بناء القطاع الخاص أو إنشاء صندوق خارجي للأجيال القادمة، وهو صندوق تحكمه قواعد وسياسات شفافة.

ومن المتوقع أن تبقى أسعار النفط في حدود 40 دولاراً إلى 60 دولارا للبرميل على الأقل خلال السنوات الخمس المقبلة بسبب ضعف النمو العالمي، وعدم الرغبة من قبل المنتجين - بما في ذلك «أوبك» - في خفض الإنتاج. وهذا سيؤدي الى اتساع عجز الموازنة والحساب الجاري، ما يقود بدوره إلى ضعف مخزون الاحتياطي. وهذا يعني أن الملك الجديد يحتاج إلى التحرك بسرعة لتغيير الامور.

زمن مليء بالاضطرابات

ووصل الملك «سلمان» إلى عرش المملكة العربية السعودية في وقت من الاضطرابات التي تعصف باستقرار المنطقة، فضلاً عن التحديات الاجتماعية في الداخل السعودي. والسؤال: هل هو على مستوى هذه المهمة؟

وتعاني منطقة الشرق الأوسط من اضطرابات لم يسبق لها مثيل، بل ربما تفوق الاضطرابات التي تزامنت مع بداية الثورة الإيرانية. أصدقاء المملكة العربية السعودية في المنطقة - ومعظمهم من الملكيات والديكتاتوريات – يعانون الحصار. المتطرفون السنّة الذين يشجعهم بيت آل سعود بالثروة الهائلة لمواجهة الثورة الإيرانية التي بدأت في منتصف السبعينيات يزداد خطرهم يومًا تلو الآخر. وهم غير مقتنعين بالعمل في الظل ولكن يريدون السيطرة على مقاليد السلطة.

كما تظهر إيران في الوقت الراهن وكأنها في طور التقارب مع الحليف القوي للمملكة - الولايات المتحدة الأمريكية – ما يصيب المملكة بالضجر بعد ضياع الكثير من الدم والمال في المنطقة، حيث تبدو واشنطن وكأنها على استعداد لتقديم تنازلات للتقارب مع خصوم المملكة. أدوات السعودية الوحيدة الفعالة في السياسات الدولية - النفط وما يجلبه من نقد – ربما تكون في تراجع دائم.

ولسوء الحظ؛ فإن الملك «سلمان» قد لا يمكنه فعل ما فعله الراحل «عبد الله». وكان هناك تأييد قوي لـ«عبد الله» على مستوى المملكة، ومع ذلك فقد تحرك بحذر شديد جدًا. ولا يتمتع «سلمان» بنفس المستوى من الدعم، ويعاني حالة صحية سيئة تردد أنه يعاني الخرف أو الزهايمر. وعلاوة على ذلك؛ فإن المملكة العربية السعودية في منتصف العالم العربي تنهال عليها الدعوات المطالبة بإصلاحات في الحكم والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. والسؤال الكبير هو كم من الوقت يمكن أن تصمد المملكة أمام الإصلاح السياسي في حد ذاته.

مشاكل الأسرة والإصلاح السياسي

وما يجعل الأمور أكثر سوءًا هو زرع «سلمان» - بالفعل - بذور الاضطرابات العائلية التي من المرجح أن تحد من زيادة قدرته على متابعة أي إصلاح ذات مغزى.

وحتى من قبل دفن الملك الراحل «عبدالله»؛ اختار «سلمان» «محمد بن نايف» - وزير الداخلية ونجل أخيه الشقيق - ليكون وليا لولي العهد. وهذه الخطوة تجعل «بن نايف» أول فرد من الجيل القادم للعائلة جاهزًا ليكون ملك المستقبل، وهو الخيار الذي كان من المفترض أن يتم من قبل مجلس يضم 35 رجلاً عينه الراحل «عبد الله».

وتجعل هذه المكائد الملكية المستقبل السياسي والاقتصادي للمملكة أكثر إزعاجًا.

إن استمرار الحكم الاستبدادي في المملكة العربية السعودية يعد بمثابة وقود أكثر للتطرف وعدم الاستقرار والاضطراب والثورة. إن أفضل دفاع ضد الاضطرابات في المستقبل والسبيل إلى الازدهار المستدام هو وضع جدول زمني لإجراء إصلاحات سياسية ذات مغزى نحو ملكية دستورية.

وإذا كانت الولايات المتحدة في موقع الصديق الحميم للمملكة، فإنه يتعين على واشنطن اتباع سياسة الحب القاسي وتوجيه «سلمان» إلى مثل هذه النهاية.

المصدر | حسين العسكري، ذا ويك

  كلمات مفتاحية

الملك سلمان السعودية النفط

«التليجراف»: الملك «سلمان» يقيد يد «النعيمي» في «النفط» بتعيين نجله نائبا له

«سلمان»… أسوأ ملوك السعودية حظاً !

«فورين بوليسي»: «سلمان» يواجه تحديات هبوط النفط وإيران و«الدولة الإسلامية»

وزير البترول السعودي النعيمي باق في منصبه ولا تغيير في السياسة

فاينانشيال تايمز: الملك «سلمان» يواجه تحديات اقتصادية كبيرة