اليمن في انتظار الصراع الطائفي: التمدد «الحوثي» يدفع القبائل إلى احتضان «القاعدة»

الثلاثاء 10 فبراير 2015 09:02 ص

أنشأ مسلحون من بني ظبيان - قبيلة بارزة تعيش في شمال صنعاء باليمن - يوم الأحد الماضي معسكرا بالقرب من محافظة مأرب؛ المقاطعة الغنية بالنفط في وسط اليمن. وكانت هذه ثالث نقطة تجمع تؤسسها القبائل المحلية في المحافظة منذ سبتمبر/أيلول الماضي للحد من زحف الحوثيين صوب المنطقة الغنية بالنفط.

وتهدد التوترات المُختمرة بين الحوثيين - جماعة متمردة تعود للطائفة الزيدية أحد فروع الشيعة والتي اجتاحت العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/أيلول عام 2014 - وبين القبائل من المناطق القبلية التي تعتنق المذهب الشافعي السني في وسط وجنوب اليمن مثل تلك الموجودة في مأرب، تهدد بانزلاق هذا البلد غير المستقر للغاية والمهم استراتيجيا إلى حرب أهلية طاحنة تقضي على الأخضر واليابس. وليس هناك قلق أكثر من ذلك الذي يتعلق بمحافظة مأرب التي تُعد مصدرا لنسبة كبيرة من عائدات النفط والغاز الحكومية، بالإضافة إلى الجزء الأكبر من إمدادات الكهرباء في البلاد.

واحتشد الآلاف من مسلحي القبائل في مأرب منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي كنوع من استعراض القوة لإثبات قدرتهم على الدفاع عن أراضيهم متى قرر الحوثيون دخول المحافظة. وتعهد الحوثيون مرارًا وتكرارًا ببسط سيطرتهم على مأرب. ويعلن الحوثيون أنهم بحاجة إلى السيطرة على المنطقة من أجل حماية المنشآت العامة ومحاربة تنظيم القاعدة. ولكن رجال القبائل الذين عارضوا التقدم الحوثي يعتقدون أنهم يهتمون أكثر بالاستيلاء على حقول النفط والغاز الطبيعي في مأرب التي تشكل مصدرًا لمعظم إيرادات الدولة، وهي خطوة من شأنها أن تعزز قبضة الحوثيين على السلطة في اليمن.

وتستخدم القبائل المناهضة للحوثيين النفوذ الوحيد الذي لديهم لمنع الحوثيين من دخول محافظتهم؛ حيث يهددون بتدمير البنية التحتية للنفط والغاز والكهرباء، والتي هي ضرورية للغاية لجعل اليمن قادرا على المضي قُدما كبلد يعيش فيه الناس.

وينتج اليمن ما لا يقل عن نصف احتياجاته من النفط من حقول مأرب، وتقع حقول الغاز الطبيعي الرئيسية في البلاد في تلك المحافظة أيضا. وكذلك الأمر بالنسبة لمحطات توليد الطاقة التي توفر الكثير من الطاقة الكهربائية لشمال البلاد، بما في ذلك العاصمة. «إذا حاول الحوثيون قتالنا فسوف نُعيد اليمن إلى حقبة السبعينيات»؛ هكذا حذّر «أحمد شليف» أحد شيوخ قبيلة «جهم» البارزة بين خمس قبائل رئيسية في مأرب.

وتكلم الشيخ «شليف» بكل صراحة مُظهرا عدم اكتراثه أو قلقه من تداعيات تدمير البنية التحتية المهمة في منطقته وباقي مناطق مأرب التي تسكنها قبائل أخرى.

وعلى الرغم من ثرواتها الطبيعية؛ إلا إن مأرب أحد أهم المناطق التي تعاني فقرا مُدقعا وتخلفا بالغا في أفقر بلد في العالم العربي. مأرب عبارة عن محافظة تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية؛ بما في ذلك الطرق والمياه الجارية والصحة والمرافق التعليمية. ويعتقد سكان مأرب بقوة أنهم تعرضوا لتهميش منهجي لعقود من الزمن في الوقت الذي تذهب فيه عائدات النفط والغاز في مناطقهم إلى جيوب المسئولين الفاسدين.

وأضاف «شليف» قائلا: «ليس لدينا كهرباء ولا خدمات، وتذهب ثروتنا وخيراتنا دائمًا إلى صنعاء وبقية البلاد بينما نحن نَسُفّ التراب»، مستطردًا بنبرة تظهر لا مبالاته «ليس لدينا شيء لنخسره».

فشل الحلول السياسية

ولمنع وقوع كارثة في مأرب؛ حاول قادة سياسيون ومسئولون حكوميون دون جدوى التوسط لتوقيع اتفاق بين الحوثيين والقبائل منذ سبتمبر/أيلول الماضي. وفي أوائل ديسمبر/كانون الأول عام 2014م، تفاوضت لجنة برلمانية على صفقة بمقتضاها اتفقت السلطات المحلية والقبائل المحلية على مساعدة الحكومة في الحفاظ على الأمن من خلال اعتقال المتشددين والمجرمين، لكن الحوثيين رفضوا الصفقة.

واستمر التوتر في التصاعد مع تكثيف الحوثيين من ضغطهم على الرئيس المؤقت «عبد ربه منصور هادي»، ما دفعه في نهاية المطاف هو ورئيس الوزراء «خالد بحاح» والحكومة إلى تقديم الاستقالة بشكل جماعي في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي.

تعنت الحوثيين وادعاءاتهم بأن رجال القبائل على ارتباط بتنظيم القاعدة - لا يفرقون بين الطرفين - أثار غضب القبائل في مأرب. واتهم «عبد الملك الحوثي» - زعيم المتمردين الحوثيين - في خطاب ألقاه مطلع يناير/كانون الثاني رجال القبائل في مأرب بتعمدهم تسليم المحافظة إلى تنظيم القاعدة.

«ليس للحوثيين مهمة ولا وظيفة سوى اتهامنا بمثل تلك الاتهامات»؛ هكذا قال ناشط شبابي من قبيلة عبيدة التي تسيطر على المنطقة الواقعة حول معظم حقول النفط الرئيسية في المحافظة خلال مقابلة معه. وأضاف الناشط: «رجال القبائل قُتلوا وهم يحاولون التخلص من تنظيم القاعدة ولكن لا يمكننا القيام بذلك من دون دعم الحكومة». وحاول إثبات وجهة نظره بالإشارة إلى حادثة سقط فيها خمسة من رجال القبائل قتلى خلال اشتباكات مع عناصر القاعدة من نفس القبيلة في سبتمبر عام 2013.

ووقعت اشتباكات عنيفة بين الحوثيين والقبائل المحلية المدعومة من التجمع اليمني للإصلاح - التابع لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن - في غرب مأرب في صيف عام 2014. وانتهت المواجهة بتوجيه الحوثيين وجوههم من جديد إلى صنعاء. ولكن في ظل المناخ الضبابي وحالة عدم اليقين السياسي في العاصمة بعد استقالة الحكومة اليمنية، التف رجال القبائل من مختلف ألوان الطيف السياسي في مأرب حول الحاجة الماسّة لمقاومة الحوثيين. وفي منتصف يناير/كانون الثاني، أصدر حزبان سياسيان متنافسان في اليمن - حزب المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح - بيانا يتهم الحوثيين بالتخطيط لــ«جر مأرب إلى صراع إقليمي وطائفي»، وتعهدا معا بمنع المليشيات الحوثية من دخول المحافظة تحت أي ظروف.

إهانة القبائل

وتنظر القبائل المحلية إلى الحوثيين الذين يأتون من الحدود اليمنية الشمالية الغربية مع المملكة العربية السعودية على أنهم غرباء في شكل جماعة مسلحة تسعى إلى فرض سيطرتها السياسية ووضع القبائل في حالة من التبعية. القبائل في اليمن - وفقًا للمتخصص في علم الإنسان «شيلاغ وير» -  بمثابة سيادات صغيرة تحرس مناطقهم من الحكم الذاتي المحلي بعصبية، وترى دورها الأساسي توفير الحماية لأعضائها ضد انتهاكات للدولة.

ويخشى زعماء القبائل من تشكيل الحوثيين تحديا ليس فقط لسلطتهم، ولكن أيضا من إلحاق العار بهم علنا عن طريق سلبهم الحكم الذاتي الراسخ. ومنذ سيطرتهم على صنعاء ومحافظات أخرى في شمال غرب البلاد، استخدم الحوثيون القوة ضد زعماء القبائل الذين يعارضونهم. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي داهم مسلحون حوثيون بيوت محافظي مأرب والجوف (محافظة في شمال مأرب) في صنعاء. وأظهر فيديو مسرب زعيم قبائل حاشد الذي كان يتمتع بالقوة والنفوذ يوما ما - «صادق الأحمر» - يجلس على كرسي لا حول له ولا قوة، في الوقت الذي فتش الحوثيون منزله وألقوا القبض على ابن عمه. وتبع تلك العملية تنديد على نطاق واسع؛ حيث وُصف بأنه عمل من أعمال عدم احترام التقاليد القبلية وإهانتها.

«تمت إهانة قبيلة حاشد. نحن زعماء قبائل قبل أن نكون رؤساء أحزاب سياسية. ما رأيناه من أنصار الحوثي ومليشياتهم أمر مخيف. لقد أهانوا مشايخ مثلنا في أماكن أخرى». هكذا قال الشيخ «عبدالواحد نمران» من قبيلة مراد أحد القبائل الخمس الرئيسية في مأرب وزعيم حزب المؤتمر الشعبي العام الذي قاد إنشاء نقطة تجمع ضد الحوثيين في المحافظة.

في أحضان القاعدة

ولكن رجال القبائل ليسوا الوحيدين الذين يقاومون استيلاء الحوثيين على السلطة. عقب استقالة الحكومة مباشرة، أعلنت السلطة المحلية في مأرب الحكم الذاتي الكامل حتى ينقشع الغبار في صنعاء. وأدان بيان نشرته السلطة المحلية أحداث يناير، والتي وصفته بأنه «انقلاب» ضد الرئيس، ووصف إجراءات الحوثيين الأخيرة بأنها «نقطة سوداء مظلمة في تاريخ اليمن». وردا على القرار الحوثي أحادي الجانب بحل البرلمان والإعلان عن سلطة انتقالية، فإن قادة محليين من قبائل مأرب والجوف والبيضا - المحافظات القبلية الثلاث التي تشكل أحد الفيدراليات الست التي تم تحديدها في أوائل عام 2014 - التقوا واتفقوا على إعلان منطقة مستقلة في 11 فبراير/شباط.

وفي رداع؛ وهي منطقة قبلية إلى الجنوب مباشرة من مأرب فإن الحوثيين يواجهون حرب استنزاف. وبمساعدة الجيش اليمني والمساعدات التي على ما يبدو أنها غير مقصودة من الطائرات بدون طيار التي توجهها الولايات المتحدة لتستهدف عناصر القاعدة، فقد دفع الحوثيون تنظيم القاعدة بعيدًا عن معقله وسيطروا على المنطقة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. ولكن سيطرتهم لم تدم طويلا. واندلعت اشتباكات بين الحوثيين والقبائل المحلية مرارا وتكرارا منذ دخول الحوثيين المنطقة، وزادت بشدة الشهر الماضي. وأكثر ما يزعج في الأمر هو أن القبائل التي عارضت تنظيم القاعدة في السابق عادت لتنظر إليه كحليف طبيعي في الحرب ضد الحوثيين.

«لأول مرة في اليمن نرى القبائل تحتضن أعضاء تنظيم القاعدة»؛ بحسب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن «جمال بن عمر».

وعلى الرغم من أن الصراع بين الحوثيين وقبائل اليمن ينبع من الصراع على السلطة في صنعاء وليس على أساس ديني أو أيديولوجي، إلا إنه من الممكن أن يتطور إلى صراع طائفي. وتعود القبائل المحلية المعارضة للحوثيين إلى المذهب الشافعي السني. وينظر الشافعيون منذ أمد طويل إلى الهيمنة الزيدية على شمال اليمن باستياء، مع العلم أن الزيديين حكموا شمال اليمن لأكثر من ألف سنة، ولا تزال الأسر الزيدية تسيطر على السياسة في البلاد.

واستغل تنظيم القاعدة حالة الكره والاستياء تجاه الحوثيين ليصوروا حملتهم على أنها جهاد سنّي ضد الشيعة المنافسين، وهي الرسالة التي يبدو أن صداها قد تردد بين السكان المحليين. وعلى مدى الأشهر الماضية؛ اتخذ الخطاب بين كل من الحوثيين والقبائل المعارضة لهم لهجة طائفية بشكل ملحوظ للغاية.

ومن غير الواضح ما ستؤول إليه الأوضاع في مأرب، ولكن القبائل قد أعدت نفسها لتشكيل دفاع قوي لصد أي تقدم حوثي. وتشير تقارير إلى أن القبائل تتلقى المساعدة من المملكة العربية السعودية التي روّعها ارتفاع الحوثيين.

يتحرك الحوثيون بمعنويات مرتفعة بعد سلسلة النجاحات التي حققوها مُؤخرا، وربما تكون سببا جيدا لإغرائهم بمواصلة توسعهم وبسط سيطرتهم على جزء كبير من مخازن الأسلحة الحكومية. ولكن كما يقول «تشارلز شميتز» - باحث في معهد الشرق الأوسط - إن الحوثيين «ربما كسبوا المعركة الأولى لكنهم سيخسرون الحرب، وسوف يكون هناك الكثير من سفك الدماء في اليمن».

ربما يصبح اليمن حقلا جديدًا لحرب وكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية. ولكن ما يزعج أكثر أنه ستكون هناك مناطق واسعة غير محكومة؛ حيث القبائل والقاعدة لديها عدو مشترك.

المصدر | ندوى الدوسري، أتلانتك كاونسل

  كلمات مفتاحية

اليمن ميليشيات الحوثيين القاعدة الحوثيون مأرب

«القدس العربي»: الانقلاب الحوثي أدخل اليمن نفقا مظلما ومنح إيران ورقة قوة إقليمية إضافية

نيويورك تايمز: الحوثيون يمدون صلاتهم بالخارج بينما يكرسون سلطتهم في اليمن

«الحوثي» يبرر انقلابه بتهاون الرئاسة في محاربة القاعدة ومجلس الأمن يتمسك بشرعية «هادي»

السعودية تحذر رئيس اليمن: الحرب علي مأرب تعني الحرب على الرياض

نفط اليمن: «مأرب» التي أشعلت أطماع المتصارعين

الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي على أبواب صنعاء

«القاعدة» تتوعد «الحوثيين»: نعاهد الله أن ننهش أكبادكم بأظفارنا

"المتمردون الشيعة" قادة اليمن الجدد

"مجلس التعاون" واليمن المنكوب

قبائل يمنية تستعد بثلاثة آلاف مقاتل لتأمين محافظة شبوة من ”خطر“ الحوثيين

الحوثيون وتشظي اليمن

«نيويورك تايمز»: المتمردون الحوثيون يتهمون السعودية بإشعال الفتنة لتقسيم اليمن

اللعبة الطائفية في اليمن

«رويترز»: اتهام «الحوثي» للسعودية بالتخطيط للاستيلاء على اليمن يشير لغياب الحلول الوسط

وحدة اليمن الإسلامي والمنزلق الطائفي