مع قرب انعقاد المؤتمر الإقتصاديّ المصريّ (مصر المستقبل)، الّذي تعوّل عليه الإدارة السياسيّة في الدَفع بالإقتصاد المصريّ، بدت حال من التخوّف الشديد داخل الحكومة المصريّة من عدم نجاح المؤتمر لأسباب عدّة غيّرت ملامح العلاقة بين مصر ودول الخليج العربيّ، الّتي لطالما دعمت إدارة الرّئيس السيسي سياسيّا واقتصاديّا منذ نجاحه في إزاحة نظام الإخوان المسلمين حتّى ترشّحه وتولّيه القيادة.
ورغم التّصريحات الّتي تبدو في مجملها "طموحة" لحكومة ابراهيم محلب، وتعرب عن ثقته في نجاح المؤتمر وحصوله على الدّعم العالميّ وقبول شركات عالميّة عدّة بالحصول على فرص الإستثمار في مصر من خلال المشاريع الّتي ستطرحها الدولة خلال المؤتمر، إلا أنّ عدداً من المؤشّرات بدأت تهدّد مصير المؤتمر، وفي مقدّمها تذبذب العلاقة بين القاهرة ودول الخليج العربيّ.
وبعيداً من الأحاديث المثارة في الوسطين السياسيّ والإعلاميّ عن تغيّر سياسات المملكة العربيّة السعوديّة مع إدارة السيسي، بعد وفاه الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلاّ أنّ الأزمة الاقتصاديّة الّتي يمرّ فيها الخليج العربيّ، وخصوصاً دول الكويت والإمارات العربيّة المتّحدة والسعوديّة بسبب إنخفاض أسعار النّفط في الخليج وانعكاساته السلبيّة السريعة على الميزانيّة العامّة لدول الخليج، ستكون السبب الرئيسيّ وراء تقليل الدّعم الماليّ الموجّه إلى مصر، حسبما رأى خبراء اقتصاديّون.
وبدأ رئيس الوزراء المصريّ زيارات خليجيّة للكويت في 2 من فبراير/شباط، ثمّ الإمارات العربيّة المتّحدة في 11 من الشهر نفسه، قبيل انعقاد المؤتمر الشهر المقبل، وحمل خلالها ملف المؤتمر الإقتصاديّ على رأس أجندته، حيث كان حديثه ومباحثاته مع المسؤولين الخليجيّين تتطلّع إلى مزيد من الدّعمين الإقتصاديّ والماليّ، إلاّ أنّ المؤشّرات تؤكّد أن ّالدّعم الخليجيّ السخيّ الّتي حظيت به مصر قد لا يستمرّ طويلاّ.
وكانت مصر قد حصلت على مساعدات بقيمة 16.7 مليار دولار من خلال مساعدات ماليّة في صورة ودائع بفائدة صفريّة لدعم الاحتياطيّ النقديّ الأجنبيّ لمصر، ومساعدات نفطيّة، عقب 30 يونيو.
وقال مسؤول اقتصاديّ بارز في الحكومة المصريّة في حديث مع "المونيتور": "لقد طلبنا دعماً ماليّاً إضافيّاً ومباشراً يتمّ وضعه في الخزانة العامّة للدولة، وحصلنا على وعود مطمئنة"، لكنّه رفض الإفصاح عن طبيعة الدّعم المنتظر أو موعده.
ومن جهته، أكّد السفير المصريّ في الكويت عبد الكريم سليمان، في تصريحات صحافيّة خلال زيارة محلب للكويت "أنّه ليست لديه معلومات عن أيّ معونات جديدة من الكويت لمصر".
وإنّ حديث المسؤولين الخليجيّين خلال مباحثات محلب، أعطى للقاهرة رسالة بأنّه لا مزيد من المساعدات الماليّة، ولكن كان هناك ترحيب كبير بزيادة الاستثمارات المباشرة في السوق المصريّة، والدخول في مشاريع جديدة، لكن مع المطالبة بتعديل مناخ الاستثمار وإزالة المعوقات والإجراءات البيروقراطيّة أمام المستثمرين.
وفي حديث لـ"المونيتور"، قال رئيس لجنة الموازنة والماليّة في مجلس الأمّة الكويتيّ فيصل الشايع: "رغم أنّ الكويت تمرّ في أزمة اقتصاديّة بعد انخفاض أسعار النّفط، لكن علينا ألاّ ننسى مصر".
وتحدّث الشايع عن ملامح الأزمة الاقتصاديّة التي تمرّ فيها الكويت فقال: "إنّ الأزمة أثّرت على الاقتصاد الكويتيّ، حيث أنّ الايرادات كادت تغطّي الميزانيّة وكان دائماً هناك فائض، لكن الآن الدخل النفطيّ يبلغ 12 مليار دينار كويتيّ، والميزانيّة 19 مليار دينار. إذاً، هناك عجز 8 مليار دينار، والظرف الحاليّ تسبّب في أن تمرّ الكويت في أزمة حادّة".
أضاف: "تطرّقنا في مجلس الأمّة إلى استمرار المساعدات عبر وسائل أخرى، ومن خلال استثمارات وودائع لسند الاقتصاد المصريّ، لا في صورة منح أو قروض".
ورأى الخبير والمحلّل الاقتصاديّ عمر الشنيطي في حديثه مع "المونيتور"، أنّ تقليل الدّعم الخليجيّ للقاهرة طبيعيّ، وقال: "منذ البداية كان موقف الخليج واضحاً بتوجيه دعم محدود، ليس إلى ما لا نهاية. وإنّ الاتّجاه العام لدول الخليج كان عدم الاستمرار في توجيه الدّعم المباشر وتغيّره في شكل استثمارات، خصوصاً بعد أزمة انخفاض عوائد النّفط".
وتوقّع ألاّ يساهم المؤتمر الاقتصاديّ المصريّ في الدّفع باستثمارات يمكن أن يكون لها تأثير كبير في السوق المصريّة، وقال: "سيحضر المستثمرون العرب، وستكون هناك مذكّرات تعاون وصفقات اقتصاديّة، ولكن جدولها التنفيذيّ لن يكون سريعاً بسبب مشاكل المناخ الاستثماريّ في مصر".
لا تزال هناك تخوّفات رسميّة من أن يكون المؤتمر الاقتصاديّ مجرّد ساحة للحديث فقط عن قوّة الاقتصاد المصريّ وقدرته على التّعافي من دون تحقيق خطوات وتوقيع عقود حقيقيّة للاستثمار من قبل شركات عربيّة أو صينيّة أو أوروبيّة وأميركيّة للحصول على المشاريع السبعة التي ستعلنها الحكومة خلال المؤتمر، بينما لا تزال اللّجنة الوزاريّة الّتي شكلها رئيس الوزراء لشؤون الإعداد للمؤتمر تجري اتصالات مكثّفة مع الشركات التجاريّة العالميّة لتأكيد حضورها ومشاركتها الفعّالة في المؤتمر، الّذي ترى فيه القاهرة فرصة كبيرة للتّرويج للاستثمارت وتعتبره شهادة دوليّة وإقليميّة قويّة لتعافي الاقتصاد المصريّ.