آفاق التسوية السعودية الإيرانية..! 

الاثنين 23 فبراير 2015 06:02 ص

حتى الأمس القريب استمر تذبذب آراء المحللين والمتابعين لفرضية الاقتراب الإيراني ـ السعودي ولو «القسري»، وإمكانية بلوغه تسوية ما. اليوم وبعد لحظة ما يمكن اختصاره وتكثيفه ثنائية «القنيطرة ــ شبعا»، وما انبثق عنها من نتائج استراتيجية على المنطقة وتفاعلاتها برمتها، أمكن استشراف بجانب النتيجة الأهم المرتبطة بالصراع مع العدو الأوحد إسرائيل، حتمية التقارب السعودي من إيران وإنجاز الحوار الاستراتيجي المنتظر، وبالتوازي تسريع إنجاز تسوية الملف النووي الإيراني مع دول 5+1.

يحاول هذا التحليل الوقوف على التعاطي السعودي مع المسألة خصوصاً في السنوات الأخيرة، سنوات الاشتباك الأقسى مع إيران وتبيان تصاعد مؤشرات وعلامات الاقتراب وصولاً إلى لحظة «القنيطرة ــ شبعا» الحاسمة وآثارها في فرضية التقارب.

أدارت المملكة السعودية الظهر لأي حوار مع إيران خصوصاً بعد اندلاع الحراك/ الأزمة في سوريا مرتكزة بذلك إلى رؤية شاملة لمرحلة ما سمّي «الربيع العربي» مفادها:

ــ إسقاط الحكم في سوريا لإضعاف نفوذ عدوها الأول إيران، وأعلنت مواجهتها المفتوحة وبلا حدود أو ضوابط، وأقّر القريب كما البعيد أنّها دفعت بثقلها لاغتنام الفرصة، فجندت كل العصبيات الممكنة للدفاع عن الشعب السوري كما زعمت.

ــ الحؤول دون تمدد رياح الحراك الشعبي نحوها باعتماد دعم «نسقي للثورات» أو مميت كما وصّف البعض وعبر رزمة سياسات مالية وفتيا دينية محضّرة.

وفي استطلاع بعض المؤشرات الدولية والإقليمية الدّالة فإنّه:

1ــ رغم محاولات ضغط الكونغرس أو توزيع الأدوار لتحسين شروط التفاوض فقد بات واضحاً أنّ الإدارة الأميركية سائرة لإنجاز التسوية بالملف النووي مع إيران لاعتباره إنجاز القرن الدبلوماسي – وهو كذلك - وتجّد لإقناع حلفائها الإقليميين، ويعتقد أنّه لم يعد موضع جدال دخول أميركا لحظة التحول الاستراتيجي الفعلي إلى حوض الباسيفيك، ومسارعتها لاستخلاف حضورها بدول الناتو التقليدية وتأمين مصالحها ومصالحهم وما يعوزه ذلك من اعتراف مرغمة ومذعنة ولو متأخرا بإيران ودورها المركزي كقوة إقليمية كبرى.

2ــ سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن المؤثر البارز في أمن السعودية القومي بل والأمن العالمي، شاهد بيّن وإضافي لوجهة السير السياسية ومآلها، فاقتصار دورها على شكل من مجاراة الأمر الواقع واحتواء آثاره قدر الممكن بإظهار دور سياسي فاعل لها كما يحاول البيت الأبيض الإيحاء دوماً – ورفض القوى الرئيسة وفي مقدمهم الحوثيين - وتكثر انتقادات حلفاء أميركا لدور وسيط الأمم المتحدة بن عمر إلى اليمن.

3ــ نظام السيسي، الظهير الإقليمي للسعودية، يدخل هو الآخر مرحلة من فقدان السيطرة واللاستقرار مع دوامة العنف وتهديد الإرهاب القاتل والمتفاقم، ولا يبدو قادراً على وضع حلٍ له أو مواجهته بنجاح وعبّر الرئيس السيسي أنّ المواجهة صعبة وقاسية وستأخذ وقتاً طويلاً ... هذا الأمر سيزيد قلق السعودية وهواجسها من عدم استقرار سندها وظهيرها «الاستراتيجي» والنفسي.

4ــ التصريح اللافت للملك الأردني «أننا اليوم في سوريا أمام حربين، حرب على الإرهاب وحرب على النظام وعلينا جميعاً تحديد الأولويات وتحمل المسؤوليات إذ لا نستطيع السير بحربين»، ومفاد كلامه أنه وبسقوط نظرية إسقاط الحكم في سوريا للأسباب المعروفة لم يعد أمامنا إلّا البحث في مواجهة الإرهاب وحسم المعركة معه، لأنّ خيار التقسيم الذي يدفع إليه البعض أو يسعى لفرضه كأمر واقع هو تهديد للمنطقة بأسرها وكارثي على حلفاء أميركا العرب أولاً.

5ــ وأبرز المؤشرات يظهر بالرسالة العميقة التي بعث بها الأمين العام لحزب الله في لحظة استثنائية خلال مقابلته الأخيرة على قناة الميادين، محاولاً فتح نافذة في جدار العلاقة مع المملكة السعودية وافتراض دور سياسي لها حتى في سوريا - رغم انهيار جماعاتها على الأرض بحسب رأيه.

وتأتي تصريحات أصحاب القرار في إيران لتؤكد السياق ذاته، ضرورة إنجاز حوار استراتيجي صريح وشفاف كما عبّر رئيس مجلس الأمن القومي علي شامخاني ووزير الخارجية ورئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان وغيرهم في الأيام القليلة الأخيرة.

الرسالة تأتي في لحظة دولية وإقليمية خاصة من الاشتباك، فعملياً اكتمل الطوق السياسي والأمني على المملكة، إن بالتصدي لسياستها وإفشالها (كما في سوريا) أو بالاستيعاب (كما في مسألة النفط) أو بقلب الطاولة (كما في اليمن، والبحرين ولو مع وقف التنفيذ)، أو بانقلاب إخفاقاتها وأخطائها السياسة القاتلة عليها، أضف إليه نقاط الضعف الضاربة فيها كمسائل الإصلاح الداخلي والإبقاء على نظام حكم يندى له جبين القرن الواحد والعشرين، قرن احترام كرامة الإنسان وأدنى حقوقه كما يدّعى ودعم «الإرهاب» تحت مسميات مختلفة في سوريا والعراق، والذي ارتد عليها وعلى حلفائها اليوم كما كان متوقعاً. 

يمكن تفسير المؤشرات الآنفة وغيرها الكثير كإرهاصات لإنجاز تسوية استراتيجية سعودية ــ إيرانية، لكنّ المؤشر الأهّم والأبلغ هو ما أوصلته رسالة الأسبوعين الأخيرين، رسالة القنيطرة-شبعا وآثارها، حيث نقلت التحليل من تعزيز الفرص إلى الحتمية كما تفترض العقلانية السياسية.

فكلام العقل يفيد وحتى المصلحة والبراغماتية أن المسار الوحيد الممكن والمنقذ هو خيار التسوية مع إيران بمعزل إن كانت مكرهة أو مرغمة أو كارهة أو...

فما هو مؤشر ثنائية «القنيطرة ــ شبعا» وماذا أنتجت ساعاتها الأخيرة في البيئة الإقليمية بل والدولية؟

أسقط محور المقاومة كما أسلفنا بقوة فعله، وبالتغيرات التي فرضها في البيئة الدولية والتوازنات فيها، وبالاستفادة من السياسات المتعثرة والمربكة لأغلب دول المنطقة وعلى رأسهم السعودية، المرتكزات الثلاث الأولى للسياسة السعودية، حتى أتت ثنائية «القنيطرة-شبعا» لتسقط آخر ركائز الرؤية السعودية وتثبت عدم واقعية وفاعلية هذا العنصر الضمني (الاعتماد على إسرائيل).

ففضلاً عن الفرصة التي أتاحتها هذه الحادثة الاستثنائية للمقاومة لتعيد تأكيد حقيقة إيمانها واعتقادها السياسي والجهادي ووجهة سيرها الفعلية ومسح غبار الشبهة عن ما درج خصومها وأعداؤها الترويج له لتطييف مشروعها وتستعيد وهجها بين أهلها وأحبائها على امتداد العالم العربي والإسلامي وقضيتها الأم – فلسطين – التي نذرت شبابها وعمرها لها.

أكملت ثنائية «القنيطرة-شبعا» الطوق على إسرائيل، وقلبت المعادلة بتكريس العجز الإسرائيلي العميق وتصدع قدرة الردع وانعدام المبادرة الفاعلة القادرة على تغيير المعطيات، معطوفاً ذلك على مزيد من انكشاف أزمة المناعة الداخلية وجهوزيتها لخوض حرب لن تقاس بأيّ قبلها.

وبانتظار الرّد الإيراني الآتي في لحظة تختارها، أمكن القول إنّ إسرائيل أعجز من أن تخوض حرباً وتغيير وجهة السير وأكثر ما يمكنها هو القتال بأدوات عربية اللغة أو إسلامية المظهر، والإعتماد عليها ولو ضمناً اي أكثر من سراب!

السعودية اليوم أمام فرصة وخيار واقعي وحيد لا ثاني له. المنطق والمصلحة العليا تقتضي منها أن تستحث الخطى لتسوية تأخذ هواجسها ومصالحها المعقولة بالاعتبار. اختبار العراق مؤشر يمكن البناء عليه لأي تفاوض مفترض، وما تسير إليه الأمور بين تيار المستقبل وحزب الله مؤشر آخر من لبنان، ورسالة أمين عام حزب الله لدور سياسي للملكة في سوريا - رغم تهاوي حضورها الميداني - مؤشر ثالث.

كلّها أمارات ومقدمات مساعدة لبلورة تسوية صريحة وشفافة بين إيران والسعودية. وهو ما نعتقد أن محور المقاومة ساعٍ إليه وجادٌ فيه أكثر لا سيما بعد نجاحه بفرض إيقاع الأحداث وأخذ المبادرة على امتداد المنطقة.

فهل ستتعاطى المملكة (ومن خلفها أميركا) مع العرض بذهنية الفرصة وتتقدّم الساحة كقوة عربية مسؤولة تمتلك الوضوح والصراحة أم أنّه ما زال البعض فيها يراهن بالهروب أكثر إلى الأمام، عندها ستتغير قواعد التفاوض بحسب معطيات الميدان. لكن ليس الميدان السوري فحسب بل رقعة المنطقة الكبرى وبقواعد اشتباك وخطوط مختلفة عن التي رسِّمت للسنوات الأربع الماضية.

 

* بلال ناصـر باحث لبناني

 

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران اليمن سوريا حزب الله القنيطرة شبعا

استطلاع أوروبي لـ«مخاوف» السعوديين: إيران تحاصرنا

مجلة إسرائيلية: السعودية تستعد لليوم الذي يلي الاتفاق مع إيران