استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حول تناول الإعلام الأميركي لاعتداء «تشابل هيل»

الأربعاء 4 مارس 2015 05:03 ص

بعد مقتل ثلاثة مسلمين عرب (ضياء بركات وزوجته يسر أبو صالحة وشقيقتها رزان)، على يد الأميركي كريغ هيكس في ولاية نورث كارولينا الأميركية، أو ما بات يعرف إعلامياً باعتداء «تشابل هيل». حدثت أكثر الأشياء «تقليدية» في الإعلام الأميركي في تناول الحوادث من هذه النوع. بالنظر إلى هوية القاتل والضحية، وسياقات الحدث نفسه.

تحليل الرؤية الإعلامية للحدث يأتي بناء على فكرة أساسية يؤكدها كل من اليزابيث بيرد وروبرت داردين؛ باعتبار الأخبار «قصة عن الواقع، لا الواقع نفسه». من هنا كان الإعلام يخلق نماذج وأطراً لتناول بعض القضايا بغض النظر عن الوقائع على الأرض. ومن هنا كانت هذه القوالب تتكرر في الإعلام حال وجود عناصر معينة، مثل عرق المجرم أو الضحية، وسياق الحدث..الخ. فالنقد يوجه هنا إلى هذه القوالب والأطر التي تتكرر، بغض النظر عما يحدث على الواقع؛ لأن ما يحدث أكثر تعقيداً من أن يتم نقله بشكل بريء على شاشات التلفزيون وأخبار الصحف، وهذه الوسائل الإعلامية أكثر انحيازاً من أن تقوم بنقل الواقع بشكل أمين.

ابتداءً، تجاهل الإعلام الأميركي الحدث لساعات، لم يتم الحديث عن جريمة القتل إلا على نطاقات محدودة في مواقع محلية مختصة بأخبار ولاية نورث كارولينا. قامت هذه الوسائل الإعلامية بتغطية حادثة القتل باعتيادية تغطية أي حادثة قتل يومية تحدث في المدن الأميركية. هذا ما دفع عرب ومسلمون من الولايات المتحدة للحديث عن الحدث وتجاهل الإعلام له عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، ولاسيما «تويتر» و«فيسبوك». ينظر بعضهم أن هذه الحملة الإعلامية دفعت القنوات الأميركية الرئيسية إلى تناول الموضوع لاحقاً (بعد أكثر من 10 ساعات من تجاهل الحدث).

على رغم حقيقة أن القاتل كريغ هيكس كتب عبارات رافضة لكل الأديان (باعتباره ملحداً) وضايق الضحايا مراراً، ولاسيما بعد زواج ضياء من يسر الفتاة المحجبة)، إلا أن التغطيات الإعلامية بدايةً حاولت التغاضي عن اعتبار الجريمة تمت بدافع الكراهية الدينية، وروَّجت لحديث زوج القاتل، والتي أشارت إلى خلافات حول مواقف السيارات. استبعاد الكراهية أو العنصرية أمر متوقع من الإعلام الأميركي باعتبار الجاني غير مسلم. إذ في حال كونه مسلماً، سيتم تلقائياً اعتبار القضية جريمة كراهية دينية، بغض النظر عن ملابسات الحادثة.

هناك أمور عدة يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تناول مثل هذه القضية إعلامياً. أولها: التركيز على «الإسلام» في أي حادثة مشابهة. سواءً أكان الجاني مسلماً أم المجني عليه. باعتبار «الإسلام» مسألة إشكالٍ إعلامياً اليوم. وهذا ما ظهر بالتغطية الإعلامية للحدث في الولايات المتحدة. إذ برز الإسلام كعامل أساسي. بينما لن تشير القنوات الأميركية إلى دين الجاني أو الضحايا لو كانوا مسيحيين.

ينبع هذا من حساسية القضايا المتعلقة بالأقليات إعلامياً بشكل عام، كأن يكون الجاني أو المجني عليه أسودَ أو مكسيكياً، إضافة إلى حساسية «الإسلام» -كما أسلفت-. الغريب أن الإشارة إلى هوية المجني عليهم، رافقها نفي لاحتمالية أن يكون دافع الجريمة «كراهية دينية».

السياق الآخر في التناول الإعلامي الذي لا يمكن تجاهله: النقاش الدائر حول فيلم «القناص الأميركي» المرشح لجوائز أوسكار عدة. إذ يدور جدل كبير حول هذا الفيلم الذي حقق إيرادات تاريخية في صندوق مبيعات السينما الأميركية، إذ يرى بعضهم أن الفيلم يمجد القتل ويزدري المسلمين والعرب ويسوق لقتلهم. ويستشهد هؤلاء بكتابات أميركيين على وسائل التواصل الاجتماعي تزدري العرب والمسلمين وتحرض على قتلهم. فهذا يجعل قتل مسلمين، ولاسيما مع وصف طريقة القتل، أنها تحاكي الإعدامات بإطلاق النار على الرأس بشكل مباشر، يجعل القضية أكثر حساسية بكثير.

كل هذا، لا يمكن فصله عن القوة الإعلامية لتنظيم «داعش» ومشاهد القتل والحرق والتدمير التي تبث بشكل دائم، وتربط بطبيعة الحال بالمسلمين والعرب إن لم يكن بشكل مباشر من الإعلام، ففي عقول المشاهدين.

من هنا كان حدث «تشابل هيل» غاية في التعقيد، وصعوبات التغطية الإعلامية مضاعفة ضمن السياقات التي أشرت إليها.

إلا أن وسائل الإعلام لم تخرج عما هو متوقع، من تجاهل الموضوع في البداية، ثم الإشارة إليه مع محاولة نفي طابع الكراهية الدينية عن الاعتداء والتلميح إلى الخلاف حول مواقف السيارات، ربما في محاولة لوضع القضية في إطار خلل عقلي أصاب الجاني لحظة ارتكاب الجريمة.

ربما يعتقد بعضهم بأن الحديث عن الخلل العقلي من قبيل المبالغة هنا، أعني القول بأن الإعلام الأميركي يحاول أن يضع جرائم الإرهاب المرتكبة من مواطنين بيض (غير المسلمين) باعتبارها حدثت بسبب خلل عقلي، من أجل استبعاد أي أغراض سياسية، وهو ما يعني رفض نعتها بحوادث «إرهابية»، إلا أن هذا النموذج دارج. ففي دراسة لكيمبرلي باول حول الأطر المستخدمة من الإعلام الأميركي لتغطية الحوادث الإرهابية من بعد أحداث سبتمبر، وجد أن وصف مرتكب الجريمة بأنه «مختل عقلياً» أمر شائع عندما يكون الجاني غير مسلم.

دائماً ما كانت تغطيات الإعلام الأميركي لقضايا العرب والمسلمين مسألة إشكال؛ بسبب تجاوز تأثير وسائل الإعلام الأميركية لحدودها، وتأثيرها في العالم. والأخطر تبني وسائل الإعلام العربية لما ينشر في الإعلام الأميركي باعتباره النموذج الذي يجب الاحتذاء به وتعميمه. ربما هذا ما جعل التغطيات العربية للحدث متأخرة جداً، وبدائية، لا تكاد أن تتجاوز نسخ ما نشر في وكالات الأنباء العالمية عن الاعتداء. 

 

  كلمات مفتاحية

الإعلام الأميركي الإعلام العربي اعتداء «تشابل هيل» ضياء بركات يسر أبوصالحة رزان أبوصالحة كريغ هيكس