«فورين أفيرز»: ماذا يعني فوز «أردوغان» لمستقبل تركيا؟

السبت 30 يونيو 2018 06:06 ص

يوم الأحد، فاز «رجب طيب أردوغان» بفترة رئاسة ثانية لتركيا، وحصل على أكثر من 50% من الأصوات اللازمة متجنبا الحاجة إلى جولة إعادة.

ورغم خسارة حزبه، «العدالة والتنمية»، للأغلبية في الانتخابات البرلمانية، إلا أن «أردوغان» كان قادرا على الاحتفاظ بأغلبيته في البرلمان بفضل عرض قوي من حليفه، حزب الحركة القومية.

وحصل «محرم إنجه»، مرشح المعارضة الرئيسي ومرشح حزب الشعب الجمهورى الديمقراطى الاجتماعى، على أكثر من 30% من الأصوات، ويمثل هذا أفضل نتيجة لديمقراطي اجتماعي في تركيا منذ أكثر من 40 عاما، وبعد إعلان الأناضول النتائج، قال «إنجه» إن الانتخابات لم تكن نزيهة من حيث ظروف الترشح والدعاية، لكنه اعترف بفوز «أردوغان».

وعلى الرغم من حصول «أردوغان» على ما يكفي من الأصوات لتجنب جولة ثانية، إلا أن العملية كشفت قادة المستقبل في تركيا، فللمرة الأولى منذ توليه السلطة قبل 15 عاما، كرئيس للوزراء، اضطر «أردوغان» إلى التعامل مع المنافسين الذين يمثلون توجهات اجتماعية مغايرة، مثل الديمقراطية الاجتماعية، واليمين القومي. وفضلا عن تحدي «إنجه» من اليسار، واجه «أردوغان» «ميرال أكشنار»، زعيمة الحزب الجيد القومي اليميني. وكان على «ميرال» أن تكون في وضع أفضل من «إنجه»، حيث إن ثلثي الأتراك يعتبرون متدينين قوميين محافظين، في حين يميل أقل من ثلثهم إلى اليسار، لكن التغيير قد يكون لا يزال في طور التكوين.

التحديات

ولطالما سيطرت الأحزاب اليمينية على السياسة التركية. وانتصر حزب ديمقراطي اجتماعي في انتخابات واحدة فقط، وكان ذلك قبل 40 عاما، عام 1977. واكتسب اليمين دعما جماعيا من خلال إعادة صراع الطبقات كحرب ثقافية. فالناس الذين يشكلون، في بلدان أخرى، قاعدة الدعم لأحزاب يسار الوسط، مثل الفلاحين والعمال، وأبناء الطبقة الوسطى الدنيا، أصبحوا قاعدة دعم للمحافظين المتدينين كتعبير عن الاستياء من النخبة الحضرية. ولدى العديد من الأثرياء وجهة نظر غربية، وهو ما جعل من السهل على المحافظين أن يلبسوا الصراع الطبقي ثوب المواجهة الثقافية الدينية. ولا يمثل «أردوغان» سوى أحدث زعيم محافظ يطرح نفسه كمدافع عن الناس العاديين ضد سكان المدينة «الأثرياء»، لكنه الأنجح من بينهم.

وقبل «إنجه»، لعبة اليسار المواجهة أمام المحافظين من خلال تبني الأخلاق النخبوية واتهام تدين الجماهير باعتباره رجعيا. ولكن من المعلوم أنه عندما فاز الديمقراطيون الاجتماعيون بانتصارهم الوحيد، كان لديهم قائد لم يكن يظهر العداء للتدين، وفي ذلك الوقت، كانوا يحملون مشعل تركيا المحافظة.

ويبدو أن «إنجه» قد تعلم من ذلك التاريخ، وهو ينحدر من بلدة صغيرة، ويصف نفسه بـ «الابن الثوري لعائلة محافظة»، ويعلن أنه ليس لديه مشكلة مع الحجاب، أو مع الآباء الذين يرسلون أولادهم إلى المدارس الإسلامية. وتجنب كلمة «العلمانية» في ظهوره في حملته الانتخابية. ومع كل هذا، فإنه منع «أردوغان» من القدرة على تشويه سمعته كممثل للنخبة الحضرية. وبدلا من ذلك، حول السلاح الطبقي ضد «أردوغان»، حيث أكد أنه «واحد من الناس».

كما أنجز «إنجه» آفاقا جديدة عبر التواصل مع الأكراد، وهي دائرة انتخابية يملك الديمقراطيون الاجتماعيون في تركيا تاريخا من العداء معهم. ومع ظهور حملته في المدينة الكردية الرئيسية في البلاد، «ديار بكر»، وعد «إنجه» باحترام الأكراد، وألمح إلى أنه يعارض أساليب الحكومة «القمعية»، بالقول إن البرلمان يجب أن يحل المشكلة، وقال إنه يؤيد التعليم باللغة الكردية.

وكان دعم «إنجه» للأكراد سابقا للحملة. ففي عام 2016، اتخذ موقفا ديمقراطيا مبدئيا عندما صوت البرلمان التركي على رفع حصانة بعض أعضائه، وهي خطوة كان الهدف منها تمهيد الطريق أمام مقاضاة البرلمانيين من الحزب الديمقراطي الشعبي اليساري المؤيد للأكراد، بما في ذلك زعيم الحزب، «صلاح الدين دميرطاش». (تم القبض على «دميرطاش» أواخر عام 2016، وتم اتهامه بدعم المسلحين الانفصاليين، ولا يزال في السجن).

وبعد أن كلف زعيم حزب الشعب الجمهوري، «كمال كليجدار أوغلو»، أعضاءه بتأييد مشروع القانون، حذر «إنجه» من أن هذه الخطوة ستضعف بشكل خطير ديمقراطية تركيا. وفي يوم التصويت، وتعبيرا عن معارضته، انضم إلى «دميرطاش» وزملائه على مائدتهم في حديقة البرلمان. وبعد إطلاق حملته الرئاسية، كان أول إجراء لـ«إنجه» هو زيارة «دميرطاش»، الذي كان مرشحا لحزب الشعوب الديمقراطي لمنصب الرئيس، في السجن.

وفي المقابل، فإن «ميرال أكشنار»، مرشحة المعارضة الرئيسية الأخرى، تواجه الكراهية من قبل الأكراد. وكانت وزيرة للداخلية في حكومة محافظة في منتصف التسعينيات، عندما نفذت الأجهزة الأمنية حربا قذرة في المناطق الكردية، تم خلالها اغتيال السياسيين والمثقفين ورجال الأعمال الأكراد. وأكسبتها قسوتها لقب «المرأة الحديدية».

وفي عام 2016، غادرت «أكشنار» حزب الحركة القومية اليميني، لتشكيل حزبها الخاص، «الحزب الجيد»، لكنها تمسكت بمعاداة القومية الكردية مثل حلفائها القدامى، وتعهدت بحل المشكلة الكردية في غضون 6 أشهر، وكان من المنتظر أنها سوف تستخدم أساليب مكافحة أكثر قسوة.

وتختلف شخصية «ميرال» القومية عن تلك التي تبناها «أردوغان» في الأعوام الأخيرة، وهي تتناغم مع غالبية الأتراك. لكن برنامجها الاقتصادي المحافظ أثبت أنه أقل انسجاما. ولم تتطرق إلى التوق المتزايد للعدالة الاجتماعية والمساواة في الدخل ونمو الطبقة العاملة بشكل مضطرب وانخفاض الأجور وغيرها من المشكلات.

ما بعد أردوغان

ساعد عدم الرضا عن الاختلافات الطبقية المتنامية «إنجه»، بدلا من «ميرال»، ليكون المنافس الرئيسي لـ«أردوغان». ومع ذلك، يعد «إنجه» إصلاحيا وليس ثوريا، وطمأن البنك المركزي بأنه سيظل مستقلا. ودعا إلى إعادة توزيع الدخل، والعمل على اقتصاد منتج يخلق فرص عمل.

ومست هذه الرسالة وترا حساسا، وبالنظر إلى النموذج الاقتصادي التركي فإنه موجه في الغالب نحو الاستهلاك، الذي يتم تمويله من خلال تدفق رأس المال الأجنبي، في حين ظل الاستثمار الصناعي منخفضا. ووصل هذا النهج إلى طريق مسدود، حيث تظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية الأتراك يريدون سياسات اقتصادية تعطي الأولوية لخلق الوظائف.

ورغم أن صعود «إنجه» يعكس مجتمعا متغيرا، فهو يواجه بعض الانتقادات لدعمه للأكراد. ورفض ديمقراطيون اجتماعيون أتراك آخرون النظر في تشكيل جبهة تقدمية مع اليسار الكردي المعتدل، الأمر الذي من شأنه أن يقدم ثقلا موازنا للتحالف القومي اليميني بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. وبدلا من ذلك، تحالف حزب الشعب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي مع الحزب «الجيد» في الانتخابات البرلمانية.

ويشير ظهور «إنجه» القوي إلى أنه نجح في الفوز بأصوات الأكراد، مع الحفاظ على دعم الديمقراطيين الاجتماعيين الوطنيين. ورغم أنه لن تكون هناك جولة ثانية، فإن ظهور ديمقراطي اجتماعي يفهم أن الديمقراطية الاجتماعية تحتاج إلى تجاوز الانقسامات الثقافية والعرقية من المرجح أن يكون له تأثير كبير على أي انتخابات مستقبلية في تركيا.

المصدر | هاليل كارافيلي - فورين أفيرز

  كلمات مفتاحية

أردوغان الانتخابات التركية محرم إنجه العدالة والتنمية الأكراد الاقتصاد التركي