القبلية والحرب السورية.. كيف تحكم ولاءات القبائل مسار الحرب؟

الأحد 15 يوليو 2018 03:07 ص

منذ بداية الانتفاضة السورية التي اندلعت عام 2011، اتجهت معظم الأبحاث إلى التركيز على عودة الطائفية والتطرف، في حين أن عودة القبلية لم تتم دراستها بعمق.

وعندما بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في الحصول على موطئ قدم في الجزء الشرقي من البلاد، بدأ الاهتمام بالقبائل السورية في الزيادة، وفجأة بدأت مراكز الدراسات والبحوث في مجموعة متنوعة من الدراسات حول قبائل سوريا بعد فترة طويلة من إغفال البعد القبلي للصراع لصالح البعد الطائفي.

وعلى الرغم من إضعاف علاقات القرابة بعوامل مثل التعليم، والتنقل المادي، والاستيطان والتحضر، فإنها لا تزال قوية وتلعب دورا هاماً في الصراع السوري.

القبلية في الثورة السورية

ورداً على استخدام النظام للقوة ضد حركة الاحتجاج، لجأت القبائل إلى الدفاع المسلح عن النفس ضد قوات الأمن، وبدأ العديد من الجنود وضباط الجيش من القبائل في الانشقاق للانضمام إلى المعارضة المسلحة.

وعندما انسحبت قوات النظام السوري من معظم المناطق الريفية في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، نشأت المنافسة بين مختلف العشائر لكسب أكبر قدر من غنائم الحرب المستمرة وكانت أهم الموارد هي حقول النفط والغاز، التي استولت عليها عشائر مختلفة في ريف دير الزور والحسكة.

ولاحقا، بذل تنظيم الدولة جهدا كبيرا في محاولة إقناع الشباب من القبائل بالانضمام إلى صفوفه، وأصدرت الجماعة العديد من مقاطع الفيديو لزعماء القبائل من البقارة والعقيدات والجبور، وهم يتعهدون بالولاء للخليفة المزعون، وباستخدام نهج العصا والجزرة، تمكن التنظيم من جذب العديد من شباب القبائل للانضمام إليه.

هناك عاملان ساعدا التنظيم في الحصول على موطئ قدم في المجتمع القبلي في سوريا، أولها، ظهور الفكر السلفي بين القبائل بعد عام 2000، نتيجة هجرة القبائل السورية على نطاق واسع للعمل في دول الخليج العربي، وثانيها مشاركة أعداد كبيرة من القبائل السورية في التمرد العراقي ضد الأمريكيين عام 2006.

وعندما كان التحالف الدولي يبحث عن حليف على الأرض لمحاربة تنظيم الدولة، فإن القبائل كانت مجزأة وبالتالي لا يمكنها تشكيل جبهة موحدة ضد التنظيم. بالإضافة إلى ذلك، كان العديد من شباب القبائل انضموا بالفعل إلى التنظيم، مما عقد جهود تشكيل قوة قبلية كبيرة لمحاربته.

وأدى صعود التنظيم وإحكام قبضته على الأراضي إلى تعقيد العلاقة بين الأكراد والقبائل العربية، وبدأ التنظيم في استغلال المنافسات بين القبائل والأكراد وبين القبائل نفسها لكسب الدعم القبلي، وأدركت قوات سوريا الديمقراطية أنها لا تستطيع الفوز ضد التنظيم دون دعم من القبائل المحلية، لذلك فإنها شرعت في إنشاء تحالفات مع القبائل المحلية التي كانت مستاءة من حكم الدولة الإسلامية وأرادت التخلص منها.

صراع إقليمي على ولاءات القبائل

 من ناحية أخرى، بدأت تركيا، التي كانت حذرة من تنامي نفوذ الأكراد في سوريا في تشكيل تحالفاتها الخاصة مع القبائل العربية في المنطقة، عبر اللعب بورقة القبلية نفسها.

وبما إن الحكومة التركية تستضيف آلاف اللاجئين من القبائل النازحة نتيجة للحرب الأهلية السورية، فإنها رعت ما كان يسمى «جيش القبائل الشرقية» بهدف مقاومة محاولات الاستيلاء على «المناطق القبلية العربية»، وفقا لبيان صادر عن اجتماع زعماء القبائل الذين أعلنوا إنشاء هذا الجيش في تركيا.

وعلى الصعيد الإقليمي، كانت السعودية وجيرانها في الخليج متخوفين من «الهلال الشيعي» الذي يمتد من إيران عبر العراق إلى سوريا وإلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط ​​في لبنان.

وكانت الانتفاضة فرصة ذهبية لدول الخليج لاستخدام صلاتها داخل سوريا لتدمير نظام «بشار الأسد» الذي أعطى إيران اليد العليا، ونشرت وسائل الإعلام السعودية العديد من مقاطع الفيديو لنساء من القبائل السورية تناشدن المساعدة من امتدادات هذه القبائل في السعودية.

وأثارت علاقات الدم القائمة تعاطفًا بين آلاف السعوديين والكويتيين والقطريين الذين تبرعوا بملايين الدولارات لدعم رجال القبائل السوريين، كما مول السعوديون تشكيل الميليشيات القبلية، مثل لواء الملك عبدالعزيز، المؤلف من رجال قبائل فدعان في الرقة.

وردت إيران وحلفاؤها بالمثل، حيث واجهت التعبئة التي كانت دول الخليج العربي وحلفاؤها تشجع عليها بين القبائل العربية السورية. ودعا المسؤولون الإيرانيون زعماء القبائل السوريين لزيارة طهران وإجراء محادثات في مناسبات عديدة، كما غطت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية زيارات زعماء القبائل السورية التي تصور هؤلاء المشايخ كشخصيات قومية مهمة، كما أنفقت إيران وحزب الله مبالغ كبيرة من المال على تدريب ميليشيات قبلية على القتال إلى جانب قواتهما في المناطق الريفية في سوريا.

وفشلت محاولات دول الخليج في استخدام علاقاتها مع القبائل في سوريا للإطاحة بالنظام لعدة أسباب، بما في ذلك المنافسة السعودية القطرية التي قسمت القبائل بين هاتين الدولتين، وصعود السلفية بين شباب القبائل الذي دفعهم للانضمام إلى جماعات مثل تنظيم الدولة وجبهة النصرة بدلاً من الانضمام إلى الميليشيات القبلية، بالإضافة إلى جهود إيران المضادّة للتواصل مع القبائل وتزويدها بصفقة أفضل من السعوديين، وأخيرا التنافس بين العديد من القبائل المحلية على غنائم الحرب بعد انسحاب النظام من مناطقهم.

النظام أيضا سيخطب ودهم

يبدو أننا نقترب من نهاية الحرب الأهلية السورية، وسيتعين على النظام وحلفاؤه الاعتماد على القبائل المحلية للحفاظ على السلام والأمن في المناطق التي تمكنوا من استعادتها من تنظيم الدولة ومناطق المعارضين الأخرى بهدف منع عودة ظهور تنظيم الدولة لتغطية النقص في القوى البشرية.

وسوف تلعب المصالحة القبلية دورا مهما في تحقيق السلام والاستقرار لكن هناك دائماً خطر العداوات القبلية وأعمال الثأر التي ستنشأ مرة أخرى بعد سنوات عديدة، نتيجة لتأُثير الأعمال المروعة التي ارتكبت على مدى فترة طويلة من الزمن من قبل مختلف الأطراف المعنية في هذه الحرب، وهو إرث لا يمكن تجاوزه بسهولة.

المصدر | كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية

  كلمات مفتاحية

الثورة السورية القبلية السعودية تركيا تنظيم الدولة