«فورين بوليسي»: انتهت الحرب السورية.. روسيا وإيران تفوزان وأمريكا تخسر

الاثنين 23 يوليو 2018 07:07 ص

في وقت سابق من هذا الشهر، رفعت قوات النظام السوري علمها فوق مدينة «درعا» الجنوبية، واحتفلت بذلك، وعلى الرغم من وجود المزيد من الدماء المسفوكة، لكنه كان من الصعب تفويت رمزية ما حدث.

وأخيرا، تم سحق الانتفاضة التي بدأت في تلك المدينة يوم 6 مارس/آذار عام 2011، وسوف تنتهي الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد، وزعزعت استقرار أجزاء من الشرق الأوسط وكذلك أوروبا، عاجلا وليس آجلا.

وقد انتصر «بشار الأسد»، الرجل الذي كان من المفترض أن سقوطه «مسألة وقت»، بمساعدة روسيا وإيران وحزب الله، على شعبه.

وتبدو واشنطن مشغولة للغاية عن التفكير في حقيقة أن عدد السوريين اليوم قد أصبح أقل بـ500 ألف تقريبا مما كان عليه عندما رش مجموعة من المراهقين رسوما حائطية بسيطة «تطالب الناس بإسقاط النظام» على مبانٍ في درعا، منذ أكثر من 7 أعوام.

ولكن الآن، ومع قرب انتهاء الصراع في سوريا، فمن الجدير التفكير في غرض وموقع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الجديد.

وقد تكون الخطوة الأولى التخلص من المبادئ التي ظلت منذ زمن بعيد في قلب السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، وساهمت في إرباكها وشللها في سوريا وخارجها.

وربما لا يوجد أي شخص داخل الإدارة الأمريكية المبتدئة يدرك مخاطر ما حدث.

وجاءت الانتفاضة السورية في وقت خيالي في الشرق الأوسط، عندما بدت الحرية قريبة في كل مكان، وبدأت تظاهرات الشعب في «درعا» بعد وقت قصير من سقوط رئيسي تونس ومصر.

وقد اختلط على الدبلوماسيين وصناع القرار والمحللين والصحفيين، ما جعلهم غير قادرين على تمييز الخلافات بين «الأسد» و«بن علي» أو بين هيكل النظام السوري ونظام الحكم المصري.

ولأن المجتمع السياسي لم يكن يتوقع أن يستمر الزعيم السوري طويلا، فقد تفاجأ بشكل كبير عندما تابع «الأسد» استراتيجيته الأكثر وضوحا وفعالية بشكل فاضح، ألا وهي عسكرة الانتفاضة.

وفي الوقت المناسب، جعلت الميليشيات المتنافسة في سوريا، والجهاديين والقوى الإقليمية، بالإضافة إلى تدخل روسيا، جعلت من الصعب تحديد المصالح الأمريكية في الصراع.

لذا، أدانت واشنطن إراقة الدماء، وأرسلت المساعدات إلى اللاجئين، ودعمت المتمردين «المعتدلين»، وقصفت تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها بقيت خارج الصراع المدني السوري.

التراجع الأمريكي

ولئلا يعتقد أي شخص أن هذه سياسة خاصة بالرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، وهدفه للخروج من الصراعات المباشرة في الشرق الأوسط، فإن سياسة خليفته ليست مختلفة بشكل كبير، باستثناء أن الرئيس «دونالد ترامب» صريح بشأن ترك سوريا لموسكو.

فبعد تدمير تنظيم الدولة الإسلامية، ورغم أن الجثث تستمر في التراكم، كانت واشنطن غير قادرة على التعبير عن القلق حول أي مشكلة أخرى.

وبالطبع، تختلف سوريا عن رواندا ودارفور، لكنها حالة أخرى من حالات القتل على نطاق واسع أصابت واشنطن بالشلل، ويبدو أنه حتى أولئك الذين يتمتعون بقدرات جيدة في قراءة التاريخ لم يكن يمكنهم تجنب تكرار أحداثه.

وقد نظر العديد من المحللين وصانعي السياسة، الذين فضلوا إبقاء الولايات المتحدة خارج سوريا، أو تقليل دورها هناك، في غزو العراق عام 2003، وفسروا كيف زعزع استقرار المنطقة، ومكن إيران، وألحق أضرارا بالعلاقات مع حلفاء واشنطن، وأذكى عنف المتطرفين، ما أدى إلى تقويض الموقف الأمريكي في المنطقة.

ويبدو أنه قد فات نفس المجموعة انتقاد ما فعله التقاعس الأمريكي في سوريا؛ فقد ساهم في عدم الاستقرار الإقليمي، وتمكين إيران، وأفسد العلاقات مع الأصدقاء الإقليميين، وعزز الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.

وقد يكون قرار الابتعاد مع ذلك جيدا، ولكنه جاء بتكلفة ملحوظة بالنسبة لموقف واشنطن في الشرق الأوسط.

وكان تضاؤل ​​النفوذ والتأثير الأمريكيين بسبب تراجع دورها في سوريا نتيجة سريعة وواضحة، وهو تطور لم يفكر فيه مجتمع السياسة، لأنه لم يكن من المفترض أن يحدث.

وبكل المقاييس التقليدية للقوة، فإن الولايات المتحدة، بعد كل شيء، ليس لها نظير، لكن القوة مفيدة فقط عند تطبيقها، وقد أثبتت واشنطن أنها غير قادرة أو غير راغبة في تشكيل الأحداث في الشرق الأوسط كما كانت في الماضي، أي أنها تخلت عن نفوذها.

وقد يكون هذا تطورا إيجابيا، فلا أحد يريد تكرار ما حدث في العراق، ولكن موسكو تدخلت في الفراغ الذي خلفته واشنطن وقدمت نفسها كشريك أفضل وأكثر كفاءة لدول الشرق الأوسط، وكان الصراع في سوريا هو الباب الرئيسي لذلك.

وعلى النقيض من الطريقة التي جاء بها الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» لإنقاذ حليف في أزمة، وهو «الأسد»، يرى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أن «أوباما» قد ساعد على الإطاحة بالرئيس المصري «حسني مبارك» من منصبه بعد 30 عاما، أنفق منها الكثير في تعزيز وضع واشنطن في المنطقة.

وقد لا يعجب المصريون والسعوديون والإماراتيون والإسرائيليون وغيرهم بـ «الأسد» كثيرا، لكن رد فعل روسيا القوي لمنع الديكتاتور السوري من السقوط يثير إعجابهم.

وأصبحت سوريا الآن محور واستراتيجية روسيا لإعادة تأكيد نفسها كقوة عالمية، ويمتد نفوذها المتجدد في الشرق الأوسط من دمشق شرقا عبر حكومة إقليم كردستان إلى إيران، ومن العاصمة السورية جنوبا إلى مصر، قبل التوجه غربا إلى ليبيا.

ولا تزال (إسرائيل) وتركيا ودول الخليج تتطلع إلى واشنطن من أجل القيادة، ولكنها بدأت أيضا في طلب المساعدة في تأمين مصالحها من الكرملين، وأصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي لاعبا أساسيا في استراتيجية «بوتين»، ويعد الرئيس التركي ونظيره الروسي، إلى جانب قادة إيران، شركاء في سوريا.

وقام الملك «سلمان» بأول زيارة يقوم بها ملك سعودي إلى موسكو في أكتوبر/تشرين الأول عام 2017، ويعتقد الإماراتيون أن الروس يجب أن يكونوا «على الطاولة» لإجراء مناقشات حول القضايا الإقليمية.

وبذلك انتهت حقبة حددت فيها الولايات المتحدة قواعد اللعبة في الشرق الأوسط وحافظت على نظام إقليمي أسهل وأقل تكلفة لممارسة النفوذ الأمريكي استمر لمدة 25 عاما.

وأخيرا، يكشف الوضع في سوريا عن تضارب عميق بين موقف الأمريكيين تجاه الشرق الأوسط والأهمية المتدنية لما كان المسؤولون الأمريكيون ينظرون إليه على أنه أساس مصالح واشنطن منذ فترة طويلة، فيما يتمثل في النفط و(إسرائيل) وهيمنة الولايات المتحدة على المنطقة.

ويتساءل الأمريكيون لماذا تنتشر القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج العربي إذا كانت الولايات المتحدة مهيأة لتصبح الآن أكبر منتج للنفط في العالم؟

وبعد حربين غير حاسمتين في 17 عاما، لا يمكن لأحد أن يقدم للأمريكيين سببا مقنعا لأن يكون نظام «الأسد» هو مشكلتهم. 

وربما الآن، بعد فوز فريق «الأسد - بوتين - خامنئي» في الصراع السوري، ستكون هناك فرصة للأمريكيين لمناقشة ما هو مهم في الشرق الأوسط ولماذا، لكن الأمر لن يكون الأمر سهلا، فالكونغرس مستقطب ومشلول، ويتم تحديد نهج واشنطن تجاه المنطقة من قبل رئيس متقلب.

وانسحب «ترامب» من الاتفاق النووي الإيراني، على الرغم من أنه لم يفعل الكثير منذ ذلك الحين بشأن إيران بخلاف الخطابة، وهو يريد مغادرة سوريا «في القريب العاجل»، حتى عندما تعهد مستشاره للأمن القومي بالبقاء طالما بقيت إيران.

وعلى الرغم من هذا التنافر، حان الوقت لإجراء نقاش حول الشرق الأوسط، وهناك حجة مقنعة مفادها أن المصالح الأمريكية تتطلب دورا أمريكيا نشطا في المنطقة، وهناك حجة مقنعة بنفس القدر بأن أهداف الولايات المتحدة يمكن تأمينها بدون الدخول في الحروب، ومشاريع الهندسة الاجتماعية، وعمليات السلام، والجلوس في «جنيف».

وبين هذا وذاك فإن  السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تتسم الآن بالتناقض وتسير بالقصور الذاتي، وفي ظل هذه الظروف، ستستمر سوريا وروسيا وإيران بالفوز والتقدم.

  كلمات مفتاحية

الحرب السورية فلاديمير بوتين بشار الأسد دونالد ترامب السياسة الأمريكية

بـ20 ألف قتيل.. 2018 العام الأقل دموية في سوريا

ما حقيقة اندلاع اشتباكات بين روسيا وإيران في سوريا؟