"ناشيونال إنترست": هل تتسبب إدلب في صدام تركي روسي

الأحد 9 سبتمبر 2018 01:09 ص

في بداية أغسطس/آب، حلقت الطائرات العسكرية السورية فوق محافظة إدلب الشمالية الغربية وألقت منشورات تحث السكان على الاستسلام وهددت بالعمل العسكري، وكان ذلك أحدث مثال على كيفية تجاهل "بشار الأسد" وقواته اتفاقيات خفض التصعيد ومواصلته هجومًا واسع النطاق ضد معارضته.

ومن المقرر أن تكون مدينة إدلب - وهي المنطقة الرئيسية الوحيدة التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا - هي الهدف التالي لتقدم النظام السوري.

وللنزاع الذي يلوح في الأفق آثار هامة على روسيا وتركيا ومستقبل الحرب السورية.

شراكة لن تستمر

فمنذ أواخر عام 2015 ، واصلت روسيا وتركيا استراتيجياتهما العسكرية في سوريا بتفاهم مشترك، وعلى الرغم من الإسقاط التركي لطائرة حربية روسية من طراز "سو -24" وما أعقبها من اغتيال السفير الروسي في تركيا، فقد استمرت الشراكة، مما أثار دهشة العديد من المراقبين.

علاوة على ذلك، قامت كل من روسيا وتركيا بإنشاء جيوب التأثير الخاصة التي ساعدتهما في تأمين أهدافهما الأساسية في سوريا، ومع ذلك ، فبالنسبة إلى جدول زمني طويل بما فيه الكفاية، فإن حتى أفضل الشراكات لها حدودها.

بالنسبة لتركيا، فإن أمن إدلب غير قابل للتفاوض، وقد انتشر الجيش التركي في المحافظة في العام الماضي، وما زال يمثل امتيازاً سياسياً حاسماً بالنسبة للرئيس "أردوغان"، وبدون ضمانات للأمن في إدلب، ستقوم تركيا إما بتصعيد مشاركتها العسكرية أو الكف عن المشاركة في تشكيل مستقبل الحكم السوري، ويعرض هذا على روسيا خيارًا صعبًا بين احترام المصالح التركية في سوريا أو استبعاد أنقرة كشريك في محادثات أستانا.

وكانت العلاقة الروسية التركية إحدى الفرص المواتية لروسيا، حيث نجح الرئيس "فلاديمير بوتين"، في تقديره، في الاستفادة من المخاوف الأمنية التركية في تأمين الانتصارات الإقليمية للنظام السوري، في المقابل، تلقت تركيا الدعم ضد القوات الكردية في شمال غرب سوريا، مما أدى إلى تحويل انتباهها بشكل كبير عن دعم المعارضة السورية ضد "الأسد"، ونتيجة لذلك، اعترفت كل دولة بحدودها وحقق البلدان تقدماً في العديد من مجالات التعاون، وأهمها عملية السلام السورية في أستانا.

ومنذ مايو/ أيار 2017، قامت محادثات أستانا - التي يهيمن عليها الروس والأتراك والإيرانيون - بإضفاء الصفة الرسمية على اتفاق لإنشاء 4 مناطق لخفض التصعيد في سوريا، شملت هذه المناطق جميع المناطق الهامة التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة السنية المسلحة، وركزت على تنفيذ وإنفاذ اتفاقات وقف إطلاق النار في الأراضي التي يسيطر عليها المعارضون حول درعا وحمص والغوطة الشرقية وإدلب.

ومن المفارقات أن العملية أدت إلى استيلاء النظام بالكامل على ثلاث من مناطق وقف إطلاق النار المذكورة آنفاً، وبعد انتهاء هجوم النظام في أبريل/نيسان 2018، استسلمت القوات المتمردة في الغوطة الشرقية أو وافقت على الانتقال إلى محافظة إدلب، وبالمثل، استسلمت قوات المتمردين في حمص في مايو/ أيار، وأخيراً، انتهى مؤخراً هجوم ثالث للنظام موجه ضد قوى المعارضة في درعا.

المصالح تتشابك في إدلب

في ضوء ذلك، تعتبر إدلب اليوم المعقل الأخير للمعارضة السورية، وعلى عكس المناطق الأخرى التي سيطرت عليها قوات النظام في الآونة الأخيرة، تتشابك في المدينة المصالح المتعارضة لجميع القوى الكبرى المعنية، مما يزيد من المخاطر بشكل كبير.

وبدءًا من أكتوبر/تشرين الأول 2017، أنشأ الجيش التركي نقاط مراقبة على طول خط الاتصال بين قوات النظام والمعارضة كوسيلة لفرض اتفاق خفض التصعيد، ويؤكد هذا الالتزام، الهام والمحفوف بالمخاطر، على أولوية أنقرة في الحفاظ على درجة من النظام في المحافظة.

ولكن التزام تركيا تجاه إدلب يرفع من التهديدات في أي مواجهة محتملة بين النظام والمعارضة في المدينة، أويهدد بنشوء عملية تمرد سني مطولة على طول الحدود الجنوبية لتركيا، وتركيا لا تريد كلا النتيجتين.

وأخيراً، تصبح الأمور أكثر تعقيداً مع كون إدلب واحدة من أعلى المناطق كثافة للأشخاص النازحين داخلياً واللاجئين في العالم، وتشير التقديرات إلى أن نصف سكان المنطقة البالغ عددهم مليوني نسمة قد نزحوا خلال السنوات الثمان الماضية، ووصل بالفعل مئات الآلاف من النازحين الجدد إلى المحافظة في العام الماضي.

إذن كيف تؤثر هذه العوامل على مستقبل العلاقات التركية الروسية؟ هناك مؤشرات متزايدة بالفعل على أن قوات النظام قد تشن عملية عسكرية هجومية ضد إدلب في الأسابيع المقبلة، وقد يتشجع "الأسد"، بفضل الانتصارات الأخيرة في الغوطة والجبهة الجنوبية، على المخاطرة باستفزاز تركيا خاصة إذا ضمن رضا روسياً، كما إن وجود جماعة "هيئة تحرير الشام" الموالية لتنظيم القاعدة، والتي تسيطر على منطقة مهمة في المحافظة، سيزيد من تعقيد الحقائق على الأرض إذا ما اندلع العنف.

وقد أظهرت تركيا استعدادها لاستخدام القوة العسكرية في سوريا لتأمين ما ترى أنه مصلحتها، وركزت عمليتا "درع الفرات" و"غصن الزيتون" على الاستجابة للتطورات المرتبطة بشكل أساسي بالتهديدات الأمنية لأنقرة من القوات الكردية على حدودها الجنوبية، وقد أعرب "أردوغان" نفسه عن قلقه من هجوم النظام في إدلب في عدد من المناسبات، وربط مصير المحافظة بمصير عملية أستانا في يوليو/تموز عام 2018.

ومن المنطقي أن نعتقد في أن تركيا ستستجيب بالقوة، عند استفزازها في مثل هذه المنطقة ذات الأولوية العالية.

هل ستسيطر روسيا على "الأسد"؟

ولحسن الحظ، في الوقت الحالي، يبدو أن روسيا تعترف بخطورة الوضع.

ففي يوليو/ تموز الماضي، صرح كبير المفاوضين الروس في سوريا، "ألكسندر لافرينتييف" علناً: "إن أي عملية واسعة النطاق في إدلب غير واردة"، ومع ذلك، في الأيام الأخيرة، اتهمت روسيا الولايات المتحدة بالتحضير لهجوم على الجيش السوري واتهمت المعارضة السورية بالتخطيط لهجوم بالأسلحة الكيميائية.

رداً على ذلك، قامت موسكو بنشر ما يصل إلى 13 سفينة روسية من أسطول البحر الأسود عبر مضيق البوسفور إلى البحر الأبيض المتوسط.

وفي حالة حدوث نزاع في إدلب، ما هو الدور الذي ستلعبه روسيا؟

تشير سياسات روسيا السابقة، بما في ذلك الدعم الضمني لعملية "غصن الزيتون" التركية في عفرين عبر سحب الشرطة العسكرية الروسية من المنطقة في يناير/كانون الثاني 2018 – تشير إلى أن موسكو قد ترضي المصالح التركية بالنظر إلى البدائل المكلفة، لكن المراقبين على دراية مماثلة باستعداد موسكو الذي لا يلين لدعم نظام "الأسد" إلى أبعد الحدود.

ولكن يجب على موسكو ونظام "الأسد" ألا يتجاهلا التزام تركيا بمستقبل سوريا، وفي المقابل على موسكو أن تنصح أنقرة بأن تخطو بحذر وأن تحتفظ بخيار النأي بنفسها عن احتمال حدوث خطأ في الحسابات من قبل قوات النظام.

فرصة لواشنطن

بعد 7 سنوات بالضبط من دعوة الرئيس "أوباما" إلى تنحي "الأسد" رسميا، فإن الولايات المتحدة نحَّت نفسها تقريباً عن الأحداث التي تحدث على الأرض والمناقشات التي تشكل المستقبل السياسي في سوريا، وفي حين حذر مستشار الأمن القومي الأمريكي "جون بولتون" نظيره الروسي، "نيكولاي باتروشيف"، من استخدام الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية، فإن المناقشات في جنيف لم تتضمن تفاهماً حول الأمن الدائم لإدلب.

وكما أظهرت السنوات الثلاث الأخيرة، فإن الولايات المتحدة ليست في وضع جيد للتعاون مع روسيا في سوريا، ومع ذلك، لا يزال بإمكانها استعادة شراكتها مع تركيا.

وقد أدت الصدامات الأخيرة بين إدارة "ترامب" والرئيس "أردوغان" بشأن احتجاز القس الأمريكي "أندرو برونسون" وفرض العقوبات على الاقتصاد التركي من خلال زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على الفولاذ والألومنيوم إلى إضعاف العلاقة الأمريكية التركية، لكن تبقى سوريا أولوية بالنسبة للبلدين، وإذا رغبت واشنطن في إنقاذ أي نفوذ متبقي لها على عملية السلام، سيكون من الحكمة إعادة النظر في خلافها الأخير مع تركيا.

وفي الأسابيع المقبلة، سيحدد أمن إدلب الوضع في سوريا، ومن شأن تصعيد كبير أن يزيد بشكل كبير من الخسائر البشرية المستمرة في الحرب التي دامت 8 سنوات، وسوف يكون مدمراً لبقايا المعارضة السورية.

وإذا اعتبرت أنقرة أن الكفاح من أجل إدلب مكلف للغاية وتنازلت عن مصالحها السياسية، فإنها ستخسر في نهاية المطاف دورها الفاعل، مما سيترك واشنطن بدون حليف في عملية السلام السورية، وبالتالي، فمن المُلحّ أن تدعم واشنطن تركيا وتعمل بنشاط لإصلاح علاقتها مع أنقرة للاحتفاظ بأي نفوذ على الأرض.

وإذا انسحب حليف الولايات المتحدة وعضو حلف الناتو من معركة الدفاع عن الجيوب الأخيرة للمقاومة في سوريا، فإن "الأسد"، وروسيا، وإيران سيكونون هم المنتصرون في نهاية المطاف.

المصدر | جابرييل وايت وبوجدان بيلي - ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا أمريكا نظام الأسد إدلب البحر المتوسط مضيق البسفور أستانا جنيف