تأميم أموال "إخوان مصر".. رصاصة الرحمة لجهود جذب الاستثمار

الخميس 13 سبتمبر 2018 10:09 ص

"رأس المال جبان.. ويجب طمأنته بالتشديد على الالتزام بالقانون والدستور وإقرار الأمن؛ وإلا فسيهرب فورا، وهذا ما قررت أن أفعله، سأصفي شركاتي وأسافر"..

بتلك الكلمات علق مستثمر مصري في مجال العقارات على قرار لجنة "التحفظ والإدارة والتصرف في أموال من الجماعات الإرهابية والإرهابيين" مصادرة أموال 118 شركة تنتمي لجماعة إرهابية، وهو ما وصفه رجل الأعمال بأنه "تأميم جديد"، في إشارة إلى قرارات "خمسينيات القرن الماضي" بتأميم أموال أسرة الملك الراحل والمقربين منه.

ولفت المستثمر المصري، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أنه باتت لديه مخاوف فعلية من أن تلك الإجراءات لن تكون الأخيرة: "الاعتقالات بدأت بقيادات الإخوان، لكنها في النهاية شملت كثيرا ممن ليست لهم أي علاقة بالإخوان.. ليبراليين ويساريين وآخرين ليست لهم علاقة بأي تيار سياسي راحوا في الرجلين (تم اعتقالهم أيضا)"، على حد تعبيره.

وشمل قرار مصادرة الأموال عددا من الشركات المعروفة، مثل "راديو شاك"، و"موبايل شوب"، و"سعودي"، وصحيفتي "المصريون"، و"البورصة"، وشركة "الأندلس والحجاز للخدمات العقارية والتسويق"، شركة "أندلسية" للفندقة والسياحة، شركة الهدية للبرمجيات، وشركة "جنة فودز".

وجاء قرار اللجنة بناء على قانون أصدره الرئيس "عبدالفتاح السيسي" في أبريل/ نيسان الماضي، يمكن للجنة بموجبه مصادرة الأموال المتحفظ عليها، والتصرف فيها، وذلك تحسبا لصدور أحكام ببطلان الإجراءات التحفظية المتخذة بشأنها منذ 2013.

خرق الدستور

لكن قانونيين مصريين أشاروا إلى تعارض القانون الجديد مع المادة 40 من الدستور المصري الصادر عام 2014، والتي تنص على أن "المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي".

وأشاروا إلى أن المصادرة الخاصة تعني أن تحدد المحكمة الجنائية حصريًا الأدوات أو الأموال التي استخدمها الجاني في عمله الإجرامي، ومن ثم تحكم بمصادرتها بعد ثبوت استخدامها في مخالفة القانون، كمصادرة السيارات والأسلحة والمخدرات في قضايا التهريب والقتل والإرهاب، وليس مصادرة جميع مال الشخص، إذ يعد ذلك مصادرة عامة مخالفة للدستور.

لكن قرار اللجنة تجاوز مصادرة جميع مال الشخص، إذ وصل إلى مصادرة شركات لم تتعد حصة المتهمين بالانتماء للإخوان فيها بضعة أسهم، مثل "راديو شاك" أو "موبايل شوب"، وتجاوز إلى تعقب بعض شركائهم أيضا بالمصادرة والتحفظ.

ويشدد مالكون ومشاركون في تلك الشركات المصادرة على عدم تبعيتها للإخوان، فعلى سبيل المثال، شركة "سعودي" التي جرى مصادرتها بدعوى تبعيتها للقيادي الإخواني "عبدالرحمن سعودي"، في الحقيقة تخارج منها "عبدالرحمن" لصالح إخوته منذ عام 2008، وإخوته يبدون تأييدا لافتا لنظام "السيسي" منذ إطاحته بالرئيس الأسبق "محمد مرسي".

ويقول محام مصري لـ"الخليج الجديد" إن التوصيف الصحيح لتلك القرارات هو أنه استيلاء، وليس مصادرة ولا تأميما، لأن المصادرة يحددها الدستور بالحكم القضائي المحدد للمال المصادر تحديدا دقيقا، وينفي وجود أي مصادرة عامة في الدستور.

ويضيف المحامي الدستوري الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه "ليس تأميما، لأن التأميم كان عبارة عن استرداد أموال مملوكة للشعب، أو حتى توجد شبهة في ملكيتها للشعب، كما حدث في خمسينيات القرن الماضي، لكن ما يجري الآن هو عمليات استيلاء على الأموال دون سند من الدستور".

"السيسي" ورجال الأعمال

ومما أسهم في زيادة مخاوف المستثمرين من أن تمتد عملية مصادرة الأموال إلى شركاتهم، أن علاقة "السيسي" برجال الأعمال اتسمت بالعديد من المشادات والتحرشات، وذلك بعدما عبّر الجنرال، الذي أطاح بأول رئيس جمهورية منتخب في البلاد، عن خيبة أمله من مستوى تبرعات رجال الأعمال لصندوق أطلقه وطالبهم بالتبرع لصالحه.

وكرر "السيسي" مخاطبته لرجال الأعمال قائلا: "هتدفعوا يعني هتدفعوا".. وذلك رغم تخفيض مستوى توقعاته إزاء حجم تبرعاتهم.

وعقب خيبة أمله، أجرى نظام "السيسي" مصادرة لعدد من الأراضي التي كان قد تم تخصيصها لمشاريع مجموعة من رجال الأعمال بدعوى أن عمليات تخصيصها شابها عوار قانوني.

كما تصاعدت حدة التوتر بين نظام "السيسي" ورجل الأعمال المعروف "صلاح دياب" ليصل الأمر إلى حد إلقاء القبض عليه في 2015، بشكل مهين، قبل أن يتم الإفراج عنه في وقت لاحق.

أسماء غير إخوانية

كما تضمنت قائمة المصادرة أموالهم مؤخرا عددا من الأسماء غير الإخوانية، وهو ما زاد من مخاوف المستثمرين، ومن بين هؤلاء: لاعب كرة القدم المعروف "محمد أبوتريكة"، ورجل الأعمال الشهير "صفوان ثابت" (مالك شركات جهينة للألبان)، بالإضافة إلى عدد من أبناء قيادات جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن لهم ذمة مالية مستقلة عن آبائهم.

ونص قانون مصادرة الأموال الذي أصدره "السيسي" على أنه: "مع مراعاة حقوق الغير حسن النية، يكون للجنة متى صار حكم التحفظ نهائياً التصرف فى الأموال محل التحفظ، على النحو المبين فى القانون المدنى والمرافعات المدنية والتجارية متى كان منطوق الحكم قد نص على التصرف فى المال، وذلك بنقل ملكيته إلى الخزانة العامة بناء على طلب اللجنة من المحكمة المختصة (الأمور المستعجلة) التصرف فى المال".

ويسمح القانون للأسماء الواردة في قرار التحفظ بالتظلم خلال 8 أيام من إعلانه، ويتم الفصل فيه خلال 30 يومًا، ويتاح حق التقاضي مرتين وبعد ذلك يكون القرار نافذًا، ويجري تحويل الأموال إلى خزانة الدولة حال ثبوت تورط الكيانات في دعم الإرهاب.

على خطى الاعتقالات

ويشير رجال أعمال، متخوفون من تمدد عمليات مصادرة الأموال إلى أموالهم، إلى أن حملات الاعتقالات بدأت في البداية في أوساط قيادات جماعة الإخوان المسلمين فقط، لكن ذلك كان مجرد تمهيد، إذ توسعت لاحقا لتشمل جميع القيادات الأدنى، ثم كل منتسبيها، إلى أن وصلت إلى المؤيدين والمتعاطفين معهم.

ثم انتقلت توسعات الاعتقالات لاحقا لتشمل كل معارضي النظام، أو حتى أولئك الذي يتخوف النظام من إمكانية معارضتهم، فشملت ليبراليين ويساريين وآخرين ليست لهم أي ميول سياسية، بل حتى من كانوا من مؤيدي النظام لكن لهم مواقف ورؤى مختلفة إزاء بعض القضايا.

اللافت للنظر، أن جميع أولئك الليبراليين واليساريين أو مؤيدي النظام السابقين، وجه لهم النظام تهم الانضمام لجماعة إرهابية، في إشارة إلى الإخوان المسلمين، رغم أن جميعهم كانوا من معارضي الإخوان، وكانوا ركيزة وغطاء الإطاحة بالرئيس الأسبق "محمد مرسي" المنتمي لجماعة الإخوان.

ويلفت مستثمرون إلى إمكانية أن تتوسع كذلك عمليات المصادرة على خطى الاعتقالات، لتشمل لاحقا رجال أعمال ومستثمرين بسبب وشايات كاذبة، أو أطماع توسعية للنظام، وربما تظل أيضا عمليات الاستيلاء على الأموال تحت العنوان نفسه "مصادرة أموال الإرهابيين".

النظام يناقض نفسه

وتتزامن تلك الإجراءات مع سعي معلن محموم من جانب النظام المصري لجذب الاستثمار الخارجي، كما طالب عدد من الإعلاميين المصريين رجال الأعمال والمستثمرين الأتراك بالتوجه إلى مصر في أعقاب الأزمة الاقتصادية هناك، مبدين ترحيبا برؤوس الأموال التركية.

كما تتواكب تلك الإجراءات، مع صدور قانون الاستثمار أخيرًا في مصر، ومن شأن القانون الجديد التركيز بشكل أكبر على تسهيل الخدمات للمستثمرين، وتوفير مناخ جاذب للاستثمار في مصر.

لكن الآمال من ذلك القانون تتناقض مع الاستيلاء على الأموال والشركات بدعوى أنها تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وهو إجراء له أعباء وأضرار على الاستثمارات التي تسعى الحكومة لجذبها.

ويشدد خبراء اقتصاد أن مثل هذه الخطوات ستبعث رسائل غير مطمئنة للمستثمرين، في وقت تحتاج فيه البلاد لتعزيز النشاط الاستثماري.

ويعتبر أكثر من باحث اقتصادي أن هذه الأفعال تعد مفزعة لبيئة الاستثمار في مصر وتخلق حالة من عدم الاستقرار لأي مستثمر سواءً كان يعمل أو ينوي بدء العمل في الأسواق المصرية حتى لو لم يكن له علاقة بجماعة الإخوان المسلمين.

ويطالب المستثمرون بأن يكون التعامل مع بيئة الاستثمار في البلد بحساسية عالية بسبب تأثر المستثمرين بأي أمر قد يؤذي أعمالهم، وإغلاق الأعمال والاستثمارات سيؤدي بالمحصلة هروب رؤوس الأموال.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أموال الأخوان مصادرة استيلاء خرق الدستور عبدالفتاح السيسي

ليبيا تعترض على حكم مصري بتعويض عائلة عن التأميم