النزاعات العالمية تعد بمزيد من الاضطرابات في القرن الأفريقي

الأحد 23 سبتمبر 2018 06:09 ص

للمشاهد والمتابع، يتحول المد في القرن الأفريقي. وقد اتخذت الأطراف الأربعة المضطربة في المنطقة، إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي، خطوات لتسوية خلافاتهم التي طال أمدها، وآخرها اتفاق سلام تاريخي تم توقيعه هذا الأسبوع.

لكن مع تحرك اللاعبين المحليين نحو التقارب، تهدد القوى الأجنبية بسحبهم إلى خلافات تدور على بعد آلاف الأميال، وقد تعيق محاولات دول القرن الأفريقي لإنهاء إراقة الدماء.

وسوف يكون هذا مأساويا بشكل مضاعف، في ضوء جنون الدبلوماسية التي حدثت في القرن الأفريقي هذا الصيف. فقد وقع رئيسا إثيوبيا وإريتريا اتفاقية سلام في المملكة العربية السعودية في منتصف سبتمبر/أيلول، بعد أن اتفقا في وقت سابق على إنهاء خلافهما المستمر منذ عقدين.

كما أعاد البلدان فتح العلاقات مع الصومال وجيبوتي على التوالي، ووقعت جميع الحكومات الأربع اتفاقية تعاون في جيبوتي في وقت سابق من هذا الشهر.

وتهدف هذه الاتفاقات إلى إنهاء الصراع الذي اندلع دون توقف في القرن الأفريقي منذ أن احتلها الاستعماريون واليسار.

ويشق شبه الجزيرة الشرقية في أفريقيا أحد أكثر الشرايين التجارية ربحا في العالم، حيث يتجاوز حجم التجارة البحرية أكثر من 700 مليار دولار كل عام.

لكن بدلا من تشارك هذه الجوائز التجارية، أمضى حراس البوابة الأعوام الـ50 الأخيرة في حرب بعضهما البعض، في جولات دموية من النزاعات الإقليمية، كان أكثرها حدة الخلاف الحدودي بين إثيوبيا وإريتريا عام 1998، والذي أثار تجميد الدبلوماسية التي استمرت حتى يومنا هذا.

وكانت هناك أيضا حروب أهلية في إثيوبيا والصومال وجيبوتي، بسبب خليط سام من الفقر والشك في مرحلة ما بعد الاستعمار، الأمر الذي حول المنطقة إلى بوتقة من الفوضى. واستولى المتطرفون الدينيون على مساحات شاسعة من الصومال، بينما حول القراصنة ساحل القرن إلى "عش أفاعي".

ولكن الآن، يسعى أعضاء القرن الأفريقي إلى تأكيد إمكاناتهم الاقتصادية. وتضخ إثيوبيا، التي تعد بالفعل أسرع الاقتصادات نموا في أفريقيا، الأموال في سلسلة من مشاريع البنية التحتية، لا سيما سد النهضة العظيم، الذي سيكون أكبر سد في القارة. وعبر الحدود التي أعيد فتحها، تقوم إريتريا بتجاوز سمعتها كدولة حبيسة، ببناء ميناء جديد، مع سعيها للحصول على تمويل أجنبي.

واستغلت روسيا الفرصة، وتخطط لاستثمار كبير هناك. وترغب جيبوتي، التي تعمل في هذا المجال منذ أعوام، في أن تصبح مركزا تجاريا إقليميا يشبه دبي في أفريقيا. وفي الواقع، تحاول حاليا إخراج شركة "موانئ دبي العالمية"، المملوكة للدولة في دبي، من حوض بناء السفن التابع لها في ميناء "دوراليه"، واستعادة ما تصفه باستقلالها الاقتصادي.

الواقع البارد

ومع ذلك، فإن صراع جيبوتي مع "موانئ دبي العالمية" ليس سوى معركة من أجل الحرية. وفي الواقع، يؤكد ذلك حقيقة أكثر ظلمة لدى جيرانها في القرن الأفريقي. وبعيدا عن السعي إلى حريتهم الاقتصادية، فإنهم يعترفون بالتأثير المتزايد للدول الأجنبية. وبالتأكيد فإن تلك الحرية بعيدة كل البعد عما يريده هؤلاء الدائنون في المقابل.

ووفقا لما قاله المشرعون الأمريكيون القلقون في جلسة استماع تم عقدها في الكونغرس مؤخرا، تريد جيبوتي التخلص من "موانئ دبي العالمية" لأنها تخطط لتسليم "دوراليه" إلى الصين، وهو ما يمثل مكافأة لدعم بكين المتزايد.

وأقرضت البنوك الصينية جيبوتي 1.4 مليار دولار في العامين الماضيين، أي أكثر من 75% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وأنشأ مهندسوها منطقة تجارة حرة في "دوراليه"، المحور الرئيسي لخطط مركز جيبوتي التجاري. والقصة مشابهة في أماكن أخرى، فلقد مولت الصين سد النهضة، وكذلك خط سكك حديد يربط جيبوتي بأديس أبابا، بينما تقوم في إريتريا بتطوير منجم جديد.

وستظل الصين دون شك تحتفظ باهتمامها بمنطقة القرن الأفريقي، وهي ببساطة جزء من خطة "طريق الحرير البحري"، وهو طريق مائي بين آسيا وأوروبا، يعزز شبكة التجارة "حزام واحد، طريق واحد" التى تبنيها بكين.

وسوف يتحدث الرئيس "شي جين بينغ" ومسؤولوه عن التعدين الذي جذبهم إلى إريتريا، وفرص المطالبة بحصة في أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاما في العالم. لكن هناك دوافع سياسية هنا أيضا، فقد تم اتهام الصين بالفعل بوضع سلسلة من مصائد الديون في الأعوام الأخيرة، وإغراق الدول بقروض رخيصة للاستيلاء على أصولها عندما لا تستطيع السداد.

فهل ستقوم الصين بنفس الشيء في القرن الأفريقي؟ حسنا، هناك علامات بالتأكيد على ذلك. وارتفعت ديون جيبوتي إلى 85% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين حصلت إثيوبيا للتو على صفقة مع بكين لإعادة هيكلة ديونها. واقامت الصين بالفعل منشآت عسكرية في جيبوتي، الأمر الذي أدى إلى استياء واشنطن، التي يقع معسكرها العسكري بالقرب منها.

بينما يدفع العداء بين "شي" و"دونالد ترامب" إلى الحديث عن حرب باردة جديدة، حيث ليس من الصعب تصور استيلاء الصين على أصول استراتيجية أساسية من "شركائها" في القرن الأفريقي، واستخدامها لتهديد القوات الأمريكية في جيبوتي.

اللعب بالعرائس

وفي الوقت نفسه، أسفل الساحل، يتم جر الصومال إلى الخلاف الإقليمي بين قطر والإمارات. وربما تكون جيبوتي تعاملت مع دبي ندا بند، لكن دول الخليج لديها موطئ قدم أقوى في الصومال، بفضل الروابط الدينية وعقود من التجارة.

والأكثر من ذلك، فإن الصراع المستمر على السلطة بين الرئيس "محمد عبدالله محمد"، المعروف باسم "فارماجو"، والديماغوغيين الإقليميين في بلاده، يوفر فرصة مثالية لاستغلال كل الأطراف والتلاعب بها لصالح تحقيق المزيد من النفوذ.

وتدعم قطر، وحليفتها تركيا، "فارماجو"، وقدمت الدوحة نحو 400 مليون دولار كمساعدات للإدارة في مقديشو، في حين تدار الموانئ الرئيسية في العاصمة بأيدي تركية.

وتدعم الإمارات خصوم "فارماجو"، وسيطرت على الموانئ في منطقتي "بونتلاند" و"أرض الصومال" الانفصاليتين، بينما سحبت التمويل من الجيش المركزي.

وتنتقد حكومة "فارماجو"، التي حاولت أن تظل حيادية في المواجهة الخليجية، تدخل الإمارات العربية المتحدة بشدة، وتزيد من قمع منافسيها. ولا عجب في أن بعض الشخصيات الصومالية البارزة تتحدث عن "أزمة دستورية"، والتي قد تلعب في صالح "حركة الشباب".

لذا، في حين يجب الترحيب بمحاولات القرن الأفريقي الأخيرة لتحقيق التعاون والاستقرار، إلا أن المنطقة لا تزال تشكل قنبلة موقوتة، قد تنفجر لتنتشر شظاياها في كل مكان. وقد يتوجب على القادة الإقليميين الذين يرغبون في الخروج من الاضطرابات التي أعقبت الاستعمار أن يسألوا أنفسهم لماذا يهتم المستثمرون الأجانب الجدد بالقيام بأعمال تجارية لديهم.

  كلمات مفتاحية

القرن الأفريقي موانئ دبي العالمية طريق الحرير المائي القروض الصينية