أربعة استراتيجيات تصدرت الإعلام السعودي، بشأن حادثة الكاتب الشهير "جمال خاشقجي"، الذي ترجح السلطات التركية مقتله، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، ما يشير إلى حالة من الارتباك بين وسائل الإعلام الناطقة بلسان السلطة في المملكة، ولا تستطيع أن تحيد عنها.
"نقل الرواية الرسمية.. والتشكيك والتكذيب فيما عداها.. واتهام قطر.. ومهاجمة تركيا".. سيناريو تكرر في وسائل الإعلام السعودية، وبالتبعية في الإعلام الإماراتي، حول الواقعة التي بدأت الثلاثاء الماضي، ولا تزال فصولها مستمرة حتى اللحظة، في ظل عدم العثور على "خاشقجي" حيا، أو جثته ميتا.
البداية كانت الثلاثاء الماضي، عندما دخل "خاشقجي" قنصلية بلاده في إسطنبول لاستخراج أوراق رسمية، تتعلق بإثبات طلاقه من زوجته الأولى، حتى يتسنى له الزواج من جديد، بيد أن خطيبته التركية "خديجة جنغير"، التي كانت تنتظره في الخارج، اتصلت بالشرطة بعد تأخره في الخروج.
وفي ظل استمرار أزمة اختفاء "خاشقجي"، وبعد إعلان السلطات التركية فتح تحقيق في الحادث، نقلت كانت وكالة "رويترز"، مساء السبت، عن مصادر تركية تأكيدها أن "خاشقجي" قتل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وأن عملية القتل كانت مدبرة، وتم نقل جثته خارج مبنى القنصلية.
وسرد مصدر مطلع حينها، لـ"الخليج الجديد" تفاصيل مروعة حول ملابسات مقتل "خاشقجي"، حيث أفاد بأن الأخير خضع لتحقيق قاس، بحضور مسؤولين سعوديين حضروا خصيصا إلى تركيا ووصلوا إلى القنصلية في نفس موعد دخول "خاشقجي" لها.
وأضاف أن "خاشقجي" تعرض للتعذيب، ثم تم قتله، وتقطيع جثته ليسهل إخفاؤها خارج القنصلية، وأن المسؤولين السعوديين الذين حضروا التحقيق، وثقوا عملية التعذيب والقتل وتقطيع الجثمان، ثم غادروا إلى بلادهم، لإطلاع ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" على تلك المقاطع.
ترويج لـ"بن سلمان"
وفي أول يومين من الواقعة، وهي المدة التي التزمت فيها السلطات السعودية الصمت، رغم تصاعد الحديث عالميا، امتنعت الصحف السعودية عن ذكر أي شيء عن الواقعة، وكان أول ظهور لاسم "خاشقجي" فيها الخميس، عندما نقلت بيانا للقنصلية السعودية في إسطنبول، يقول إنه يتابع الحادث.
كما اكتفى الإعلام السعودي، خلال اليومين الأولين، بالترويج لما ذكره ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، في حواره مع وكالة "بلومبرغ"، حين قال إن "خاشقجي" أنهى معاملته في القنصلية وخرج منها.
وأضاف أن بلاده لديها استعداد للسماح للسلطات التركية، بالدخول إلى مقر القنصلية بحثا عن "خاشقجي".
رواية رسمية فقط
أما اليومين التاليين للواقعة، فاستمرت الصحف السعودية، بنشر ما يصدر رسميا فقط عن القنصلية، رغم أن الإعلام الغربي والعربي تحدث عن سيناريوهات كثيرة، وطالب بالكشف عن مصير الكاتب الشهير.
ومع بزوغ يوم أمس السبت، بدأت استراتيجية الإعلام السعودي، بدعم من اللجان الإلكترونية التابعة للمستشار بالديوان الملكي المشرف العام على مركز الدراسات والشؤون الإعلامية به "سعود القحطاني"، التعامل مع قضية "خاشقجي".
وروجت الصحف السعودية بكافة إصداراتها، للرواية الرسمية بعناوين ضخمة، مع التأكيد على محتواها، مشيرين إلى أن "خاشقجي" ليس بالقنصلية، وأن السلطات السعودية تتابع التحقيقات حول اختفائه، وأن فريق التحقيق السعودي وصل إلى تركيا للمشاركة في التحقيقات.
واحتفت الصحف، بفتح القنصلية، السبت، لعدد من وسائل الإعلام، واستقبال القنصل لهم، بحثا عن "خاشقجي"، لافتين إلى أن التحرك السعودي بفتح أبواب القنصلية لوسائل الإعلام التي لم تترك غرفة أو دولابا دون أن يسمح لهم بالتحقق منها، تأكيد لحرص السعودية على أمن مواطنيها، وجدية سعيها لبذل كافة الجهود للبحث عن المواطن المختفي بعد خروجه من القنصلية.
كما روجت هذه الصحف، إلى تأكيدات الحكومة السعودية قلقها على اختفاء مواطنها في ظروف غامضة بتركيا.
تشكيك وتكذيب
في المقابل، قادت صحيفتا "عكاظ" و"سبق" السعوديتان، سلسلة من التشكيك والتكذيب، لكل ما يصدر عن الجانب التركي، أو وسائل الإعلام الغربية، فظهرت عناوين على شاكلة "أكذوبة قتل خاشقجي.. سيناريو خيالي جاهز والغربان كانت تنتظر شارة البدء"، و"القنصلية السعودية تفتح أبوابها للإعلام.. المختفي خاشقجي ليس في القنصلية".
كما روجت الصحف، إلى ما سمته "الإعلام المؤدلج الذي يحاول المزايدة على قضية اختفاء خاشقجي، رغم السماح لوكالة رويترز الدخول إلى القنصلية السعودية في تركيا، في جولة لتبيان الحقيقة".
واتهمت الصحف، البعض بمحاولة تسيس القضية قبل صدور بيان رسمي من السعودية.
الأمر لم يقتصر على ذلك، بل روج ما يعروف باسم "الذباب الإلكتروني التابع لدليم"، في إشارة إلى اللجان الإلكترونية لـ"القحطاني"، لوسم بعنوان "مسرحية جمال خاشقجي"، شكك في الرواية التركية، بل وكذبها.
كما روجت حسابات اللجان الإلكترونية، إلى أن كل ما يثار حول تورط السعودية في إخفاء أو قتل "خاشقجي"، يأتي في إطار محاولات النيل من سمعة المملكة، وتشويهها بإلصاق تهم عارية من الصحة.
اتهام قطر
لم يكتف الذباب الإلكتروني، في التشكيك والتكذيب فحسب، بل بدأ في ترويج رواية أخرى، زعموا فيها أن المخابرات القطرية هي من قتلت "خاشقجي"، بعدما تأكد لها أنه ينوي العودة لبلاده، حسب مزاعمهم.
كما وجهت صحيفة "عكاظ"، اتهامات لخطيبة "خاشقجي"، حين قالت إن الغموض يثار حولها لعلاقتها بصحفي قطري، وبنشر الكاتب السعودي لصورتها مع آخرين ووصفها في "تويتر" بـ"متخصصة في الشأن العُماني ولها كتاب في ذلك"، ولم يشر إلى أنها خطيبته أو زوجته، وهو ما اعتبرته "يزيد من غموض القضية".
وأشارت "عكاظ"، أشارت في صدر حديثها عن "خاشقجي"، بالقول: "خطيبته المفترضة على صلات مع القطريين.. إصرار قطري على مقتل خاشقجي يوسع دائرة الشك".
بدورها، قالت صحيفة "سبق": "لغز خاشقجي.. تقارير تدحض رواية خديجة"، أشارت فيه إلى أن ما تقوله خطيبته عار من الصحة، وفي إطار محاولات الهجوم والنيل من المملكة.
الاتهامات أيضا طالت وسائل الإعلام التي تنشر أخبارا عن "خاشقجي"، ووصفها بأنها "وسائل إعلام إخوانية"، لافتين إلى أن تسليط الضوء على ما جرى لـ"خاشقجي"، يثير دائرة الشك، في سيناريوهات اختفائه.
حتى عنونت صحيفة "عكاظ"، إحدى تقاريرها بـ"اختفاء خاشقجي.. مزايدة الإعلام المعادي".
مهاجمة تركيا
الاستراتيجية الأخيرة، التي تناولها الإعلام السعودي، هو مهاجمة تركيا، كونها لم تستطع حماية المواطن السعودي "خاشقجي"، وهو على أرضها.
فتساءلت صحيفة "عكاظ"، في تقرير لها: "هل إسطنبول آمنة للسعوديين؟"، لتجيب: "بدت الحالة الأمنية غير المستقرة والأحداث المتفجرة التي شهدتها إسطنبول خلال العاميين الماضيين، بمثابة رصاصة الرحمة على المدينة، لتسقط من قائمة الوجهات السياحية المفضلة عند الكثير من السياح الخليجيين وعلى رأسهم السعوديين".
وأضافت: "مع لغز اختفاء المواطن جمال خاشقجي، المثير للجدل، تزيد مخاوف مواطنين سعوديين من ما آل إليه مستوى الأمن التركي في الحفاظ على سلامة زائري أهم المدن السياحية في البلاد".
أما صحيفة "سبق"، فروجت أن تركيا شهدت في السنوات الأخيرة حالات اغتيالات واختفاء قسري لصحفيين ومواطنين من بلدان مختلفة، لافتة إلى أن لأنقرة تاريخ من التنكيل والتقريع بالمعارضين.