جهاز النهضة السري.. استهداف لربيع تونس أم حملة انتخابية؟

الخميس 29 نوفمبر 2018 04:11 ص

"العالم أجمع يعلم بالجهاز السري لحركة النهضة"..

كلمات صعد بها الرئيس التونسي "الباجي قائد السبسي" معركته السياسية مع الحركة، الخميس، إثر استنكار الأخيرة ما اعتبرتها محاولات لإقحام الرئاسة في شؤون القضاء، على خلفية القضية التي أثارتها هيئة الدفاع عن السياسيين اليساريين "محمد البراهمي" و"شكري بلعيد"، اللذين اغتيلا عام 2013.

استقبل "السبسي" الهيئة التي ادعت، قبل أيام، أنها توصلت لمعطيات جديدة عن ما سمته "الجهاز السري للنهضة"، زاعمة أنه "كان يخطط، عام 2013، لاغتيال السبسي والرئيس الفرنسي وقتها (فرانسوا هولاند)"، الأمر الذي نشرته صفحة الرئاسة التونسية الرسمية على "فيسبوك"، واعتبرته النهضة محاولة ضرب حياد مؤسسات الدولة.

وفي المقابل، اعتبر الرئيس التونسي استقباله لهيئة الدفاع عن "بلعيد" و"البراهمي" أمرا طبيعيا في ظل  طبيعة دوره التي تقتضي استقبال كل الأطراف دون استثناء بصفته رئيسا للجمهورية.

لكن "السبسي" لم يكتف بتبرير الاستقبال، بل وصف ادعاءات هيئة الدفاع بأنها "معقولة"، مشيرا إلى أنها أمدته بمجلد من الوثائق عن الجهاز السري المزعوم لحركة النهضة.

وقدم تعليق الرئيس التونسي مؤشرا للمراقبين على دخول القضية ساحة "التسييس"، خاصة أن الدعوى التي رفعتها هيئة الدفاع لا تزال منظورة أمام القضاء التونسي، وفي ظل وجود دوافع لـ"السبسي" من شأنها تصعيد الهجوم الإعلامي ضد النهضة، إثر انتهاء التحالف السياسي بينهما.

من هنا جاء تعليق القيادي بالنهضة "عبداللطيف المكي" الذي أكد فيه أن "الحركة لا تنكر على أحد حق التوجه إلى القضاء من أجل الوصول إلى حقيقة ما، لكنها تستنكر اللجوء إلى التهييج الإعلامي لإقحام مؤسسات الدولة الرسمية للدولة والضغط على سلكي القضاء والأمن بما يؤدي إلى التشكيك فيهما".

بروباغندا انتخابية

 

وإزاء ذلك، انقسم محللو الشأن التونسي إلى فريقين، الأول يرى أن تصعيد المعركة بين "السبسي" والنهضة يأتي في إطار حملة "بروباجندا" مبكرة استباقا لانتخابات الرئاسة التونسية المزمعة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل (2019)، والثاني يرى أنها تمثل بداية العد التنازلي لاستهداف "ربيع تونس" من جذوره، والعودة بتجربة العرب الوحيدة في التحول الديمقراطي بعد ثورات عام 2011.

ويستند مرجحو التحليل الأول إلى تزامن إعلان "السبسي" نهاية التوافق مع النهضة مع حملة هجوم إعلامي شرس ضد الحركة من جانب، وإصرار الرئيس التونسي على تمرير مشروع قانون "المساواة المطلقة في الميراث" رغم الاستنكار الإسلامي الواسع له، داخل وخارج تونس.

ووفق هذه المعطيات، فإن "السبسي" يسعى إلى استجلاب الدعم السياسي داخليا، عبر افتعال "معركة هوية" مع النهضة تضمن له "اصطفافا علمانيا" يمكنه من الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة بمنع تفتت الأصوات لصالح المرشح الذي ستدعمه النهضة، وخارجيا، عبر تسويق نفسه للغرب باعتبار أن وجوده على رأس الدولة يضمن لها الاستمرار في إطار نموذج النجاح المدني والديمقراطي المذكور، ولدول الخليج المعادية للربيع العربي (السعودية والإمارات تحديدا) باعتباره الأمل الوحيد لها في منع وجود سلطة معبرة عن ثورة الياسمين.

وتقدم نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة قدرا من دعم هكذا تحليل، بحسب مراقبين، إذ تصدرها المستقلون بنسبة 32% من المقاعد، تلاهم مرشحو النهضة بـ 29%، ثم مرشحو نداء تونس (حزب السبسي) بـ 22%، بما يعني أن هزيمة الحركة المعبرة عن تيار الإسلام السياسي في تونس ممكن شريطة ضمان أكبر قدر ممكن من الاصطفاف الموحد ضدها بالانتخابات الرئاسية.

وبإضافة إعلان "نداء تونس" إنهاء تحالفه مع النهضة عقب الانتخابات البلدية مباشرة، وإبرام تحالفات جديدة مع القوائم المستقلة التي تتفق مع توجهاته السياسية، يمكن القول بإن مخططا سياسيا يقوده "السبسي" يسير باتجاه "التكتيل" ضد خصمه الرئيس بالانتخابات المقبلة.

وفي هذا الإطار يمكن قراءة المعركة بين "السبسي" والنهضة حول مستقبل حكومة "يوسف الشاهد"، بحسب مرجحي التحليل الأول، إذ بدت رئاسة الجمهورية وكأنها في موقع المعارضة، بدعمها تغيير الحكومة ورئيسها، والحركة في موقع الحاكم الفعلي، بدعمها عدم تغييرها، وهو ما يقدم "السبسي" بالانتخابات المقبلة وكأنه غير مسؤول عن أداء الحكومة الباهت اقتصاديا، رغم اختياره لـ "الشاهد" ابتداء.

استئصال الربيع

أما مرجحو التحليل الثاني، فيرون أن أبعاد تصعيد الهجوم ضد النهضة إلى مستوى اتهامها بـ"الإرهاب" أعمق من مجرد معركة انتخابية مبكرة، وينذر بإجهاض مكتسبات نموذج الأمل الوحيد لبعث الربيع العربي مجددا.

وتستند هذه القراءة إلى عدة معطيات، منها أن الإحجام السعودي والإماراتي عن تقديم الدعم الكافي لحكومة "الشاهد" مثّل أحد العوامل الإقليمية المهمة في أدائها الباهت واتجاهها إلى البنك الدولي للاقتراض، إضافة إلى تزامن الهجوم الداخلي على الحركة مع آخر خارجي، قادته وسائل الإعلام المدعومة من محور "الثورة المضادة" الخليجي، كما يسميه أنصار الربيع العربي في تونس.

أما العامل الأكثر خطورة، حسبما يرى مرجحو هذا التحليل، فهو انتقال حملة الهجوم إلى استهداف استمالة مؤسسات الدولة التونسية في المعركة ضد النهضة، خاصة الأجهزة الأمنية، خاصة أن تصريحات "السبسي" حول مزاعم الجهاز السري للحركة جاءت خلال "اجتماع لمجلس الأمن القومي".

كما أن القضاء التونسي استدعى 6 مسؤولين أمنيين للاستماع إلى أقوالهم بشأن القضية، مثل عامل ضغط على وزارة الداخلية، في ظل اتهام هيئة الدفاع عن "بلعيد" و"البراهمي" لقطاعات في الوزارة بالاشتراك في عمليتي اغتيالهما.

كما تمثل الحملة الإعلامية وتوافق "السبسي" معها ضغطا إعلاميا غير مسبوق على القضاء التونسي، الذي أنصف النهضة في العديد من القضايا السابقة، ومنها إلغائه مؤخرا لجميع الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة ضد الحركة وعدد من قياداتها، بين عامي: 1987 و2010.

الهدف إذن هو إدانة الحركة التي تمثل "رمانة ميزان" السياسة التونسية بعد ثورة 2011 بالإرهاب، وبالتالي الاتجاه إلى سيناريو "حلها" بحكم قضائي، والعودة إلى صيغة إدارة البلاد عبر إقصاء كامل للتيار الإسلامي عن المشهد، حسبما يرى مرجحو هذا التحليل.

هجوم مضاد

وإزاء ذلك، جاءت تحركات الحركة السياسية في إطار شن هجوم مضاد يستهدف الإبقاء على حياد مؤسسات الدولة وعدم الانجرار بها إلى "مشهد انقلابي" تحت غطاء قضائي، وذلك عبر الرد الإعلامي على مزاعم جهازها السري من جانب، والتوجه إلى القضاء بدعاوى مضاده ضد قيادات في "الجبهة الشعبية" اليسارية بتهمة التشهير، ومحاولة استغلال جريمة اغتيال "بلعيد" و"البراهمي" سياسيا.

أي من التحليلين يعبر عن حملة غير مسبوقة تتعرض لها النهضة التونسية؟ تطورات القضية ستكون حاسمة في الإجابة على هذا السؤال، أما مستقبل السجال السياسي بين "السبسي" والحركة، فيعتمد بالأساس على مدى قدرة الأول على "التكتيل"، ومدى صلابة جبهته الداخلية المتداعية (نداء تونس)، خاصة في ظل انقسام الحزب سواء إزاء العلاقة مع النهضة، أو حتى في الموقف تجاه عديد القضايا السياسية والاجتماعية، ومنها مشروع قانون المواريث الأخير، إضافة إلى مدى نجاح الحركة في عبور الحملة الشرسة ضدها.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس السبسي حركة النهضة شكري بلعيد محمد البراهمي